فرص خطة ترامب لإنجاز تسوية مستدامة تنهي الحرب الأوكرانية

20 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 04:06 (توقيت القدس)
ترامب وزيلينسكي في نيويورك، 27 سبتمبر 2024 (أليكس كنت/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- إدارة ترامب تسعى لإنهاء الحرب الأوكرانية عبر محادثات مع روسيا، لكن دون إشراك أوكرانيا، مما أثار انتقادات من الرئيس الأوكراني زيلينسكي.
- خطة ترامب تقترح تجميد الصراع مع بقاء 20% من الأراضي الأوكرانية تحت السيطرة الروسية، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، لكنها لا تشمل انضمام أوكرانيا للناتو.
- الخطة تواجه انتقادات أوروبية بسبب التهميش في المفاوضات والشكوك حول فعاليتها، مع تأكيد القادة الأوروبيين على ضرورة إشراك أوكرانيا وتقديم ضمانات أمنية.

عندما بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملته الانتخابية للرئاسيات الأميركية تعهّد بوقف الحرب الأوكرانية في غضون 24 ساعة من عودته إلى البيت الأبيض، رغم إدراكه عدم إمكانية ذلك. ومع عودته إلى الحكم ما لبث أن دعا إلى إنهاء الحرب الأوكرانية خلال المائة يوم الأولى من رئاسته، التي بدأت رسمياً في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، قبل اكتساب رغبته هذه زخماً في الأيام القليلة الماضية، بعد المكالمة الهاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 12 فبراير/ شباط الحالي، ثم عقد مباحثات الرياض بين الولايات المتحدة وروسيا، أول من أمس الثلاثاء، بحضور وزيري خارجية البلدين الأميركي ماركو روبيو والروسي سيرغي لافروف بانتظار لقاء مرتقب بين ترامب وبوتين قبل نهاية فبراير الحالي كما أشار الرئيس الأميركي بنفسه أول من أمس، قبل أن يؤكد الكرملين أيضاً أن هذا الاحتمال قائم. وتسارع الاتصالات ترافق مع تبادل الإشادات بين واشنطن وموسكو وتصعيد ترامب انتقاداته وضغوطه على أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي، فيما اتهم الأخير الرئيس الأميركي بأنه "يعيش في مساحة من التضليل".

صحيح أن ترامب أكد، ليل الثلاثاء الأربعاء، أنه "أكثر ثقة" بإمكان التوصل لاتفاق بشأن أوكرانيا بعد المحادثات الأميركية - الروسية، وصحيح أن المباحثات ساهمت في كسر الجليد بين البلدين، إلا أن تصريحات كبار المسؤولين من الجانبين، قبل الاجتماعات وبعدها، كشفت أن الحرب الأوكرانية كانت جزءاً من مفاوضات أوسع، بدأت من تطبيع العلاقات الثنائية ورفع العقوبات، والبحث عن مستقبلها على الصعد الاقتصادية والسياسية في حال التوصل إلى حل لإنهاء الحرب. وبنتيجة أولى، بدا أن حديث ترامب عن إنهاء الحرب الأوكرانية بمكالمة أو في يوم أو مائة يوم مجرد أوهام، مع إغراق الفريق الروسي المتمرس بقيادة وزير الخارجية سيرغي لافروف ومساعد الرئيس فلاديمير بوتين لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف بتفاصيل التفاصيل في جولة مفاوضات أولى، ستليها بالتأكيد جولات على مستويات مختلفة في الرياض وعواصم أخرى. لكن ذلك لا يبدد هواجس كييف أو الدول الأوروبية التي تجاهل ترامب مخاوفها واستبعدها من المحادثات، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية نجاح أي تسوية تهمش كييف خصوصاً.

بدوره، علّق بوتين في تصريحات صحافية في سان بطرسبرغ، أمس الأربعاء، على التطورات، معتبراً أن "المفاوضات في الرياض جرت في أجواء ودية وكانت نتائجها إيجابية". ورأى أنه "لا يمكن تسوية الأزمة الأوكرانية من دون رفع مستوى الثقة بين روسيا والولايات المتحدة". وأكد بوتين أنه يمنح "أولوية كبرى لتسوية الوضع في أوكرانيا"، لافتاً إلى أن "روسيا مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن أوكرانيا"، وأن "لا مبرر لردة الفعل الأوكرانية على اجتماع الرياض... لا أحد يستبعد كييف من عملية التفاوض". وحول اجتماعه المرتقب مع ترامب، قال بوتين: "ليس كافياً مجرد الاجتماع مع ترامب بل يتعين العمل على حل القضايا الأكثر أهمية بما في ذلك أوكرانيا". وأوضح أنه "قبل الاجتماع مع ترامب نحتاج إلى إعداد الأسئلة للوصول إلى حلول مقبولة للطرفين بما في ذلك بشأن أوكرانيا".


اتهم ترامب زيلينسكي بإشعال الحرب الأوكرانية

احتمالات إنهاء الحرب الأوكرانية

وكما كان متوقعاً ندّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالمباحثات الأميركية الروسية، وأعاد التأكيد على أنه لا يمكن إجراء محادثات لإنهاء الحرب الأوكرانية من دون أوكرانيا. وأعلن زيلينسكي في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، أول من أمس الثلاثاء، تأجيل زيارته للسعودية، التي كانت مقررة أمس الأربعاء، وأوضح أن قراره يعود إلى رغبته في عدم إضفاء "شرعية" على الاجتماع الأميركي ـ الروسي في الرياض من دون مشاركة أوكرانيا، قبل أن يهاجمه ترامب ويزيد الضغوط عليه من خلال اتهامه أوكرانيا باختلاس قسم من المساعدات التي قدّمتها لها بلاده منذ بدء الحرب الأوكرانية مشيراً إلى أن زيلينسكي "أبلغني الأسبوع الماضي بأنه لا يعرف أين ذهب نصف الأموال التي قدّمناها لهم، وأعطيناهم على ما أعتقد 350 مليار دولار". ورداً على قول زيلينسكي إن الأميركيين والروس أجروا في الرياض محادثات "حول أوكرانيا من دون أوكرانيا"، قال الرئيس الأميركي "أنا أشعر بخيبة أمل كبيرة. حسناً... كنتم هناك لمدة ثلاث سنوات. كان يجب أن تنهوها قبل ثلاث سنوات. كان يجب ألا تبدأوها أبداً"، في إشارة إلى الحرب الأوكرانية التي بدأت بغزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. وقال ترامب مخاطباً الرئيس الأوكراني: "كان بإمكانك عقد صفقة في وقت سابق، كان بإمكاني عقد صفقة لأوكرانيا ومنحهم كل أراضيهم تقريباً، لكنهم اختاروا عدم القيام بذلك، والرئيس (الأميركي السابق جو) بايدن ليست لديه أي فكرة عن مدى خطأه في هذا الأمر، إنه أمر مروع ومحزن".

وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت واشنطن تؤيّد إرغام كييف على تنظيم انتخابات رئاسية، كما طالبت روسيا على الأرجح، قال الرئيس الأميركي "لدينا وضع لم تجر فيه انتخابات في أوكرانيا، وحيث لدينا أحكام عرفية بالدرجة الأولى وحيث رئيس أوكرانيا، يؤسفني أن أقول هذا، لديه نسبة تأييد شعبي تبلغ 4%"، من دون توضيح مصدر هذه النسبة. وأشار ترامب إلى احتمال لقاء بوتين قبل نهاية الشهر الحالي. وبشأن ما إذا كان يدعم فكرة إرسال قوات حفظ سلام أوروبية إلى أوكرانيا، قال ترامب "إذا أرادوا القيام بذلك، فهذا رائع. أنا أؤيد ذلك بالكامل"، مؤكداً أن بلاده ليست مضطرة لإرسال جنود "إلى هناك، لأنّنا، كما تعلمون، بعيدون جداً". ولم يكتفِ ترامب بذلك بل علّق، مساء الثلاثاء، مراجعة جميع طلبات الهجرة المقدمة من مواطني أميركا اللاتينية وأوكرانيا الذين سمح لهم بالدخول بموجب برامج من فترة الرئيس السابق جو بايدن، بحجة "المخاوف الأمنية"، وفقاً لشبكة سي بي إس نيوز، على أن يستمر تعليق مراجعة الطلبات إلى أجل غير مسمى. مع ذلك، جاء رد زيلينسكي على تصريحات ترامب بالقول، أمس الأربعاء، إن ترامب يعيش في "مساحة من التضليل"، وذلك أثناء لقائه كيث كيلوغ، المبعوث الأميركي الخاص لأوكرانيا وروسيا، في كييف أمس الأربعاء. وعبر منصة إكس (تويتر سابقاً)، أشار زيلينسكي إلى أنه "يجب ألا ننسى أبداً أن روسيا يديرها مصابون بالكذب المرضي ولا يمكن الوثوق بهم ويجب ممارسة ضغوط عليهم". أما روسيا فبدت منتشية بكل ما يصدر عن ترامب. وأشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس بترامب لإلقائه اللوم في النزاع الأوكراني على التحركات الرامية إلى ضم كييف إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). وقال لافروف أمام المشرعين في مجلس الدوما الروسي عن ترامب: "إنه أول قائد غربي حتى الآن، وفي رأيي، القائد الغربي الوحيد الذي قال في العلن وبصوت عالٍ إن أحد الأسباب العميقة للوضع الأوكراني كان موقف الإدارة (الأميركية) السابقة وإصرارها على جر أوكرانيا إلى ناتو".


الولايات المتحدة تنازلت عملياً عن التزاماتها في اتفاقية بودابست عام 1994

سياسة "العصا والجزرة" الأميركية

ورغم هذه الأجواء الأميركية الروسية الإيجابية، إلا أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن تتمكن الأطراف من التوصل إلى اتفاق في وقت قصير، والأكثر واقعية أن تفضي سياسة "العصا والجزرة" الأميركية إلى وقف لإطلاق النار، فمواقف الطرفين الروسي والأوكراني ما زالت متباعدة للغاية بخصوص أسس التسوية. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يجب على الولايات المتحدة إقناع البلدان الأوروبية بأن تتحمل العبء الرئيسي في مراقبة تنفيذ اتفاق لم يشارك الأوروبيون في صياغته. ولعل أهم ما نتج عن الحراك الأميركي في الآونة الأخيرة إبداء بوتين وزيلينسكي استعدادهما مبدئياً لإجراء محادثات، فيما أشار زيلينسكي أكثر من مرة، آخرها في مقابلة مع شبكة "إن بي سي" الأميركية الأحد الماضي، إلى أنه منفتح على تقديم تنازلات إقليمية مؤقتة، في سياق شروط وضمانات معينة. في المقابل، على الرغم من تمسك بوتين بشبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في عام 2014، والأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها القوات الروسية نتيجة الحرب الأوكرانية التي تقترب من إنهاء عامها الثالث، أشار تسريب من الكرملين، في أواخر العام الماضي، إلى أنه سيعطي مجالاً محدوداً للمناورة في المفاوضات مع أوكرانيا. وبرأي خبراء، فإن مجال المناورة المحدود يتعلق بإمكانية مبادلة الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا في منطقة كورسك الروسية بأراض تسيطر عليها القوات الروسية حالياً في إقليم دونباس (يضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك). ويصبح هذا الاحتمال وارداً إذا واصلت القوات الأوكرانية سيطرتها على مناطق في كورسك الروسية حتى وقف إطلاق النار.

من خلال مجريات الأيام الماضية، بدا أن بوتين استطاع إقناع ترامب بأن تسبق مباحثاته مع زيلينسكي مفاوضات ثنائية بين موسكو وواشنطن، توضع فيها أسس وشروط التسوية، قبل الانتقال إلى مباحثات ثلاثية أو ربما رباعية بمشاركة أوروبا، ومن ثم المفاوضات. في حين يطالب زيلينسكي بأن تكون المباحثات رباعية منذ البداية، بمشاركة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا. وتتمثل الإشكالية في التكتيكات التي اتبعتها واشنطن قبل بدء المحادثات، وكشفها مبكراً عن الأوراق التفاوضية الأميركية، في ما يتعلق برؤية ترامب لأسس وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، وتسوية الصراع بالوسائل الدبلوماسية. وحسب التسريبات والتصريحات الأميركية، تتلخص رؤية ترامب كما يلي: تجميد الصراع على طول خطوط المواجهة الحالية. وهذا يعني أن 20% من الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا حالياً ستبقى تحت السيطرة الروسية، وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، ولكن لن يتم الاعتراف رسمياً بالسيادة الروسية على هذه الأراضي. وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بصفة منطقة فاصلة بين القوات الأوكرانية والروسية. وحصول أوكرانيا على ضمانات أمنية بأن روسيا لن تهاجمها مرة أخرى. ولا تشمل الضمانات انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ولكن عملية انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي ستستمر. ولن يتم نشر قوات أميركية على الأراضي الأوكرانية باعتبار ذلك جزءاً من مهمة مراقبة وقف إطلاق النار، والأمر متروك لقوات حفظ سلام أوروبية من دون أي غطاء من "ناتو" وعلى المدى الطويل تعمل كييف على استعادة الأراضي المحتلة من خلال الوسائل الدبلوماسية.


لا تعترف واشنطن رسمياً بسيادة روسيا على الأراضي الأوكرانية المحتلة

مصير المنطقة منزوعة السلاح

بنظرة سريعة إلى الخطوط الرئيسية لخطة ترامب، من الواضح أنها لا تعطي إجابات وحلولاً بمقدار ما تثيره من أسئلة شائكة، ومن تلك الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر: كيف ينبغي أن تتم عملية نزع السلاح من الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا؟ وكيف يمكن حراسة المنطقة منزوعة السلاح ومن سيقوم بذلك؟ وما هي الضمانات الأمنية الكافية من منظور كييف؟ وهل حقاً ستكون هناك فرصة كي تستعيد أوكرانيا أراضيها المحتلة عبر وسائل دبلوماسية؟ والسؤال الأهم هل سيتم قبول الخطة فعلاً من قبل روسيا وأوكرانيا؟ قبل التطرق لهذه الأسئلة، لا بد من الإشارة إلى أن كشف واشنطن عن الخطوط الرئيسية لخطة ترامب للتسوية يجعل منها سقفاً للتفاوض، وليس حداً أدنى، وبالتالي هذا السقف مرشح للنزول أكثر وليس العكس. وتأخذ أوكرانيا والبلدان الأوروبية على الولايات المتحدة أنها ألقت أوراق القوة التفاوضية مسبقاً مجاناً، وهو ما من شأنه تشجيع روسيا على المطالبة بمزيد من التنازلات، في حين تجد أوكرانيا نفسها تحت ضغوط أميركية لا تستطيع مواجهتها، وعبّر عن ذلك زيلينسكي في مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، بالقول: "من المحتمل أن يكون من الصعب للغاية على أوكرانيا البقاء على قيد الحياة من دون الدعم العسكري من الولايات المتحدة". وأضاف: "لا أريد أن يتبادر إلى ذهني أننا لن نكون شركاء استراتيجيين". وشدّد زيلينسكي في المقابلة نفسها على أن "الدعم من الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية، حتى في حال التوصل إلى اتفاق مع بوتين بشأن وقف إطلاق النار في الحرب الأوكرانية التي تشنها روسيا".

وكشفت تصريحات زيلينسكي، وتصريحات العديد من القادة الأوروبيين، أن كييف ستذهب إلى المفاوضات مكرهة تحت الضغط الأميركي، وستكون في موقف ضعيف جداً، لعدم حصولها على ضمانات أمنية كافية من الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، وكذلك استبعاد أو تهميش الدور الأوروبي في المفاوضات مع روسيا. وهذا يتوافق مع سعي بوتين لعقد صفقة مباشرة مع ترامب من خلف أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. وبالعودة إلى الأسئلة التي تثيرها الخطوط الرئيسية لخطة ترامب، لم تقدّم الولايات المتحدة أي إجابات عملية محددة، وعلى ما يبدو أنها تفضل الغموض في المرحلة الحالية على الأقل، كتكتيك مؤقت لعدم التشويش على المحادثات الأميركية الروسية في السعودية، تحضيراً لقمة بين ترامب وبوتين.

لكن من الواضح على المستوى الاستراتيجي أن الولايات المتحدة تنازلت عملياً عن التزاماتها في اتفاقية بودابست عام 1994، التي نصت على تقديم ضمانات لاستقلال وأمن أوكرانيا من الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا مقابل تخلي أوكرانيا عن أسلحتها النووية الموروثة من الاتحاد السوفييتي. ومما يزيد من مخاطر هذا الموقف الأميركي تأكيد وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، خلال اجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسل في 13 فبراير الحالي، أن "عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي غير واقعية، وأن ميثاق الأمم المتحدة واتفاق هلسنكي بشأن الأمن الأوروبي لا ينطبقان على أوكرانيا". وحتى في ما يتعلق بمشاركة أوكرانيا في المفاوضات، أرسلت واشنطن رسائل غامضة، تجسدت في تصريحات متناقضة، فأثناء توجهه إلى اجتماع وزراء دفاع حلف "ناتو" في بروكسل، صرّح هيغسيث بأن أوكرانيا لن يتم إشراكها في المفاوضات الأولية، في حين قال نائب الرئيس جي دي فانس، الجمعة الماضي، خلال فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن، إنه يجب بالتأكيد إشراك أوكرانيا في المفاوضات. وعندما سُئل ترامب بشكل مباشر في وقت سابق عما إذا كانت أوكرانيا طرفاً متساوياً في المفاوضات، لم يجب بنعم. واكتفى بالقول: هذا سؤال مثير للاهتمام.

ولم تستثن واشنطن في رسائلها الغامضة روسيا، فرغم المكاسب التي تعطيها خطة ترامب لموسكو، فهي لا تعترف رسمياً بسيادة روسيا على الأراضي الأوكرانية التي تحتلها القوات الروسية، كما لا تتحدث عن انسحاب القوات الأوكرانية من كورسك بموجب وقف إطلاق النار. ولا تشمل خطة ترامب وقف الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا. وبالإجمال ما يمكن أن تصل إليه خطة ترامب هو تسوية مؤقتة.


زيلينسكي: ترامب يعيش في مساحة من التضليل

شكوك حول إمكانية نجاح خطة ترامب

بناء على ما سبق، تحيط شكوك كثيرة بإمكانية نجاح خطة ترامب في تحقيق اختراق سريع بصيغتها الراهنة، فعدم اعتراف الولايات المتحدة بالأراضي التي تسيطر عليها روسيا، يحيل التسوية إلى شكل تجميد الصراع في الحرب الأوكرانية ليس أكثر، وإبقاء هذه الأراضي تحت السيطرة الروسية يهدد بالاعتراف بالسيادة الروسية عليها مستقبلاً كأمر واقع. وهنا تتفق آراء روسيا وأوكرانيا والبلدان الأوروبية، كل طرف من وجهة نظره، على أن تجميد الصراع لا يؤدي بالضرورة إلى تسوية. ورغم الالتباس في الصيغة السابقة، يمكن لأوكرانيا والبلدان الأوروبية أن تقبل بالتسوية التي يطرحها ترامب إذا ترافقت مع ضمانات أمنية كافية لأوكرانيا وأوروبا، لكن تحديد المقصود بالضمانات الكافية قضية خلافية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا ومن خلفها البلدان الأوروبية. وسبق أن اعتبر زيلينسكي أن عضوية حلف "ناتو" هي الخيار الأنسب والضمان الأمني الأكثر موثوقية، مؤكداً أنه سيقبل بعضوية مجتزأة في الحلف تشمل الأراضي الأوكرانية الخاضعة لسيطرة كييف فقط في الصفقة الأمنية. إلا أن الخطة الأميركية تتعارض مع طلب زيلينسكي، وهي أقرب إلى موقف روسيا في هذه المسألة. ولن تقبل روسيا بتمرير تسوية مؤقتة، تعمل من خلالها الولايات المتحدة وحلفاؤها على ضمان حصول أوكرانيا على تدفق ثابت وطويل الأمد من الأسلحة، وغيرها من المساعدات العسكرية. وهدف روسيا الاستراتيجي إبعاد "ناتو" عن حدودها. ناهيك عن أن كلاً من روسيا وأوكرانيا تعتبران، من زاويتين مختلفتين، أن استمرار الحرب الأوكرانية في المدى المنظور يمكن أن يحقق نتائج أفضل، في رهان على عامل الوقت لإضعاف الخصم.

يأخذ الأوروبيون على خطة ترامب أنها تهمش الدور الأوروبي، وفي الوقت نفسه تفترض الخطة أن يدفع الأوروبيون فاتورة مراقبة وقف إطلاق النار في أوكرانيا، بالأموال والجنود، من دون أن تتلقى قوة السلام الأوروبية أي ضمانات أمنية من الولايات المتحدة. وكانت هذه النقطة بالذات هي الأهم على جدول أعمال القمة الطارئة التي عقدت في باريس، الاثنين الماضي، بحضور عدد من القادة الأوروبيين. ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أوروبية قولها إن القادة الأوروبيين أبدوا استعدادهم لتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، مع بحث الوسائل مع كل طرف اعتماداً على مستوى الدعم الأميركي. وأكدوا أنه من الخطير وقف إطلاق النار من دون اتفاق سلام في الوقت نفسه. وقبل بدء الاجتماع، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إنه يجب أن يكون هناك التزام أمني أميركي قبل أن ترسل الدول الأوروبية قواتها إلى الأراضي الأوكرانية. بدوره، قال المستشار الألماني أولاف شولتز إنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق سلام من دون موافقة أوكرانيا. وشدّد شولتز على أن الحديث عن قوة سلام غير مناسب قبل التوصل إلى اتفاق سلام. كما ذكرت مصادر إيطالية أن رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني تعارض أيضاً نشر قوات حفظ السلام في أوكرانيا. وعبّرت العديد من البلدان الأوروبية عن عدم قدرتها على المشاركة في هذه القوات.

المساهمون