فريدريش ميرز... نحو مستشارية ألمانيا وسط تحدي تشكيل الحكومة

24 فبراير 2025
فريدريش ميرز (وسط) بعد إعلان تصدّر حزبه نتائج انتخابات ألمانيا، 24 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فريدريش ميرز، سياسي ألماني محافظ، بدأ مسيرته مع الحزب المسيحي الديمقراطي، وعاد لزعامة الحزب في 2022 بعد خسارة الانتخابات في 2021، محققًا انتصارات محلية مهمة.
- يُعرف بمواقفه المتشددة تجاه الهجرة ويدعو لسياسات اقتصادية ليبرالية، معارضًا سياسات "ووك"، ويدعم إسرائيل مع زيادة المساعدات لغزة.
- بعد فوز حزبه بنسبة 28.6%، يسعى لتشكيل حكومة ائتلافية، رافضًا التحالف مع اليمين المتطرف، ويهدف لتشكيل تحالف بحلول عيد الفصح.

يبدأ فريدريش ميرز الذي من المرجح أن يكون مستشار ألمانيا الجديد، اليوم الاثنين، مساعيه لتشكيل حكومة ائتلافية بعد تصدر تكتّله المعارض المحافظ، الانتخابات العامة التي حصلت فيها أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار على دعم من الناخبين الساخطين. ومن المتوقع أن يتقلّد ميرز، الذي ليست لديه خبرة سابقة في المنصب، المسؤولية في وقت يعاني فيه أكبر اقتصاد في أوروبا من مشكلات مع وجود انقسام داخل المجتمع الألماني بشأن الهجرة.

من هو فريدريش ميرز؟

الرجل الآتي من أسرة محافظة، والمولود في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1955، التحق مبكراً في السابعة عشرة من عمره بشبيبة الحزب المسيحي عام 1972، وبعد تخرجه عمل محامياً ولفترة في القضاء، ثم دخل عالم الشركات العالمية الكبرى. لديه مع زوجته، المحامية شارلوت ميرز، ابنتان وابن، وما مجموعه سبعة أحفاد ويعيشون في أرنسبيرغ، إلى الشمال من فرانكفورت وشمال شرق كولن، وهو أيضاً طيار ترفيهي لديه طائرة خاصة.

قاده طموحه السياسي نحو عضوية البرلمان الأوروبي في عام 1989، لكن مسيرته للوصول إلى هرم السلطة تعثّرت بعد محاولته المنافسة في بداية الألفية على زعامة "الديمقراطي المسيحي"، لكن فوز ميركل بزعامة الحزب أجّل أحلام ميرز 16 عاماً. على الرغم من ذلك، لم تخفت رغبة ميرز في اقتناص الفرص، فراح في كواليس الحزب يبشر بضرورة استعادة الحزب الديمقراطي المسيحي مكانته المحافظة، لا الائتلاف مع حزب الخضر وغيره. وحسب رؤيته، فإن ميركل أخذت الحزب نحو الوسطية، ما جعله يبدو أكثر جرأة للظهور على يمين ميركل.

ينظر المُهتمون إلى ميرز باعتباره أحد أقطاب الشخصيات المميزة المنتقدة لميركل، ومنذ 2007 اعتُبر واحداً ممن كانوا غير راضين على مسار حزبه بقيادة المستشارة السابقة، كما ذهب كتاب سيرته الذاتية الصادر عن مؤسسة كونراد أديناو، وحين استقال من "بوندستاغ" (البرلمان الاتحادي) في 2007، كتبت صحيفة دي فيلت عنه: "إنه محافظ حقيقي: الأسرة والأطفال والكنيسة والوطن، وإذا أمكن ليس الكثير من الأجانب"، ومنذ ذلك الوقت تغيّر الكثير في ألمانيا، بما في ذلك قضايا الهجرة والأسرة، بعدما اضطر الرجل في 2018 لإبداء موافقة على تأسيس "الأسر المثلية"، ومنحها شرعية الزواج.

عند إعلان ميركل استقالتها من زعامة "الديمقراطي المسيحي" في 2018، بدأ ميرز يعيد رسم طموحه، على الرغم من تخوّف البعض من إمكانية تصدره قيادة الحزب لأنه محافظ جداً. ولقطع الطريق عليه، دفعت ميركل إلى قيادة المحافظين بوزيرة دفاعها آنذاك أنغريت كرامب كارينباور، لكن كارينباور لم تصمد طويلاً في زعامة الحزب، ليقتنص أرمين لاشيت المنصب من ميرز، غير أن خسارة لاشيت "الكارثية" أمام شولتز في 2021، بعد 16 عاماً من حكم الحزب الديمقراطي المسيحي للبلاد، وضبطه من الصحافة يضحك وسط كارثة الفيضانات التي أودت بحصيلة ثقيلة ذلك العام، أعادت ميرز إلى الواجهة. في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وعلى وقع تلك الخسارة، وبضغط من قاعدة انتخابية أرادت "حزباً أكثر محافظة"، اختير ميرز أخيراً لزعامة الحزب، وهو ما ترسخ في مؤتمر الحزب في مطلع 2022 بفوزه بنسبة تأييد بلغت 94%. في العام الماضي حقق "الديمقراطي المسيحي" تحت قيادته فوزاً على "الديمقراطي الاجتماعي" بزعامة شولتز في الانتخابات المحلية في تورنغن وساكسونيا، ما عبّد الطريق أمام رفضه بعد أشهر إمكانية الائتلاف مع شولتز إثر انفراط عقد حكومة "إشارة الضوء" بخروج الليبراليين منها، ضاغطاً لأجل انتخابات مبكرة، ساهمت في فوز حزبه في الانتخابات التي جرت أمس الأحد.

مكافح عنيد متشدّد تجاه اللجوء

اسم فريدريش ميرز ليس جديداً على الساحة السياسية الألمانية، فهو يُعتبر مكافحاً عنيداً وعتيقاً في السياسة، صحيح أنه توارى لسنوات، بعد نزاعات مريرة على قيادة الحزب الديمقراطي المسيحي مع معسكر المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، لكنه طيلة العقدين الأخيرين بقي يتحيّن الفرصة المواتية للعودة.

وتُظهر سيرة فريدريش ميرز الشخصية ميلاً مبكراً نحو "المحافظة"، وهو الذي لم يخفِ ذلك في مواقفه، خصوصاً من سياسات الهجرة، التي بدت عاملاً في منحه بعض الشعبية عند من يرون أن هناك ضرورة لتشديدها. وخلال حملاته الانتخابية، كرر ميرز استغلال هجمات بالطعن والدهس على يد لاجئين أو أشخاص مرفوضة طلباتُ لجوئهم، ليقول: "لدينا مشاكل ضخمة مع الجرائم التي يرتكبها الأجانب، خصوصاً بين طالبي اللجوء". تصريحه هذا أثار جدلاً ومخاوف من أن يكون إيذاناً بكسر تابو منع إدخال اليمين المتطرف إلى دفء السياسة الألمانية، وهو الأمر المتوافَق عليه منذ فترة ما بعد سقوط التطرف النازي في 1945. وقد عمل أواخر الشهر الماضي على تمرير قانون لجوء متشدد في البرلمان استناداً إلى القاعدة البرلمانية لـ"البديل". وفي الماضي، وصف ميرز أبناء المهاجرين المسلمين بأنهم "باشاوات صغار"، واتهم بعض لاجئي الحرب الأوكرانيين بـ"السياحة الاجتماعية"، قبل أن يعتذر في وقت لاحق. ومن بين أكثر مقترحاته صرامة خطط إغلاق الحدود الألمانية أمام المهاجرين غير المسجلين، حتى لو سعوا إلى الحصول على اللجوء، وهو حق قانوني، واحتجاز أولئك الذين ينتظرون الترحيل.

تحوّل نحو اليمين

في إشارات أخرى إلى التحوّل نحو اليمين، تعهد فريدريش ميرز بـ"عدم التسامح مطلقاً" في فرض القانون والنظام، والتراجع عن تشريع الماريجوانا، والحد من سياسات "ووك" (المقتبسة من اليسار الأميركي، وهي تشمل اعترافاً أوسع بالمساواة الاجتماعية ورفض التمييز على أساس الجنس والهوية، إضافة إلى الوعي بالقضايا المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والعدالة العرقية)، ودراسة العودة إلى الطاقة النووية. ميرز، وهو ليبرالي من أنصار السوق الحرة، يريد خفض الضرائب على الشركات وتقليص البيروقراطية لمساعدة الشركات الألمانية، وكان قد أوضح وجهة نظره في كتاب صدر عام 2008 بعنوان "الجرأة لمزيد من الرأسمالية"، ووعد أخيراً بإحياء الاقتصاد المريض وإعادة بناء الدور الدولي لبرلين من أجل "ألمانيا التي يمكننا أن نفخر بها مرة أخرى".

الموقف من غزة وإسرائيل

خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعد فريدريش ميرز بمواصلة دعم إسرائيل، وقال رداً على سؤال في إبريل/ نيسان 2024 حول ما إذا كان يؤيد تعليق شحنات الأسلحة الألمانية لتل أبيب بسبب دعاوى قضائية مطالبة بذلك: "لا ينبغي أن ندع الدعاوى القضائية تجعلنا نحيد عن طريق دعم إسرائيل"، وأضاف حينها أنه أوضح خلال محادثات مع رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا "إننا نقف بقوة خلف وإلى جانب إسرائيل"، لكنه في المقابل طالب بإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، معتبراً أن "إسرائيل تتحمل أيضاً مسؤولية ضمان حصول الناس على الحد الأدنى من الغذاء والماء".

تحديات تشكيل الحكومة

قال ميرز، أمس الأحد، في أول تصريح له بعد فوز حزبه: "أولويتي القصوى ستكون دعم أوروبا في أسرع وقت ممكن، حتى نتمكن من تحقيق استقلال حقيقي وتدريجي عن الولايات المتحدة". وحصد تكتل المعارضة الذي يضم حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والاتحاد الاجتماعي المسيحي 28.6% من الأصوات وتلاه حزب البديل من أجل ألمانيا الذي حصل على 20.8%. وترفض جميع الأحزاب الرئيسية العمل مع حزب البديل من أجل ألمانيا الذي تراقبه أجهزة الأمن في البلاد، وتدعمه حالياً شخصيات أميركية منها الملياردير إيلون ماسك.

ولكي يتمكّن من الحصول على أغلبية، يسعى زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي في المقام الأول لتشكيل ائتلاف مع الاشتراكيين الديمقراطيين، على الرغم من تحقيقهم نتائج أقروا بأنفسهم بأنها كانت "كارثية". وفي حال حصل ذلك، سيحظى الحزبان معاً بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب. يُدرك رجل ألمانيا القوي الجديد أنّه لا يمكن لبلاده أن تبقى لفترة طويلة من دون حكومة، في مواجهة التقلّبات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية والتي تتمثّل في المواقف الصادرة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن حرب أوكرانيا، والمخاوف من التحالف عبر الأطلسي، والتهديدات الأميركية بزيادة الرسوم الجمركية، فضلاً عن الأزمة التي يواجهها النموذج الاقتصادي الألماني القائم على الصناعة من منافسه الصيني.

قاد المحامي السابق الذي لم يسبق له أن شغل مناصب وزارية، حزبه الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحليفه البافاري حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي إلى الفوز، لكنّ النتيجة التي حقّقها المحافظون في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد (28.6%) لا تسمح لهم بالحكم بمفردهم، لا سيّما أن النتيجة كانت أقل من نسبة الـ30% التي توقعتها استطلاعات الرأي منذ أشهر. من جانبه، ضاعف اليمين المتطرّف ممثلاً بحزب البديل من أجل ألمانيا، النتيجة التي حقّقها قبل أربع سنوات، وحلّ ثانياً بحصوله على حوالى 20.8% من الأصوات.

وقالت أليس فايدل زعيمة الحزب المناهض للهجرة والمؤيد لروسيا إنّ "هذه ليست نتيجة جيدة بشكل خاص تبعث على الثقة"، مضيفة "ستظل يدنا ممدودة للمشاركة في الحكومة وتحقيق إرادة الشعب". وبعدما أعلن فريدريش ميرز أنّه لن يتحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا، لم يعد أمامه خيار سوى التواصل مع الاشتراكيين الديمقراطيين، الحزب الأقدم في البلاد الذي حصل على نسبة بلغت 16% من الأصوات، في ما يُعدّ أسوأ نتيجة له منذ 80 عاماً. وأعلن المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتز أنه يتحمل مسؤولية "الهزيمة المريرة"، فيما من المتوقع أن ينسحب من الحياة السياسية.

ولخّصت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" اليومية النتيجة بالقول إنّ "الألمان قالوا لا بوضوح لأولاف شولتز خلال هذه الانتخابات، ولكن لم يقولوا نعم حقيقية لمنافسيه"، ومن خلال التعهّد بتشكيل تحالف بحلول عيد الفصح في 20 إبريل/ نيسان "على أبعد تقدير"، حدّد فريدريش ميرز لنفسه هدفاً طموحاً، فيما أكد أنّ "العمل سيبدأ الاثنين".

المساهمون