فشل جولة أستانة الأخيرة: تسويف إضافي في المسار الدستوري

فشل جولة أستانة الأخيرة: تسويف إضافي في المسار الدستوري

19 فبراير 2021
قد يذهب بيدرسن إلى إعلان موت اللجنة الدستورية (الأناضول)
+ الخط -

يطرح الفشل الذي منيت به جولة أستانة الأخيرة، أسئلة كثيرة حول مستقبل اللجنة الدستورية، التي لم تحرز أي تقدّم على طريق صياغة دستور جديد لسورية، بعد أكثر من عام وثلاثة أشهر على انطلاقها، وخمس جولات اتسمت بالمراوحة في المكان، والتعطيل والمماطلة من وفد النظام السوري، بمساندة حليفيه الروسي والإيراني. وعكس البيان الختامي للجولة الأخيرة من مباحثات أستانة، والذي صدر أول من أمس الأربعاء، الرغبة الروسية بأن يكون مسار اللجنة الدستورية فضفاضاً من حيث الوقت، وغير قابل للتأثير الخارجي، بنية إبعاد الجهود الغربية عن دفع العملية الدستورية لتحقيق خرق واضح في أعمالها.

يسعى الروس لطرح المسارات ووجهات نظر الحل بما يضمن بقاء بشار الأسد على رأس السلطة

وكانت الجولة الجديدة من "أستانة" قد عُقدت عقب فشل الجولة الخامسة من مسار اللجنة الدستورية في جنيف. وكشف وفد النظام خلال جولة الدستورية الأخيرة، بشكل صريح، أنه أتى إلى المسار لنقاش مواضيع دستورية، وليس لوضع صياغات دستورية، وهذا ما يجعل مسار اللجنة فاقداً لأهميته وبحكم الفاشل، مع رفض واحد من أهم أطرافه البدء بكتابة الصياغات. ولم ينجح الطرفان الآخران، المعارضة والمجتمع المدني، ومعهما المبعوث الأممي غير بيدرسن، بإقناع وفد النظام بكتابة حتى مادة أو بند واحد في مسودة الدستور الجديد للبلاد.

وكان البيان الختامي لجولة أستانة أكد "أهمية دور اللجنة الدستورية في جنيف"، بوصفها "شُكلت بإسهام حاسم من قبل الدول الضامنة في صيغة أستانة وتنفيذاً لمفرزات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي"، مشيراً إلى أن المجتمعين في أستانة تناولوا "بالتفصيل والاستفاضة الاجتماع الخامس للجنة الصياغة التابعة للجنة الدستورية، والذي عقد في جنيف". وأعرب المجتمعون عن "عزمهم الأكيد دعم عمل اللجنة من خلال التفاعل المستمر مع الأطراف السورية، أعضاء اللجنة الدستورية والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسن، باعتباره شخصية مساهمة في ضمان عملها المستدام والفعال". غير أن الأطراف الضامنة أكدت في البيان عن قناعتها "بضرورة أن تسترشد اللجنة في عملها بالرغبة في الوصول إلى حلول وسط والتفاعل البنّاء دون تدخل أجنبي، وفرض مواعيد نهائية من الخارج بغرض التوصل إلى اتفاق عام بين أعضائها".

وتعني عبارة "دون تدخل أجنبي وفرض مواعيد نهائية من الخارج" لعمل اللجنة، الواردة في البند العاشر من بيان جولة أستانة الأخيرة، أن الروس يسعون لمزيد من المماطلة والتسويف في المسار الدستوري، بلا جدية في دفعه قدماً، وذلك بخلط الأوراق والبحث عن تفريعات جديدة بعيدة عن عمل اللجنة، بحجة دفع تقدمها.
وكان الروس قد ذهبوا بوفد رفيع المستوى قاده مبعوث الرئيس الروسي، ألكسندر لافرنتييف، إلى جنيف إبان انعقاد الجولة الخامسة من مسار الدستورية. وهناك حاول الوفد إقناع أطراف اللجنة، على الأخص المعارضة والمجتمع المدني، عبر محادثات ومباحثات جانبية غير رسمية، بالعودة إلى مسار أستانة لحل القضايا العالقة بعد تعثر مسار الدستورية. وقبلها سعى الروس للالتفاف على مسار اللجنة بمحاولة خلق مسار سياسي جديد بصبغة إنسانية، تحت عنوان "عودة اللاجئين"، نهاية العام الماضي، بيد أن جهودهم ذهبت باتجاه الفشل بسبب المقاطعة الغربية للمؤتمر الذي عقد في دمشق.

وأفادت مصادر لـ"العربي الجديد" من داخل اجتماعات الجولة الأخيرة لأستانة، بأن الروس والإيرانيين رفضوا مقترحاً تركياً لعقد مؤتمر جديد للاجئين في تركيا، بذريعة أنهم، أي الروس والإيرانيين، رعوا مؤتمراً مماثلاً في دمشق، ولا حاجة لعقد واحد جديد. علماً أن مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، كان قد دعم مقترحاً لبنانياً لعقد نسخة ثانية من مؤتمر اللاجئين في لبنان، وذلك عقب انتهاء المؤتمر الأول في دمشق. ما يدل على أن الروس يسعون لطرح المسارات ووجهات نظر الحل بما يوافق رؤيتهم بفرض أجندتها، ويضمن بقاء حليفهم بشار الأسد على رأس السلطة، من دون التطلع لتحقيق تلك المسارات أي فاعلية، واستخدامها لكسب الوقت، للوصول إلى الانتخابات الرئاسية منتصف العام الحالي، بنيّة التجديد للأسد لولاية رئاسية جديدة.

وعلى هامش الجولة الأخيرة من أستانة، لوّح بيدرسن، بإمكانية لجوء المجتمع الدولي للبحث عن بدائل في حال عدم تقدم العملية الدستورية، الأمر الذي قد يدفع روسيا لإعادة حساباتها حول التعامل مع مسار الدستورية، بالضغط على النظام، ولو نسبياً، للبدء بوضع صياغات دستورية خلال الجولات المقبلة. كما ألمح بيدرسن إلى الاستفادة من الضغط الأميركي لدفع مسار الدستورية، وصرح على هامش جولة أستانة الأخيرة، بأنه "لا يمكن أن تسير أعمال اللجنة الدستورية بالطريقة الموجودة حالياً، وهي بحاجة إلى دفعة من أجل أن تسير قدماً، وهذا ما كان محور الحديث مع الأطراف المعنية في الاجتماعات". وأكد المبعوث الأممي أنه "ستكون لي زيارة إلى موسكو ودمشق، وسألتقي مع وفد المعارضة، وستكون هناك لقاءات مع الجانب الأميركي، وبناء على ذلك يتم الحديث عن الدفع باتجاه العملية السياسية". لكن بيدرسن أشار إلى أنه لا يوجد لديه حالياً موعد وجدول أعمال للجولة المقبلة، مرجعاً تحديد ذلك لما ستجري عليه اللقاءات لاحقاً.

لمح بيدرسن إلى الاستفادة من الضغط الأميركي لدفع مسار اللجنة الدستورية

ووصل بيدرسن أمس الخميس إلى موسكو والتقى وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومن موسكو سينطلق إلى دمشق لمواصلة المشاورات بشأن عمل اللجنة. وكان بيدرسن، وبعد اجتماعه مع وفدي المعارضة والنظام إلى أستانة، كل على حدة، أكد باسم الأمم المتحدة أن "اجتماعات الدستورية لا يمكن أن تستمر على هذا النحو مثلما كانت عليه الحال أثناء الاجتماع الأخير، إذ لم تتمكن الأطراف من الاتفاق على إجراء مناقشة ضمن المجموعة المصغرة للجنة".

وأشار الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد المعارضة، هادي البحرة، لـ"العربي الجديد"، إلى أن بيدرسن قد يزور طهران وأنقرة لبحث العملية الدستورية مع مسؤولي البلدين، مؤكداً عدم وجود بديل عن العملية السياسية الجارية حالياً.

وعادت الولايات المتحدة لتذكّر روسيا بأن لا بديل عن المسار الأممي في جنيف لحل القضية السورية وفقاً للقرار 2254، عبر مسؤول من وزارة خارجيتها، مؤكدة رفضها المشاركة في مسار أستانة إلى جانب كل من روسيا وإيران وتركيا، بعد أن قاطعت الجولة الأخيرة من المسار.


ولا يُتوقع أن تفلح جهود بيدرسن في حثّ دمشق على الانخراط جدياً بالعملية الدستورية والتوقف عن المماطلة، إذ إن وفد النظام أصر على موقفه خلال الجولة الماضية وما سبقها بأن لا صياغات دستورية، وأن مهمته المناقشة وحسب. وإن كان بيدرسن اتهم النظام بعد انتهاء الجولة الماضية بالتعطيل، فمن المحتمل أن يذهب إلى إعلان موت اللجنة بعد المشاورات الحالية، أو عقب انتهاء الجولة المقبلة، هذا في حال أفضت جهوده للتوصل إلى عقد جولة جديدة.

المساهمون