لا يهم بطبيعة الحال ما يقوله الإعلام الإسرائيلي عن الأسرى الفلسطينيين الستة الذين تمكنوا، فجر الإثنين الماضي، من التحرر من السجن والخروج إلى الحرية، فيما تدفع دولة الاحتلال بآلاف الجنود وعناصر الشرطة وحرس الحدود، ناهيك عن تشغيل كل أجهزة الرصد والمراقبة "البشرية" والتكنولوجية لمحاولة تتبع آثارهم، بقدر ما تهم حقيقة واحدة أقرّ بها مسؤول أمني إسرائيلي، ويعرفها شعبنا الفلسطيني: أسرى الحرية هم نقطة الإجماع الفلسطينية شبه الوحيدة المتفق عليها اليوم.
لهذه النقطة إسقاطات وتداعيات، وطبعاً مكامن قوة، أولها إقرار الاحتلال ووسائل إعلامه بأن حقيقة الالتفاف الشعبي الفلسطيني حول ملف الأسرى جعلته يراجع حساباته وطرق وعمليات التفتيش عنهم خوفاً من أن يؤدي "احتكاك" غير محسوب العواقب إلى إشعال الضفة الغربية كلها ضد الاحتلال، وفقدان السلطة الفلسطينية القدرة على ضبط مقاليد الأمور. كما يخشى الاحتلال من انهيار مفهوم التنسيق الأمني كلياً، خصوصاً في حال طولب عناصر الأمن الفلسطيني في ظل حالة التعبئة الوطنية التي حققها "الهروب" من سجن جلبوع، بمطاردة من يعتبرون رمزاً للنضال الفلسطيني من أجل تسليمهم لسلطات الاحتلال.
وفيما يبدي الاحتلال إدراكاً ويقظة لحجم الوحدة والالتفاف الفلسطيني حول الأسرى، لا يبدو أن السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل تتعامل مع حالة الوحدة الشعبية حول الأسرى بالقدر الكافي من المسؤولية من أجل توظيف حالة التعبئة الفلسطينية الشعبية حول عملية الفرار من سجن جلبوع لجهة بلورة موقف موحد تجمع عليه "فتح" كما "حماس" والجبهات المختلفة وباقي الفصائل، بدلاً من إطلاق كل فصيل وحركة تحذيراته على انفراد.
يمكن لحالة التعبئة الحالية أن تكون رافعة حقيقية ليس فقط لنشاطات إسناد للأسرى، تنتهي خلال أيام، بل رافعة ونقطة تلاق موجودة أصلاً لطي صفحة الانقسام الفلسطيني والمضي، تأسيساً على التفاهمات السابقة بينها وثيقة الأسرى، قدماً نحو مصالحة فلسطينية، أو على الأقل حوار وطني فلسطيني جدي يقود إلى الضوء في آخر نفق الانقسام. لعلّ ذلك يساهم في الخروج من نفق الانقسام المظلم، بما جرّه على الشعب الفلسطيني كله في كافة أماكن وجوده من ضربات ونكسات، فيما واصل الاحتلال الإسرائيلي توغله في الأرض الفلسطينية، وفي كسر دائرة الحصار العربية عليه وصولاً إلى حالة تطبيع كامل مع دول عربية من الخليج إلى المحيط.