فرص تشكّل تحالف في شرق آسيا لمجابهة التقلبات الأميركية

31 مارس 2025   |  آخر تحديث: 04:15 (توقيت القدس)
القمة الوزارية في سيول، 30 مارس 2025 (جونغ ييون ـ جي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت العلاقات بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية تحسنًا ملحوظًا مع تعزيز التعاون لمواجهة التغيرات في السياسة الخارجية الأميركية، حيث اجتمع وزراء رفيعو المستوى لمناقشة تسريع المفاوضات بشأن اتفاق تجارة حرّة ثلاثي شامل.

- تسببت سياسات ترامب التجارية في ضغوط على اقتصادات الدول الثلاث، مما دفعها لتعزيز التعاون لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك إصلاح منظمة التجارة العالمية.

- رغم التحسن، تواجه الدول تحديات مثل أزمة الثقة بين سيول وطوكيو تجاه بكين، والانقسامات حول الأزمة الكورية الشمالية والحرب الروسية على أوكرانيا، لكنها تسعى لتعزيز التفاهم والتنسيق.

أثار تحسّن العلاقات بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية، دول شرق آسيا المركزية، منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، تساؤلات بشأن فرص تحقيق تقدم إقليمي وتفاهم أكبر بين دول شرق آسيا لمواجهة التغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأميركية. وشهدت العلاقات بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية فتوراً لسنوات عديدة، نتيجة تقرّب طوكيو وسيول من واشنطن في ظل تدهور علاقات بكين مع واشنطن. ولكن شهد الوضع تحولاً جذرياً خلال الشهرين الماضيين منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وبدء حرب تعرفات جمركية لا هوادة فيها، وإلقاء ظلال من الشك على التحالفات الأمنية الراسخة. وأعلنت اليابان وكوريا الجنوبية والصين، أمس الأحد، تعزيز التعاون بغية توفير "بيئة قابلة للتوقع" للشركات و"تسريع" المفاوضات، من أجل إبرام اتفاق ثلاثي في مجال التجارة الحرّة. واجتمع وزراء رفيعو المستوى من البلدان الثلاثة في سيول لمواجهة الوتيرة المتسارعة للرسوم الجمركية الإضافية التي تفرضها واشنطن. ويبقى اقتصاد الدول الثلاث مرتكزاً إلى حدّ كبير على الصادرات، وتلقي سياسة ترامب التجارية بظلالها عل كلّ منها، وإن كان بدرجات متفاوتة.


جينغ وي: هناك مصلحة مشتركة بين بكين وطوكيو وسيول للتغلب على الخلافات

اتفاق تجارة حرة

وتعهّد وزير الصناعة الكوري الجنوبي آن دوك غون ونظيره الياباني يوجي موتو ووزير التجارة الصيني وانغ وينتاو "مواصلة المناقشات بغية تسريع المفاوضات بشأن اتفاق تجارة حرّة ثلاثي شامل" و"منصف"، وفق ما جاء في البيان المشترك. وتعهّدت الدول الثلاث "تعزيز التعاون تدريجاً"، بغية إرساء "بيئة تجارية قابلة للتوقع وضمان استقرار سلاسل الإمداد وتحسين تبادل المعلومات في ما يخصّ الصادرات". وأكّدت سيول وبكين وطوكيو حرصها على "التعاون الوثيق" للدفع نحو إصلاح منظمة التجارة العالمية، وتشجيع التحاق الأعضاء الجدد بالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (آر سي إيه بي) التي تضمّ الصين و14 دولة آسيوية. وجاء في بيان صادر عن الحكومة الصينية أن "النهج الأحادي والنزعة الوقائية قيد الانتشار، ما يلقي ضغوطاً كبيرة على المبادلات العالمية ويزيد من انعدام اليقين. ولا بدّ من أن تضطلع البلدان الثلاثة بمسؤولية صون النظام التجاري متعدّد الأطراف وتوطيد التكامل الاقتصادي الإقليمي". وعُقد اجتماع دول شرق آسيا الثلاث بعدما فرضت واشنطن في منتصف مارس/آذار الحالي رسوماً جمركية على الصلب والألومينيوم بنسبة 25%، وقبل أيام من فرض رسوم إضافية بنسبة 25% على واردات السيارات إلى الولايات المتحدة، اعتباراً من الثاني من إبريل/نيسان المقبل.

وحسب وسائل إعلام صينية، تسعى دول شرق آسيا الثلاث لتوثيق العلاقات في ما بينها، إذ لم تسلم اليابان وكوريا الجنوبية من ضغوط ترامب وسياساته الانتهازية التي تنهال على الصديق والعدو على حد سواء. ولفتت إلى أن ترامب هزّ التحالفات الأمنية والعسكرية التقليدية، وتقرّب من روسيا، واشتبك مع حلفاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشأن دعم أوكرانيا، وقوّض تحالفاً أطلسياً حافظ على الأمن في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945). وبالتالي لدى طوكيو وسيول أيضاً ما يبرر الشك في متانة علاقاتهما الأمنية مع واشنطن، ما يبرز الحاجة إلى التقارب مع بكين لإيجاد حالة من التوازن في العلاقات الدولية. وقد ترجم ذلك بالفعل، عبر محادثات ثلاثية في طوكيو قبل أيام، جمعت وزراء خارجية دول شرق آسيا الثلاث. ودعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إلى التجارة الحرة والتعاون الإقليمي وتعزيز التكامل الاقتصادي لمواجهة التغيرات والفوضى في المشهد الدولي، وذلك بعد محادثات مع نظيريه، المضيف الياباني تاكيشي إيوايا، ووزير الخارجية الكوري الجنوبي تشو تاي يول.

من جهته، حذّر إيوايا، إلى جانب وانغ، من أن البيئة الدولية تزداد قسوة وأن العالم يمر بمنعطف حاسم، مؤكداً ضرورة تجاوز الانقسام بالحوار. أيضاً اتفق وزراء الخارجية على عقد قمة على مستوى رؤساء الوزراء، في وقت لاحق من العام الحالي، ومواصلة المحادثات بين دول شرق آسيا الثلاث، لتعزيز التفاهم والتنسيق بشأن القضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً الوضع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك العمل من أجل إرساء السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.

بدوره، اعتبر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، أمس الأحد، أن اليابان لها دور لا غنى عنه في مواجهة التوسع الصيني، وأن تنفيذ خطة لتطوير القيادة العسكرية الأميركية في البلاد ستمضي قدماً. وقال هيغسيث لنظيره الياباني جين ناكاتاني خلال اجتماع في طوكيو: "نتشارك روح المحارب التي تميز قواتنا... اليابان شريكتنا التي لا غنى عنها في ردع العدوان العسكري الصيني الشيوعي"، بما يشمل أنشطتها في مضيق تايوان. وأشار هيغسيث إلى أن إدارة ترامب "ستواصل التعاون الوثيق" مع حليفها "الرئيسي" في منطقة شرق آسيا. أما ناكاتاني، فكشف أنه اتفق مع هيغسيث على تسريع خطة للإنتاج المشترك لصواريخ جو ـ جو من طراز أمرام، ودراسة التعاون في إنتاج صواريخ سطح ـ جو من طراز إس.إم ـ 6 للدفاع الجوي للمساعدة في تخفيف النقص في الذخائر.


ليو مينغ: من المبكر الحديث عن تحالف آسيوي يواجه حالة عدم اليقين

فرص التحالف بين دول شرق آسيا

في تعليقه على فرص التحالف بين دول شرق آسيا الثلاث، قال المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن اجتماع وزراء الخارجية هو الأول من نوعه منذ عام 2023، ويأتي بعد قطيعة استمرت لعدة أشهر بسبب الخلافات القائمة والتدخلات الأميركية في المنطقة. وأضاف: مع تراجع واشنطن وانكفاء دورها في ولاية ترامب الثانية، تبرز مصلحة مشتركة بين بكين وطوكيو وسيول لتعزيز العلاقات والتغلب على الخلافات من أجل تشكيل جبهة موحدة في ظل التقلبات الأميركية والمزاجية الترامبية. ولفت جينغ إلى أن أهم ما جاء في قمة وزراء الخارجية، إحياء الحديث عن اتفاقية التجارة الحرة التي توقفت في عام 2019. وتابع: بعد سنوات من التباعد، بدأت القوى الثلاث بالحديث مجدداً عن اتفاقية تجارة حرة، وتعزيز الأمن الإقليمي، والترتيب لعقد قمة في الأشهر المقبلة، وهذا يشير إلى وعي عميق بضرورة التقارب وتغليب المصالح العليا بما يضمن استقرار المنطقة بعيداً عن الحسابات الأميركية المربكة والمزعزعة للأمن والسلام الإقليميين. وتوقع أن يفضي ذلك إلى نتائج ملموسة تعود بالنفع على جميع الأطراف وشعوب دول المنطقة.

من جهته، رأى أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن من المبكر الحديث عن تحالف آسيوي يواجه حالة عدم اليقين بشأن السياسة الخارجية الأميركية، ببساطة لأن الأمر مرتبط بأزمة ثقة، إذ لا يمكن لكل من سيول وطوكيو أن تضعا ثقتهما في بكين صاحبة النفوذ والهيمنة الأكبر في المنطقة، والتي لديها مشاريع توسعية تأتي على حساب دول الجوار. ولفت ليو إلى أن طوكيو وسيول كلتيهما حليفتان لواشنطن، وعلى خلفية تصاعد المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، تحاول بكين إدارة وتقليص الشكوك وعدم الثقة في العلاقات الثنائية مع جيرانها، وبالتحديد مع اليابان وكوريا الجنوبية باعتبارهما الركيزتين الرئيسيتين للاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وأضاف: على الرغم من ذلك، لا تزال هناك انقسامات عميقة بين الدول الثلاث، إذ تتخذ بكين مواقف تتعارض مع مصالح طوكيو وسيول في ما يتعلق بالأزمة الكورية الشمالية والعلاقة مع نظام كيم جونغ أون، والتهديدات الصاروخية التي تمثلها بيونغ يانغ ضد جيرانها، بالإضافة إلى موقف الصين من الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلاً عن التهديدات التي تمثلها الصين نفسها باعتبارها قوة دولية مهيمنة على المستويين الاقتصادي والعسكري.

المساهمون