فصائل عراقية قرب الحدود السعودية: رسائل إيرانية للرياض؟

فصائل عراقية قرب الحدود السعودية: رسائل إيرانية للرياض؟

11 ابريل 2021
تريد السعودية حصر ملف الحدود بالقوات النظامية (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من الزيارات الرسمية المتبادلة بين بغداد والرياض خلال الأشهر الستة الماضية، والتي شملت مسؤولين وقادة عسكريين كبارا من كلا البلدين، إلا أن الملف الأكثر حساسية بالنسبة للسعودية، وهو انتشار عناصر المليشيات الحليفة لإيران على حدودها الشمالية مع العراق، لا يزال عالقاً، إذ لم تنجح حكومة مصطفى الكاظمي في تنفيذ تعهدات سابقة لها بحصر الملف الأمني على الحدود من الجانب العراقي بحرس الحدود والجيش. وتنتشر فصائل مسلحة عدة، أبرزها "كتائب حزب الله" و"سيد الشهداء" و"جند الإمام" و"العصائب"، في نقاط مختلفة بالقرب من الحدود التي تمتد بين العراق والسعودية لأكثر من 800 كيلومتر، وتبدأ من مدينة النخيب في محافظة الأنبار غرباً، وتقابلها عرعر السعودية، وتنتهي في نقطة نقرة السلمان على مقربة من حدود البصرة جنوباً، والمقابلة لحفر الباطن سعودياً.

اتخذ الحراك السعودي تجاه العراق في ملف الحدود، خلال الأشهر الستة الأخيرة، منحى أكثر جدية

وكان ملف الحدود العراقية - السعودية قد برز بشكل واضح، بعد الهجمات العنيفة التي طاولت منشآت نفط تابعة لشركة "أرامكو" في مدينتي بقيق وخريص السعوديتين، منتصف سبتمبر/أيلول 2019، إذ رجحت تقارير غربية حينها انطلاق الهجمات من العراق، بسبب قرب المسافة مقارنة بالمسافة التي تفصل مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن عن المنشأتين. لكن الحراك السعودي تجاه العراق في ملف الحدود بدأ خلال الأشهر الستة الأخيرة بشكل أكثر جدية، خصوصاً مع عودة نبرة التهديد من قبل فصائل حليفة لإيران باستهداف مصالح سعودية من داخل العراق. هذا الأمر أكده مسؤول عراقي، أبلغ "العربي الجديد" بأن السعوديين يريدون ضمانات عراقية بشأن ملف الحدود، كاشفاً عن أعمال تحصين جديدة من قبلهم، بما فيها منظومات ضد الصواريخ وأبراج المراقبة وأجهزة رادار.

وفي 24 يناير/كانون الثاني الماضي، تبنّت مليشيا عراقية تطلق على نفسها اسم "ألوية الوعد الصادق"، ويقول خبراء أمن عراقيون إنها إحدى واجهات "كتائب حزب الله" الحليفة لطهران، الهجوم الذي استهدف الرياض في الـ23 من الشهر ذاته، كما أطلقت تهديدات باستهداف مواقع في الإمارات، مع صور "افتراضية" لهجوم بطائرات مسيّرة يستهدف برجاً مهماً في دبي. لكن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي علّق على بيان تلك المليشيا تحديداً خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض مطلع شهر إبريل/نيسان الحالي، بالقول إنه "غير صحيح"، مشدّداً على أنّ "الهجوم لم يُشنّ من العراق". وأضاف الكاظمي في أعقاب اجتماع دام لساعات بينه وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رداً على سؤال لأحد الصحافيين: "لن نسمح بأيّ اعتداء على المملكة"، ومضيفاً أنه بالنسبة لـ"الحديث عن اعتداءات من العراق، فلم تكن هناك أي اعتداءات"، معتبراً أنّ "هناك محاولات من البعض لتوجيه الاتّهامات لضرب العلاقات".

وشهد الشهران الماضيان ثلاث زيارات رسمية متبادلة بين البلدين، ذات طبيعة أمنية، أبرزها زيارة رئيس هيئة أركان الجيش السعودي فياض الرويلي إلى بغداد، في الثاني من مارس/آذار الماضي، سبقتها زيارتان لوزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي، إلى الرياض، بالتزامن مع وصول وزير الخارجية فؤاد حسين إلى العاصمة السعودية. وضمّ الوفد الأخير لرئيس الوزراء العراقي خلال زيارته الرياض، ثلاثة مسؤولين بارزين في ملف الأمن، هم مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ووكيل جهاز الاستخبارات ماجد علي الدليمي، إلى جانب وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي.

وفي هذا السياق، أكد مسؤول عراقي بارز في بغداد، تحدث لـ"العربي الجديد" شرط عدم ذكر اسمه، أن المسؤولين السعوديين طرحوا ملف الحدود خلال الزيارة الأخيرة للكاظمي إلى الرياض، وطالبوا العراق بضمانات ألا تكون أراضيه منطلقاً لأي تهديد أمني يستهدف المملكة. وأوضح المصدر أن الجانب السعودي "لديه قلق واضح من مسألة وجود الفصائل المسلحة على مقربة من الشريط الحدودي السعودي العراقي، ويعتبرون أن وجودها لا علاقة له بأمن العراق ولا الحرب على الإرهاب، وأنها تمثل رسائل إيرانية للسعوديين". وبحسب المصدر، فإن المسؤولين السعوديين أكدوا على أهمية حصر الملف الأمني على حدودهم بالقوات النظامية، مطالبين العراق بضمانات في ما يتعلق بهذا الموضوع تحديداً، مبيناً أن هناك أعمال تحصين جديدة في الوقت الحالي على الجانب السعودي من الحدود مع العراق، وهي عبارة عن منظومات رادار واستشعار وأبراج المراقبة وأنظمة مضادة للصواريخ.

يقوم السعوديون بأعمال تحصين جديدة على الحدود، بما فيها منظومات ضد الصواريخ وأبراج المراقبة وأجهزة رادار

في السياق ذاته، تحدث مسؤولان عراقيان، أحدهما برتبة عقيد في قوات حرس الحدود العراقية - المنطقة الخامسة، عن وجود فصائل مسلحة عراقية وصفها بـ"الولائية"، وهو التعبير المحلي لوصف المليشيات الحليفة لإيران، في مناطق عدة من الحدود، ولديها ثكنات ومواقع دائمة، من بينها 4 مناطق جديدة استحدثت تواجداً لها بعد عام 2018، بعد انتهاء المعارك مع تنظيم "داعش" وإعلان استعادة جميع المدن التي كان احتلها التنظيم. ومن تلك المناطق: نقرة السلمان، الروضة، اللاصف، أم غيثه، الشِبكة، جديدة عرعر، بيار علي، فضلاً عن استراحة طريق الحج القديم المعروفة بالفيصلية، نسبة إلى الملك فيصل الأول الذي شيّدها، وتقع على بعد 35 كيلومتراً من الحدود السعودية مع العراق. وتتخذ المليشيات مقرات من مبان قديمة تابعة لحرس الحدود ومبنى واحد لدائرة الرصد الجوي، ومقر سابق للاستخبارات العراقية المنحلة، إلى جانب ثلاثة مقرات شيّدت حديثاً في تلك المناطق الحدودية، وهي عبارة عن "كرفانات" جاهزة بالغالب.

وكشف الضابط في حرس الحدود العراقية لـ"العربي الجديد"، عن وجود فصائل مسلحة عدة في المناطق الحدودية العراقية السعودية، قال إنها تتواجد بشكل دائم أو تتحرك على شكل دوريات مستمرة عبر ما يطلقون عليها اسم "واجبات تعبوية" تجري بين فترة وأخرى. وأبرز تلك الفصائل: "كتائب حزب الله"، "كتائب سيد الشهداء"، "جند الإمام"، و"عصائب أهل الحق"، ونفذت أخيراً تمرينات بالذخيرة الحيّة قرب منطقة الشبكة على بعد 20 كيلومتراً من الحدود السعودية. ولفت المصدر إلى أن القوات العراقية ممثلة بقوات حرس الحدود والجيش في تلك المنطقة، لا تواجه عمليات تهريب أو خروقات ومشاكل أمنية كما يحدث مع سورية، لوجود جدار عازل من الجانب السعودي وأسلاك شائكة وتحصينات كبيرة في هذا الإطار، كما أن المنطقة صحراء مكشوفة لا تتوفر فيها أي وسائل تساعد لهذه الأنشطة، واصفاً وجود الفصائل المسلحة في هذه المناطق تحديداً بأنه "قد يُفهم منه رسائل سياسية للسعودية، كون المنطقة لا تحوي أي أنشطة مدنية ولا تعاني من اضطراب أمني، فهي صحراء مترامية الأطراف".

من جهته، قال نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، ظافر العاني، لـ"العربي الجديد"، إن "السؤال الأهم في ما يتعلق بالملف الحدودي مع السعودية، هو هل لدى حكومة الكاظمي القدرة على منع أي اعتداء؟ والجواب نعم، لديها القدرة بالتأكيد، ولكن أتمنى أن تكون أيضاً لديها الإرادة لاتخاذ مثل هكذا خطوة". وأضاف العاني أنه "في الفترة السابقة، تعرضت دول في جوار العراق وأصدقاؤه إلى اعتداءات مباشرة من قبل مليشيات عراقية تابعة لفيلق القدس الإيراني، كالقصف بالمسيّرات والصواريخ، فضلاً عن الأعمال التخريبية الأخرى، الأمر الذي أضرّ بسمعة وعلاقات الدولة العراقية ومصالح الشعب العراقي، وكل هذه الاعتداءات كانت وراءها أجندة إيرانية، مهما حاولت طهران أن تتنصل من المسؤولية"، لافتاً إلى أن "المليشيات ما هي إلا واحدة من أدوات سياسة طهران الخارجية العدائية".

تتخذ مليشيات حليفة لإيران مقرات وثكنات دائمة لها على الحدود، وتقوم بدوريات

لكن المتحدث باسم "كتائب سيّد الشهداء"، كاظم الفرطوسي، ردّ على هذه المعلومات في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، بأن "ألوية الحشد الشعبي موجودة ضمن خطة قيادة العمليات المشتركة لحماية الأراضي العراقية، ولا وجود لفصائل المقاومة الإسلامية هناك (في إشارة إلى المليشيات المسلحة)"، نافياً في الوقت ذاته الحديث عن وجود دلالات سياسية لهذا الانتشار، بالقول إنه "لا توجد أي رسائل سياسية أو أمنية للسعودية أو غيرها، وهذه مناطق عراقية يتم تأمينها من أي اعتداءات إرهابية"، بحسب تعبيره. وتستخدم فصائل مسلحة حليفة لإيران عبارة "فصائل المقاومة الإسلامية"، للإشارة إلى المليشيات الحليفة لإيران التي تمتلك أجنحة مسلحة لها في سورية، مثل "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"البدلاء" و"الطفوف" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء" وغيرها.

من جهته، شكّك الخبير في الشأن الأمني العراقي، أحمد النعيمي، في قدرة الحكومة العراقية على منع أي إرادة أو مشروع للفصائل المسلحة في حال قرّرت ذلك، معتبرا أن "الحكومة والأجهزة الأمنية وقفت عاجزة عن حماية المنطقة الخضراء وسط بغداد من صواريخ الكاتيوشا، فكيف يمكن لها تأمين أكثر من 800 كيلومتر غالبيتها العظمى مناطق صحراوية؟".
وأضاف النعيمي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المناطق الحدودية مع السعودية لم تكن منطقة جغرافية مقصودة أو مهمة لتنظيم داعش، ولا لتنظيم القاعدة من قبله، كونها مكشوفة، ولا شيء يمكن أن يُحكم فيها أو يُسرق منها، والحال نفسها بالنسبة للفصائل المسلحة اليوم، لكن الظاهر أنها رسائل إيرانية للسعودية بأن حدودها الشمالية مع العراق أيضاً باتت بمتناول اليد، وليس الحدود الجنوبية مع اليمن فقط". واعتبر الخبير الأمني أن هذا الملف "سيبقى ورقة تهديد أو ابتزاز لا أكثر"، مستبعداً فتحه "كجبهة مواجهة إلا في حال تفجر صراع عسكري فعلي في المنطقة"، مشككاً مجدداً في قدرة الحكومة على الإيفاء بأي تعهدات حول سحب تلك المليشيات والإبقاء على القوات النظامية على الحدود مع السعودية.

المساهمون