فرص توافق سعيّد والغنوشي: رهانات الداخل وضغوط الخارج

فرص توافق سعيّد والغنوشي: رهانات الداخل وضغوط الخارج

04 يوليو 2021
لم تتسرب معلومات عن الاجتماع الذي جمع سعيّد والغنوشي (الأناضول)
+ الخط -

تتركز الأنظار في تونس على نتائج اللقاء الذي جمع الرئيس التونسي قيس سعيّد ورئيس البرلمان وحركة "النهضة" راشد الغنوشي، في 24 يونيو/ حزيران الماضي، بعد وساطة قادها الوزير السابق لطفي زيتون، وأنهت أشهراً من القطيعة بين الرجلين. ولم تتسرب معلومات عن الاجتماع السري الذي جمع الرجلين، ويؤكد مقربون منهما لـ"العربي الجديد" أنهما لم يفصحا لأحد عن مضمون هذا اللقاء ومتكتمان بطريقة لافتة على ما دار بينهما.

ويقول المقربون إن هناك مؤشرات لا تخطئ على أهمية وثقل ما طرح بين الرجلين في الاجتماع، إذ يشدد الغنوشي على منع كل إضرار معنوي أو لفظي بالاجتماع أو بالرئاسة، وقد لوحظ تراجع منسوب الهجوم الإلكتروني على سعيّد بشكل واضح في الأيام الأخيرة، وتشبُث الغنوشي بإيجابية هذا اللقاء الذي قال إنه يمكن أن يرتقي للتوافق الذي كان حاصلاً مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وهناك مؤشر ثان مهم يتمثل في إلغاء الجلسة البرلمانية التي كانت مخصصة الثلاثاء الماضي للتداول في رفض سعيّد التوقيع على تعديلات المحكمة الدستورية، والتي كانت ستتحوّل بالتأكيد إلى جلسة محاسبة شديدة وانتقاد لسعيّد، وستُسقط كل الجسور المتبقية بين الأطراف المتصارعة. ولوحظ أيضاً أنّ سعيّد قد خفف في الأيام الأخيرة من حدة انتقاداته، على الرغم من أنه يحافظ على أسلوب تقييمه للأوضاع.

هناك مؤشرات على أهمية وثقل ما طرح بين الرجلين

وينتظر الجميع في تونس الاجتماع الثاني بين سعيّد والغنوشي، وإذا ما تم، فسيؤكد أن هناك تفاهمات حصلت بينهما في الجلسة الأولى حول ملفات أخذ كل منهما مهلة للتفكير فيها، وتحديد موقف نهائي منها والعودة للاجتماع من جديد. وستفرز نتائج هذه اللقاءات بين سعيّد والغنوشي، أياً كانت، إيجابية أو سلبية، مشهداً سياسياً مختلفاً في تونس، سيوضح ويغيّر معطيات كثيرة من الوضع الحالي.

ويحذر مراقبون من نتائج عدم اتفاقهما، لأنّ ذلك سيعني سقوط كل الحلول الممكنة لتقارب بينهما، وبداية حرب مفتوحة ستكون مدمرة على اقتصاد البلاد واستقرارها السياسي، وسيفتح الصراع على مصراعيه بين بقية المكونات المتناحرة التي تقف خلف هذا الطرف أو ذاك. وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ أطرافاً كثيرة، من هذا الجانب أو ذاك، تستمد وجودها السياسي والشخصي من هذا الوضع الضبابي ومن الاستقطاب الحاصل، ويزعجها هذا التقارب الممكن وتسعى لضربه عبر التشكيك فيه بكل الوسائل الممكنة وإسقاطه قبل أن يحصل، لأنه إن تم، فقد يغيّر من الخريطة السياسية في البلاد.

ويتساءل كثيرون، عمّا يمكن أن يتفاهم حوله سعيّد والغنوشي، وهل إن الصراع الذي هو صراع واضح على السلطة يمكن أن يؤدي إلى تفاهمات على تقاسم السلطة، خصوصاً أنّ الطرفين الآن لا يحكمان فعلاً، ويعطّل كل منهما دور الآخر، ولا يمارسان السلطة بالطريقة التي يريدان ويتصوران، بما سينعكس عليهما في الانتخابات المقبلة. فضلاً عن التساؤل، هل إن التقارب الذي يصوره كثيرون على أنه مستحيل يمكن أن يتحقق كما تم بين الغنوشي والسبسي، في باريس صيف عام 2013، على الرغم من كل الفروقات والخلافات الجدية والعميقة التي كانت موجودة بينهما؟

يحذر مراقبون من نتائج عدم اتفاق سعيّد والغنوشي

في السياق، يقول المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "لقاء راشد الغنوشي وقيس سعيّد يختلف جوهرياً عن لقاء الغنوشي والسبسي، لأن اللقاء الأول (عام 2013) كان بين طرفين يمارسان السياسة بعقلية احترافية ونزعة براغماتية كبيرة أتاحت إمكانية إيجاد حد أدنى من التعايش السياسي، وليس الاتفاق السياسي. أي بمعنى الاتفاقيات الكبيرة التي حصلت في إيطاليا وألمانيا بين الأحزاب الاشتراكية واليمينية التي تعتبر مرجعاً في فلسفة التوافق وهذه المرجعية كان لها حد أدنى من المقومات مكنها من النجاح". وأشار إلى أن "لقاء باريس وما تلاه من توافقات بين السبسي والغنوشي كانت قائمة على نزعة براغماتية من نوع الهدنة وتفادي الاصطدام، ولم تكن هناك اتفاقات وتفاهمات جوهرية نوقشت وتم الاتفاق حولها، بدليل أنّ القيادي في حركة النهضة، عبد الفتاح مورو، قال حينها إن التوافق بين الرجلين لا يمكن أن يستمر لأنه كان بين شخصين، ولم يكن توافقاً حول رؤى ومؤسسات، وهو ما حصل بالفعل".

وفي ما يتعلق بالتوافق حالياً، أي بين الغنوشي وسعيّد، يرى الغربي أنّ "الإمكانية تقريباً معدومة لسبب أول يتعلّق باختلاف الشخصيتين، فقيس سعيّد ليس الباجي قائد السبسي، وشخصيته مختلفة، وهو من طينة أخرى من السياسيين، ولو أنه ليس بسياسي بالمعنى المعروف، والوضع مختلف بالتأكيد عما سبق، على الرغم من أن سعيّد لا يختلف أيديولوجياً عن حركة النهضة، بل هو أحياناً يتموقع على يمين الحركة. وطبيعة الخلاف سياسية بحتة، أي هوية من يحكم، وهو أمر يغلف بالدستور وبتصورات السلطة والنظام السياسي وغيرها، ولكن الحقيقة أن السؤال الأهم هو من يحكم، قرطاج أم باردو؟".

ويتوقع الغربي ألا يحصل تفاهم بين الرجلين "لأن سعيّد ليس رجل سياسة، بمعنى أنه لا يمارس السياسة بطريقة تقليدية، بل بطريقة الأستاذ الجامعي، والإشكال ليس في سعيّد فقط، بل حتى في الغنوشي، وليس حركة النهضة، فالغنوشي أيضاً يريد السلطة والحكم". ويلفت إلى أن "هذا الثنائي قد يذهب اضطراراً للتفاهم، وهذه الضرورة قد تكون وراءها للأسف أطراف أجنبية"، مضيفاً "من الواضح أن النهضة تمثل المصالح الأميركية في تونس، وسعيّد يمثل المصالح الفرنسية بشكل من الأشكال، وإذا حصل تفاهم فرنسي أميركي، فقد تحصل التهدئة في تونس".

يمكن التوصل إلى توافق حول حكومة جديدة يكون فيها القصر الرئاسي ممثلاً بوضوح

وعلى عكس الغربي، تذهب قراءات عديدة إلى الاعتقاد بأنّ التفاهمات تبقى ممكنة ومتاحة بين سعيّد والغنوشي. فهناك بالفعل ضغط خارجي يراهن على التجربة التونسية بقوة، ولكن هناك بالخصوص ضغطاً داخلياً قوياً ورأياً عاماً وطنياً نفد صبره من هذه المعركة، التي يرى أنها لا تعنيه في شيء أمام أوضاعه الصحية والاقتصادية المتدهورة، ولم يعد أمام الطرفين إلا التوصل إلى اتفاق، ما ينهي فصلاً من هذه المعركة، وأولها في ما يتعلق بالحكومة.

ويرى كثيرون أنه يمكن التوصل إلى توافق حول حكومة جديدة يكون فيها القصر الرئاسي ممثلاً بوضوح، إذ سبق أن حصل توافق معيّن في حكومة الياس الفخفاخ، يمكن أن يتجدد في حكومة جديدة. وتذهب أصوات إلى الاعتقاد بأنّ الوسيط لطفي زيتون قد يكون رجل المرحلة الجديدة، في هذا الوضع الذي يتميّز بتراجع منسوب الثقة بين الفرقاء، لأنه يحظى باحترام الرئاسة، ولا تخافه "النهضة" على الرغم من أنه انفصل عنها وانتقدها بشدة، ويحافظ على علاقة احترام مع المنظمة النقابية، ويحظى بمصداقية لدى العديد من الأحزاب والجهات الأخرى. ولذلك حصل هجوم كبير عليه في الفترة الأخيرة، لضرب دوره وقطع الطريق عليه. ولكن الحكومة الجديدة ستكون محكومة بتفاهمات معقدة جداً، لأن سعيّد لن يتخلى عن داعميه (حركة الشعب أساساً والتيار الديمقراطي بدرجة أقل وشخصيات أخرى)، وسيشترط حضورهم في الحكومة الجديدة كضمان لحضور مؤسسة الرئاسة، وهو ما يبدو معقداً للغاية ولكنه يبقى ممكناً، وإن تمّ، فيمكن أن يفتح الباب أمام مناقشة بقية الملفات الكبرى، ولا سيما النظام السياسي والقانون الانتخابي.

المساهمون