فصل الرياضة عن السياسة: فلسطين وأوكرانيا نموذجاً

فصل الرياضة عن السياسة: فلسطين وأوكرانيا نموذجاً

27 نوفمبر 2022
بول بوغبا وأماد ديالو يرفعان علم فلسطين (لورانس جريفز/Getty)
+ الخط -

أثارت المعايير السياسية المزدوجة؛ التي ينتهجها الاتحاد الدولي لكرة القدم واللجنة الأولمبية الدولية، عديد الأسئلة، حول القيم والمبادئ الرياضية، التي يعملون على نشرها حول العالم. لماذا حظرت فرق كرة القدم الروسية نتيجة حرب البلاد؟ لماذا حصل لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين على إيقاف لمدة عشر سنوات من اللجنة الأولمبية الدولية بعد رفضه مواجهة رياضي الجودو الإسرائيلي؟ ما الفرق بين أوكرانيا وفلسطين؟

ذُكر فصل الرياضة عن السياسة في الدليل القانوني للاتحاد الدولي لكرة القدم؛ المحدث عام 2022، في أكثر من مادة، وحث على الاستقلال الرياضي بمعزل عن الأمور السياسية. تنص المادة الرابعة من الدليل القانوني على:
" التمييز من أي نوع ضد بلد أو شخص عادي أو مجموعة من الأشخاص على أساس العرق أو لون البشرة أو الأصل العرقي أو القومي أو الاجتماعي أو الجنس أو الإعاقة أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الثروة أو المولد أو أي رأي آخر الوضع أو التوجه الجنسي أو أي سبب آخر محظور تمامًا ويعاقب عليه بالتعليق أو الطرد. ويظل الاتحاد الدولي لكرة القدم محايدًا في مسائل السياسة والدين. يمكن إجراء استثناءات فيما يتعلق بالمسائل التي تتأثر بأهداف الاتحاد القانونية".

إضافة إلى ذِكر المادة الخامسة عشرة والمادة الثالثة والعشرين بما يخص النظام الأساسي لكل من الاتحاد الوطني والاتحاد القاري بأن يكون الاتحاد مستقلاً تماماً عن أي تدخل سياسي. لكن ماذا لو كان التمييز من قبل المؤسسة المظلية نفسها ومخالفة النظام علانية بحجة الاستثناء؟

عمل الفيفا فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية على فرض عقوبات على الفرق والرياضيين الروس، بسبب صراع بلدهم مع جارتهم أوكرانيا، في حين نشهد في حالة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي معاقبة الرياضيين الذين أظهروا دعمًا سياسيًا رياضيًا للفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي بغرامات، وأحيانًا بالحظر.

العديد من المستوطنات اليهودية التي أقامتها إسرائيل في الضفة الغربية في تحد للقانون الدولي منذ عام 1967 تضم أندية كرة قدم، يعتقد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم وجوب منعها من المنافسة، بسبب انتهاكها القوانين والأخلاق الدولية. قال جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم: "هناك أندية إسرائيلية مسجلة في الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم ومسجلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وهذا يخالف قوانين الأمم المتحدة، لكن الفيفا لا تفعل شيئا".

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الأوروبي لكرة القدم روسيا من جميع المسابقات الدولية، علاوة على ذلك أوقفت" الفورمولا 1" جميع سباقاتها في روسيا، على خلفية النزاع الأوكراني الروسي، كما ظهرت الأعلام الزرقاء والصفراء في كل مكان في الدوري الإنكليزي الممتاز.

من ناحية أخرى، أوقف لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين عشر سنوات عن المنافسة، من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، لرفضه مواجهة خصمه الإسرائيلي في الألعاب الأولمبية، التي أقيمت في العاصمة اليابانية طوكيو العام المنصرم. ويعد الاتحاد الدولي لكرة القدم الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لا مكان له في الرياضة.

كما أقر المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية في شهر فبراير/شباط من العام الحالي عدة قرارات، تتمحور حول منع رياضيي ومسؤولي روسيا وبيلاروسيا من المشاركة في أي حدث رياضي دولي، تشمل القرارات أولاً: من أجل حماية نزاهة المسابقات الرياضية العالمية ومن أجل سلامة جميع المشاركين، توصي اللجنة الأولمبية الدولية منظمي الفعاليات الرياضية والاتحادات الرياضية الدولية بأن لا تدعو أو تسمح بمشاركة الرياضيين والمسؤولين الروس والبيلاروسيين في المسابقات الدولية.
ثانيا: عندما لا يكون ذلك ممكنًا في غضون مهلة قصيرة لأسباب تنظيمية أو قانونية، يحث المكتب التنفيذي بشدة الاتحادات الرياضية الدولية ومنظمي الأحداث الرياضية في جميع أنحاء العالم على بذل كل ما في وسعهم لضمان عدم السماح لأي رياضي أو مسؤول رياضي من روسيا أو بيلاروسيا بالمشاركة تحت اسم روسيا أو بيلاروسيا. يجب قبول المواطنين الروس أو البيلاروسيين، سواء أكانوا أفرادًا أم فرقًا، كرياضيين محايدين أو فرق محايدة فقط. مع منع استخدام أي معدات أو أعلام أو ملصقات تشير إلى بلدهم.

حادثة أخرى في العام 2019؛ امتنع الاتحاد الدولي لكرة القدم عن محاسبة إسرائيل على منعها نهائي بطولة كأس فلسطين، التي كانت تجمع بين نادي خدمات رفح ومخيم بلاطة في ملعب واحد دون أي سبب يذكر. هذا يؤكد على أن المؤسسات الرياضية تتأثر بالمناخ السياسي، لكن تصنف أهميتها بناء على معايير الساحة الدولية والمصالح المشتركة.

بالنسبة للشعب الفلسطيني الرياضة هي أداة تستخدم في سبيل ترسيخ وجودهم في الساحة الدولية، ومشاركة العالم نوع التهديد الوجودي الذي يواجهونه كل يوم. تعرضت أوكرانيا لنفس نوع التهديد؛ من قبل إحدى أكبر الدول على مستوى القوى العالمية، مما تسبب في خسائر جسيمة على جميع الأصعدة، لكن بالمحصلة حرم الاتحاد الفلسطينيين من حقوقهم، ودعم الأوكرانيين نتيجة اتجاه دفة المصالح لهم.

شعب فلسطين يعتبر الرياضة أداة لترسيخ الوجود على الساحة الدولية

رفض لاعب الوسط الفلسطيني محمد رشيد، الذي يلعب في الدوري الإندونيسي لفريق بيرسيب باندونغ، الوقوف مع فريقه للحصول على علامة توقف الحرب. بعد ذلك قال:
"أنا ضد أي حرب في أي بلد، لكن الناس يموتون كل يوم في فلسطين وسورية واليمن. وعندما اندلعت الحرب في بلد غربي وقف الجميع معها، لكن عندما يموت الناس في فلسطين لا يسمح لنا بالتظاهر والتضامن ومتهمون بخلط السياسة والرياضة. وهذا يجعلنا نشعر بأن حياتنا أرخص من حياة أولئك في الغرب".

عندما بدأت أحداث الشيخ جراح في منتصف العام 2021؛ والانتهاكات الإسرائيلية بتهجير قصري للعوائل الفلسطينية من الحي، ولاحقاً القصف العسكري للأحياء والمناطق السكنية المدنية في غزة، لم تطرح أية آراء أو مواقف من المؤسسات الدولية الرياضية، كونهم يعتبرون الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا مكان له في الرياضة، ولا يمكن خلط السياسة في الرياضة.

الصراع الأوكراني الروسي كانت له معايير ومحددات أخرى بالنسبة لهذه المؤسسات، كأنهم يقولون جهاراً إن الحالة الأوكرانية هي الاستثناء المنصوص في قوانين الأنظمة الأساسية لهذه المؤسسات الدولية الرياضية. منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي وحتى منتصفه، قتلت قوات الاحتلال أربعة عشر فرداً من الفلسطينيين بمتوسط عمر العشرين عاماً فقط.

كم الأفعال السياسية من قبل الاتحادات الدولية والدول في المجال الرياضي لا يعد ولا يحصى، من مقاطعة أولمبياد موسكو 1980، إلى حرمان فرق ولاعبين من اللعب لكون بلادهم بدأت الحرب على الطرف الآخر، لكن تبقى الحالة الفلسطينية هي الاستثناء في كل شيء، هي الحالة الوحيدة التي يسبب فيها التضامن مع المعتدى عليه العقوبات والحرمان من المنافسات الرياضة، يعد فتحي نوري أكبر مثال في الوقت الحالي.

التضامن مع أوكرانيا عومل على أنه فرض أساسي وإنساني وواجب وطني ورسالة واضحة لأهمية الموقف السياسي في الساحة الرياضية، لكن ليس على الحالة الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.

من الواضح أن الاتحاد الدولي لكرة القدم واللجنة الأولمبية الدولية تحاول فصل الرياضة عن السياسة، لكن في ظروف وبيئة معينة، في الحالة الفلسطينية تحاول المؤسسات الدولية الرياضية تجنب التدخل أو حتى إبداء الرأي بما يخص الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تبعاً للمصالح السياسية في الساحة الدولية، وكون إبداء أي رأي مخالف لسياسة الولايات المتحدة وحلفائها يعد دخولا في منطقة محظورة ومليئة بالألغام، قد يؤدي إلى مقاطعة هذه المؤسسات من قبل الداعمين وجماعات الضغط الدولية والمتمركزة خاصة في الولايات المتحدة، إن استقلالية المؤسسات الدولية عن الأمور السياسية ما هي إلا تعريف هلامي يفعل حسب اتجاه وموقف القوة العظمى في الساحة الدولية.

المساهمون