فرص الصين محدودة للمشاركة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط

18 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 04:09 (توقيت القدس)
السفير الصيني بالأمم المتحدة فو كونغ بجلسة عن المنطقة، 16 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تزايد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط يظهر من خلال العلاقات التجارية والدفاعية المتنامية، حيث تدعم الصين الدبلوماسية وتنتقد ازدواجية المعايير الغربية، مما يعزز دورها كلاعب دولي مؤثر في المنطقة.

- تواجه الصين تحديات في مزاحمة الولايات المتحدة كلاعب رئيسي، حيث تركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية دون الانخراط في حروب، بينما تظل الهيمنة الأمريكية عائقاً أمام استبدالها.

- تسعى دول الشرق الأوسط لتقليص اعتمادها على الغرب، مما يتيح للصين تعزيز نفوذها عبر مبادرات مثل الحزام والطريق، وقد يؤدي ذلك إلى تحول المنطقة لمحور نفوذ صيني اقتصادي وسياسي.

كيف يمكن لبكين أن تشارك في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط؟ أثير هذا السؤال في الأوساط الإعلامية الصينية التي سلّطت الضوء أخيراً على اتّساع نفوذ الصين ومكانتها الدولية وعلاقاتها الجيّدة مع دول الشرق الأوسط، وتأثير ذلك على لعب بكين دوراً أكبر في المنطقة التي تشهد تحولات سياسية كبيرة، في ظلّ الصراعات القائمة والحروب المشتعلة بين إسرائيل من جهة، وفصائل المقاومة الفلسطينية، ولبنان وسورية واليمن من جهة أخرى، إلى جانب الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استدعت تدخلاً أميركياً مباشراً.

هشاشة النظام الدولي وحسابات الصين

وفي هذا السياق، كتبت صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، مساء أول من أمس السبت، أن الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، بما فيها الكارثة الإنسانية في غزة، كشفت هشاشة النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وازدواجية المعايير الغربية على نحوٍ غير مسبوق، إذ يصعب التقليل من خطورة الوضع، ما يؤكد الحاجة إلى تدخل دولي عاجل.

ولفتت الصحيفة الصينية إلى أنّ العديد من الأكاديميين الإسرائيليين ومنظمات حقوق الإنسان والقادة السياسيين، يحذرون علناً من فظائع غير مسبوقة، حتّى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، حذّر من جرائم حرب و"تحويل غزة إلى منطقة كارثة إنسانية"، وأنه في خضمّ مجاعة الفلسطينيين، يدقّ الخبراء ناقوس الخطر بشأن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وأضافت: مع ذلك، فإنّ الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الرئيسية لا تزال تدعم إسرائيل بقوة، مصرّةً على "دفاعها عن النفس" في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لذا يتزايد الخوف من تجدّد المواجهة العسكرية الأكثر تدميراً بين إسرائيل وإيران، والتي ستكون لها عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي وإمدادات الطاقة العالمية.

ساوث تشاينا مورنينغ بوست: يتزايد الخوف من تجدّد المواجهة العسكرية الأكثر تدميراً بين إسرائيل وإيران

وتابعت: "في غضون ذلك، يبحث العالم جاهداً عن قيادة بديلة للحفاظ على نظام دولي قائم على القواعد"، لافتة إلى أنه "عموماً، لم تتدخل الصين في أيٍّ من صراعات الشرق الأوسط، بل أدانت تصرفات الحكومات الغربية، معربةً عن دعمها للدبلوماسية". ولكن، برأي الصحيفة، فإنه "نظراً إلى شبكة الصين الهائلة من النفوذ، نتيجة للعلاقات التجارية والدفاعية المزدهرة مع الدول الرئيسية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، فإنّ بكين في وضع فريد يسمح لها باستغلال نفوذها العالمي للدفع نحو حلّ بنّاء أكثر يمنع الحروب الكبرى ويخفف المعاناة الإنسانية". وبصفتها ثاني أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، وأكبر شريك تجاري للعديد من الدول، تتمتع الصين، وفق "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، بـ"مكانة متميزة تؤهلها للعب دور حيوي في السياسة العالمية، ورغم الترويج لنظام دولي قائم على قواعد ثابتة، فقد أشعل الغرب صراعات متعدّدة متزامنة في الشرق الأوسط، أو على الأقل فشل في منعها"، وفق اعتبارها.

تجنب منطقة مشتعلة

ورأى شاو وي، المحلّل المختص في شؤون الشرق الأوسط، والمقيم في هونغ كونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن فرص الصين محدودة جداً في مزاحمة الولايات المتحدة في ما يتعلق بلعب دور بنّاء يهدف إلى حل الصراعات القائمة، في ظل الهيمنة الأميركية على صناعة القرار في هذه البؤرة المشتعلة من العالم. وبرأيه، فإنّه "حتّى لو انكفأ الدور الأميركي بصورة أو بأخرى، يصعب على بكين أن تحلَّ مكان واشنطن، لأنها ببساطة لا ترغب في أن تنخرط بأي حروب خارجية تستدعي تدخلاً عسكرياً"، ولفت إلى أن الاعتقاد بأن القنوات الدبلوماسية وحدها كفيلة بحلّ الخلافات والقضايا الكبرى، هو قصور في فهم المشهد الدولي، وسوء تقدير للتوازنات الدولية القائمة. واستدل على ذلك بقدرة الإدارة الأميركية على حسم الحرب بين طهران وتل أبيب خلال أيام محدودة من خلال استخدام القوة العسكرية المفرطة عبر استهداف المنشآت النووية الإيرانية، ما دفع القيادة الإيرانية على الموافقة غير المشروطة لإنهاء الحرب، على حد قوله.

من جهته، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنوب الصين، ياو بين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصين لا تريد أن تحلَّ مكان الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بصفتها قوةً مهيمنة، لكنها تسعى إلى زيادة التفاعل مع دول المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. ولفت إلى أن بكين تنتهج استراتيجية متعدّدة الجوانب، تأمل من خلالها ضمان إمدادات الطاقة، وتعزيز مبادرة الحزام والطريق، وبناء نفوذ دبلوماسي جديد يخفّف من تأثير القوى الغربية على دول المنطقة.

ياو بين: التفاعل المتزايد بين الصين ودول المنطقة قد يكون له تأثير جيوسياسي كبير، لا سيّما أنه يعيد تشكيل التحالفات القائمة

في المقابل، تسعى الدول الرئيسية في الشرق الأوسط، مثل السعودية والإمارات وقطر ومصر، وفق ياو بين، إلى تقليص اعتمادها على الغرب، خصوصاً بعد الحروب الأخيرة التي كشفت انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل بصورة سافرة، وهذا حتّم على القوى الكبرى التوجه شرقاً لتنويع مصادرها وشراكاتها الاقتصادية والاستثمارية، الأمر الذي يتقاطع مع تطلعات الصين التي لا تفرض اشتراطات سياسية في علاقاتها الاستثمارية كما تفعل الدول الغربية، وربما يترجم ذلك في دخول بعض هذه الدول إلى مجموعة بريكس الاقتصادية، وفق رأيه.

وتوقع ياو بين أن يكون للتفاعل المتزايد بين الصين ودول المنطقة تأثير جيوسياسي كبير، لا سيّما أنه يُعيد تشكيل التحالفات القائمة، ومع ميل دول فاعلة مثل السعودية ومصر نحو الصين، قد يُضعف ذلك نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. ولفت إلى أن الحرب التجارية بين بكين وواشنطن قد تبرز هذا التحول على نحوٍ أكبر، خصوصاً أن العديد من دول المنطقة تسعى جاهدة إلى حماية نفوذها ومصالحها عبر الشراكة مع قوة اقتصادية صاعدة بحجم الصين. وإذا استمر هذا التوجه وطاول دولاً أخرى في المنطقة، فقد يُصبح الشرق الأوسط بهذا المعنى محوراً جديداً للنفوذ الاقتصادي الصيني الذي سيكون له دون أدنى شك، تأثير سياسي أيضاً، بحسب اعتقاده.

تقارير دولية
التحديثات الحية