فصل متعاطي المخدرات بمصر: حسابات اقتصادية وشكوك بأهداف مستترة

فصل متعاطي المخدرات بمصر: حسابات اقتصادية وشكوك بأهداف مستترة

22 يونيو 2021
يبسط القانون رقابة الدولة على موظفين ليسوا تابعين لها بالأساس (Getty)
+ الخط -

أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأحد، قانوناً برقم 73 لسنة 2021 في شأن بعض شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها، والمعروف إعلامياً بـ"فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات" متضمناً إجراءات تشريعية عقابية تدخل للمرة الأولى في تنظيم الوظيفة العامة في مصر، بهدف أساسي هو تخفيض عدد العاملين في الخدمة المدنية والذي يعد أحد أهداف الخطة التي وضعها النظام الحاكم منذ عامين لتقليل الإنفاق على العمل الحكومي.

ووفقاً لاستراتيجية التنمية المستدامة (2030) التي أعلنها السيسي عام 2018، تعوّل الحكومة على اتّباع آليات مستحدثة لفصل العاملين المدنيين في الدولة بغير الطريق التأديبي، لأسباب مسلكية أو سياسية، وكذلك آلية التقاعد المبكر المذكورة في قانون الخدمة المدنية الجديد، مع حظر التعيينات الجديدة نهائياً، إلا في صورة تعاقدات مؤقتة كالتي ترغب وزارة التعليم في تطبيقها، أو عقود استشارية مؤقتة، أو مع الجهات ذات الطابع الاستثنائي التابعة لرئاسة الجمهورية، للتخلص من 50 في المائة على الأقل من الرقم المراد تخفيضه، وهو مليونا موظف، حتى يصل الجهاز الحكومي لحوالي 3 ملايين و900 ألف موظف فقط بعد عامين. علماً أن العدد الحالي للموظفين هو 5 ملايين و800 ألف موظف تقريباً، منهم 5 ملايين في الجهاز الإداري الأساسي، و800 ألف يتبعون لقطاع الأعمال العام المكوّن من الشركات القابضة والتابعة التي تديرها الحكومة وتساهم فيها مع مستثمرين آخرين.

وكشفت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" أن ما دفع مجلس الوزراء لاستحداث هذا القانون هو "سد الثغرات" التي كشفها تطبيق الحكومة لخطة فصل أو تخفيض الرواتب بدعوى تعاطي الموظفين للمخدرات والمسكرات، وهو الإجراء الذي كانت الحكومة قد بدأت بتنفيذه بالفعل عام 2018، ولكنها واجهت مشاكل قانونية تتعلق بإمكانية عودة هؤلاء الموظفين إلى أعمالهم بواسطة رفع دعاوى قضائية، مستغلين ثغرة غياب النص التشريعي الذي يسمح للحكومة بوقف الموظف أو فصله في حالة تعاطيه المخدرات أو المسكرات طالما لم يؤثر هذا سلباً على أدائه الوظيفي.

سيلعب القانون الجديد دوراً كبيراً في وقف تحدي رغبة الحكومة في استبعاد العاملين المدنيين بحجة تعاطي المخدرات

وسيلعب القانون الجديد دوراً كبيراً في وقف تحدي رغبة الحكومة في استبعاد العاملين المدنيين بحجة تعاطي المخدرات، فمن ناحية أولى يسمح بالفصل بمجرد ثبوت العينة التوكيدية التي تؤخذ من العامل بعد إيجابية عينته الاسترشادية المأخوذة منه بصورة عشوائية أو دورية، ومن ناحية ثانية يُغني الحكومة عن الحاجة إلى اللجوء للقضاء أو النيابة الإدارية في ذلك، ومن ناحية ثالثة لن يُسمح للعامل بالتشكيك في سلامة الإجراءات أمام القضاء قبل أو بعد فصله رسمياً.

وتبعاً لذلك؛ تحوم حول القانون عدة شبهات دستورية وفقاً لتكامل مواد الدستور وبصفة خاصة المواد الخاصة بحق التقاضي والمادة 14 الخاصة بالوظيفة العامة والتي تنص على أن "الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون". ومع أن القانون الجديد يضيف بالفعل حالة للفصل غير التأديبي، أي من دون تحقيق ومساءلة، فإنه يتصادم مع المادة ذاتها لأنه يضع قيوداً على أساس الكفاءة عند التعيين الأول في الوظيفة العامة، كما أنه يستحدث نظاماً للتحقيق مكوناً من إجراءات فنية طبية كأخذ العينات وتحليلها من دون أن يخضع هذا النظام لأي رقابة على مشروعية تلك الإجراءات للتأكد من عدم التلاعب بها أو اتخاذها وسيلة للتنكيل.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

وبمقارنة الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون بقانون فصل العاملين بغير الطريق التأديبي، يتبيّن فارق مهم هو عدم تنظيم قانون كشف المخدرات لطريق الطعن على إجراءات الكشوف والقرارات المترتبة عليها. فقانون الفصل بغير الطريق التأديبي والذي أصدره الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان يهدف بالأساس إلى تنظيم الطعن على قرارات الفصل أمام محاكم القضاء الإداري، في إطار سعيه آنذاك لإعادة تفعيل مؤسسات الدولة التي كان سلفه جمال عبدالناصر قد تجاهلها وعمل على إضعافها، ومنها مجلس الدولة الذي يضم القضاء الإداري. وكان عبدالناصر قد أصدر عام 1963 قانوناً يسمح له بإصدار قرارات جمهورية بإحالة الموظفين للمعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي، مع اعتبار هذه القرارات جميعاً من أعمال السيادة غير القابلة للطعن أمام القضاء.

وحتى الآن يُلزم القضاء الإداري بالفصل في الطعون التي يقيمها الموظفون أو العاملون ضد قرارات فصلهم بغير الطريق التأديبي خلال سنة واحدة من رفع الدعاوى، كما يسمح للقضاء استثنائياً بالاكتفاء بالتعويض المالي للموظف المفصول بدلاً من إعادته للعمل، وذلك في أوضاع معينة هي أن يكون القرار قد مسّ أحد شاغلي الوظائف العليا أو أن يكون قد صدر في ظل حالة الطوارئ، باعتبار أن تنفيذ حكم عودة الموظف لعمله في الحالتين سيكون صعباً بما قد لا يسمح بتنفيذه أبداً. أما القانون الجديد الخاص بالمخدرات فيخلو من أي إشارة لحقوق التقاضي تلك، في مخالفة واضحة لنص المادة 96 من الدستور "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه" والمادة 97 "التقاضي حق مصون ومكفول للكافة".

تجاهل القانون للحالات الاستثنائية يعكس رغبة المشرع في محاصرة العامل وتقليل فرصه للدفاع المشروع عن نفسه

وأوضح مصدر قضائي في محكمة النقض أن تجاهل القانون للحالات الاستثنائية، ولو كانت نادرة، التي ربما يُسمح فيها للمرضى بتعاطي مواد يكون لها نفس آثار المخدرات، أو تعاطي عقاقير مدرجة على جدول المخدرات، والاكتفاء بذكر أنه "يتوجب على العامل الإبلاغ بما إذا كان يعاني من أمراض أو يتعاطى أدوية"، هو أمر يعكس رغبة المشرع في محاصرة العامل وتقليل فرصه للدفاع المشروع عن نفسه، حتى في الحالات التي تتطلب ذلك.

كما أن القانون يبسط رقابة الدولة على التعيين والتشغيل على فئات من الموظفين ليسوا تابعين للدولة من الأساس، على رأسهم العاملون بدور الرعاية وأماكن الإيواء والملاجئ ودور الإيداع والتأهيل ودور الحضانة والمدارس والمستشفيات، العامة والخاصة، وهي مؤسسات ليست حكومية فقط بطبيعة الحال، بل يتسع فيها نشاط القطاع الخاص، مما يدخل الدولة عملياً كشريك في إدارة تلك المؤسسات. وعلى الرغم من أن الغرض البادي للعيان من ذلك هو تقليل عدد المتعاطين للمخدرات في هذه المؤسسات التي تتعامل مع المرضى والنشء، إلا أن عدم إخضاع هذه الشراكة للرقابة القضائية يطرح احتمالات لاستخدام هذا القانون كأداة تنكيل أيضاً.

وتغذي هذه الاحتمالات تزامن بدء فصل العاملين بالدولة بحجة تعاطي المخدرات والمسكرات مع إصدار قرارات بفصل عشرات الموظفين من الوزارات الخدمية وكذلك في الجهات الحساسة في الدولة، ونقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية، بحجة انتمائهم أو انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة إلى جماعة "الإخوان"، واستحالة إسناد مهام عالية المستوى لهم بسبب "حظرهم أمنياً" وذلك في مارس/آذار عام 2019.

وفي ذلك الوقت كشفت "العربي الجديد" عن فصل المئات من العاملين بالدولة من معلمين وموظفين تنفيذاً لبرنامج سري وضعه الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة. ويهدف البرنامج لخفض هذه الأعداد إلى نحو 4 ملايين في نهاية عام 2021، وذلك بإجراء كشوف طبية وتحريات أمنية غير اعتيادية على الموظفين الحاليين، فضلاً عن آلاف الموظفين المحبوسين احتياطياً، والذين سافروا في إعارات أو انتدابات خارج مصر بعد الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013 والإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، للعمل في دول عربية أو خليجية، بهدف إجبارهم على تقديم استقالاتهم وإخلاء عدد كبير من الدرجات المالية والوظيفية في مختلف الجهات الحكومية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019 أعلنت وزارة التربية والتعليم عن قرار حديث وقّعه الوزير طارق شوقي، بفصل 1070 معلماً بدعوى أن لهم انتماءات سياسية لـ"جماعات محظورة" أو سبق أن صدرت ضدهم أحكام جنائية، ولا يصلحون للعمل بالتدريس لأسباب مختلفة.

ووفقاً لمذكرته الإيضاحية يهدف القانون إلى وضع حد لاستمرار بعض العاملين في شغل وظائفهم على الرغم من ثبوت تعاطيهم المواد المخدرة، وتوفير النصوص القانونية الصريحة التي يمكن بموجبها إيقاف من ثبت تعاطيهم المواد المخدرة عن العمل. كما يهدف إلى حماية المرافق العامة وحياة المواطنين من الخطر الداهم الذي يمكن أن يسببه بقاء متعاطي المخدرات في وظيفته، والتوسع في نطاق سريان القانون بما يوفر له من الشمول ليتسع لجميع جهات العمل والعاملين بالدولة. وأعلن البرلمان في مايو/أيار الماضي موافقته على القانون، معتبراً إياه خطوة مكملة في سبيل الإصلاح الإداري، مضيفاً تعديلاً وحيداً عليه هو تنفيذه بعد ستة أشهر من إصداره.