فرنسا: الجزائر تسعى لإهانتنا وندرس خياراتنا بشأن العلاقات معها

10 يناير 2025
وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، 10 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت التوترات بين فرنسا والجزائر بعد رفض الجزائر استقبال نعمان بوعلام، مما دفع فرنسا لتهديد الجزائر بإجراءات تشمل تقليص التأشيرات ومساعدات التنمية.
- تصريحات المسؤولين الفرنسيين تعكس قلقًا من تصرفات الجزائر، مع احتمالات فرض عقوبات، في ظل تاريخ من التوترات بين البلدين.
- المخاوف تتزايد من أزمة غير مسبوقة في العلاقات، مع سلسلة خلافات سياسية واقتصادية، مثل سحب الجزائر لسفيرها ومنع الشركات الفرنسية من الصفقات الاقتصادية.

هدد وزيرا الخارجية والداخلية الفرنسيان، جان نويل بارو وبرونو ريتايو، باتخاذ إجراءات ودراسة مجموعة من الخيارات بشأن العلاقات مع الجزائر، في أعقاب رفض الجزائر استقبال واحد من رعاياها مبعد من فرنسا. وحذّر وزير الخارجية الفرنسي الجمعة من أن بلاده "لن يكون لديها خيار آخر سوى الرد" إذا "واصل الجزائريون هذا الموقف التصعيدي"، بعد رفض الجزائر استقبال أحد رعاياها. وقال جان نويل بارو إنه من بين "الأوراق التي يمكننا تفعيلها... التأشيرات ... ومساعدات التنمية"، وحتى "عدد معين من مواضيع التعاون الأخرى"، مضيفاً عبر قناة "أل سي إي" الخاصة إنه "مندهش" لكون السلطات الجزائرية "رفضت استعادة أحد مواطنيها" الذي أصبحت قضيته الآن "أمام القضاء" في فرنسا.

بدوره، قال وزير الداخلية الفرنسي، في تصريح للصحافيين الجمعة: "أعتقد أن الجزائر تسعى إلى إهانة فرنسا"، معربا عن صدمته من "التطورات الدرامية في التصرف الجزائري إزاء باريس". وأضاف ريتايو: "بالنسبة للجزائر، لقد وصلنا إلى عتبة مثيرة للقلق للغاية"، لكنه شدد على أن "فرنسا لن تقبل بهذه الوضعية، وأعتقد أننا نحتفظ بأعصاب باردة، لكن هدفنا الدفاع عن مصالحنا وتقييم كل الوسائل المتاحة". ورداً على سؤال عما إذا كان يقصد بتسليط عقوبات بحق الجزائر، قال إن "هناك مجموعة من الاحتمالات (الخيارات)، لست بصدد الكشف عنها الآن، لكنه سيتم فحصها على أعلى مستوى وعلى مستوى رئيس الجمهورية".

وكان وزير الداخلية الفرنسي يعلق على قرار السلطات الجزائرية أمس الخميس رفض استقبال واحد من رعاياها، وهو نعمان بوعلام، المعروف باسم دولامن وهو مؤثر يقيم في فرنسا، كانت السلطات الفرنسية قد أصدرت بحقه قرارا إداريا بالطرد والترحيل، بعد توجيه تهم له بالتحريض على العنف، ما أجبر الخطوط الجوية الفرنسية على إعادته إلى باريس ووضعه في مركز توقيف مؤقتا، حتى محاكمته في 24 فبراير/شباط المقبل. وأكد الوزير الفرنسي أن مصيره يعتمد على المناقشات التي ستتم مع الجانب الجزائري، مشيرا إلى أن الجزائر لم تقدم أية أسباب مقنعة بشأن رفض استقباله.

في المقابل، نقلت الإذاعة الفرنسية "أوروبا1" عن مصدر دبلوماسي وصفته بـ"الكبير" قوله إن وزارة الخارجية الفرنسية "لا ترغب في الدخول في هذه الاعتبارات، لكون قضايا التأشيرات ومسألة مساعدات التنمية لا يمكن أن تكون وسيلة للضغط". 

ورفضت السلطات الجزائرية استقبال نعمان بوعلام المبعد من فرنسا، لدى وصوله إلى مطار الجزائر الدولي، بسبب عدم احترام باريس للإجراءات اللازمة في حالات الطرد والترحيل للرعايا الجزائريين، حيث يستلزم الأمر صدور موافقة مسبقة من الجزائر باستقبال الشخص المرحّل، واستصدار وثيقة الترحيل من إحدى القنصليات الجزائرية الـ20 المنتشرة في فرنسا، بينما كانت هيئة الدفاع عن بوعلام، قد احتجت بشأن سرعة قرار باريس سحب إقامته وترحيله، بدلا من السماح له بالمثول أمام القضاء الشهر المقبل.

ويعتقد مراقبون أن يكون الوزير الفرنسي يلمح بداية إلى جملة قرارات قد تتخذها باريس ضد الجزائر، كانت قد لمحت لها في أزمة مماثلة نهاية عام 2021، خاصة ضد حركة المسؤولين الجزائريين وذويهم إلى فرنسا، وتجميد بعض الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بحركة تنقل الدبلوماسيين، وتقليص عدد التأشيرات الموجهة لمصلحة الجزائريين لدخول فرنسا وفضاء شنغن، ووقف التعاون في بعض قضايا حجز الأموال والعقارات المنهوبة.

والجمعة، دعا رئيس الوزراء الفرنسي السابق غابريال أتال إلى وقف العمل بالاتفاقية الفرنسية-الجزائرية الموقعة في العام 1968، والتي تمنح جزائريين امتيازات على صلة بالعمل والإقامة.

وهذه ليست المرة الأولى التي لا تبدي فيها الجزائر تعاونا مع باريس لترحيل رعايا مقيمين على الأراضي الفرنسية، سواء بسبب إقامة غير قانونية أو بسبب قرار طرد، إذ كانت باريس قد اشتكت رسميا من عدم تعاون الجزائر، حيث ترفض الموافقة على استقبال المبعدين، وتماطل بشدة في استصدار وثيقة الترحيل من القنصليات الجزائرية في فرنسا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال مستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الداخلية فريدريك روسي إن الجزائر لم تصدر سوى 300 ترخيص قنصلي تسمح بترحيل مهاجرين ورعايا جزائريين في فرنسا. وكردة فعل على الموقف الجزائري، أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرار درامانان في تلك الفترة عن قرار بخفض التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين، بنسبة 50%، رداً على ما اعتبرته باريس مماطلة السلطات الجزائرية في القبول بترحيل رعاياها من المهاجرين غير النظاميين المقيمين في فرنسا. وظلت تلك الأزمة قائمة حتى زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في 25 أغسطس/آب 2022، حيث تم التوصل إلى تفاهمات ضمن "إعلان الجزائر".

واعتقلت السلطات الفرنسية منذ الأحد الماضي، ستة من المؤثرين الجزائريين الموالين للسلطة الجزائرية، بتهم التحريض على العنف والكراهية ضد ناشطين جزائريين معارضين يقيمون في فرنسا وفي الجزائر، آخرهم الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي صوفيا بليمان، ورغم عدم وجود أية صلات بين هؤلاء المؤثرين والسلطة الجزائرية، إلا أن بين الدوائر السياسية اليمينية في فرنسا السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافيي دريانكور، يعتبر أن هؤلاء ضمن شبكات مؤثرة تعمل لمصلحة الجزائر في فرنسا.

وتعطي تصريحات وزير الداخلية الفرنسي مؤشرا جديا وإعلانا واضحا عن وصول العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى مستوى أزمة غير مسبوقة، قد تدفع نحو قطيعة سياسية معلنة أو غير معلنة بين البلدين، بعد تراكم القضايا الخلافية منذ يوليو/تموز الماضي، بعد قرار الجزائر سحب سفيرها من باريس وخفض تمثيلها الدبلوماسي، إثر إعلان باريس تأييد خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء، تلاه منع الشركات الفرنسية من المشاركة في الصفقات الاقتصادية والتجارية، والحد من الواردات الفرنسية، واستبعاد القمح الفرنسي من المناقصات الدولية للشراءات الجزائرية، ثم قضية اعتقال الجزائر الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، لدى عودته إلى الجزائر منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وإحالته إلى القضاء بتهمة المساس بالوحدة الوطنية.

دلالات
المساهمون