فتور بين السيسي والرياض: خلاف حول الأزمة الخليجية والمساعدات

فتور بين السيسي والرياض: خلاف حول الأزمة الخليجية والمساعدات

19 أكتوبر 2020
خلال زيارة للسيسي إلى السعودية في أغسطس 2018 (فرانس برس)
+ الخط -

تسود حالة من الفتور بين النظام المصري والسعودية على خلفية اختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن مشاكل أخرى تخيّم بظلالها على العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى حد ظهورها بوضوح في الأوساط الدبلوماسية المصرية والعربية بالقاهرة. وكشفت مصادر من هذه الأوساط لـ"العربي الجديد"، أنّ اتصالات تُجرى بين الدولتين حالياً بعد صمت طويل، لمحاولة تجديد حيوية التنسيق بينهما على أكثر من صعيد.
وقالت المصادر إنّ من بين الأسباب الرئيسية للخلافات على الصعيد الإقليمي، تباين وجهات النظر بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والإدارة السعودية، حول ملف الأزمة الخليجية ومستقبل العلاقات مع دولة قطر. وتملك القاهرة معلومات عن اتصالات متقدمة بشأن حلحلة بعض المسائل المعقدة داخل البيت الخليجي، في ظلّ تجاهل تام لمصر، باعتبار الأزمة تتعلق بـ"أمن واستقرار الخليج"، وهذه المعلومات وصلت إلى القاهرة من الإمارات التي تسعى إلى تعطيل أي تقدم ممكن في هذا السياق، وفق المصادر.


تملك القاهرة معلومات عن اتصالات متقدمة بشأن حلحلة بعض المسائل المعقدة داخل البيت الخليجي، في ظلّ تجاهل تام لمصر

وعلى الرغم من وجود أزمات مكتومة بين السيسي وحكام الإمارات أيضاً، حول العديد من القضايا المصرية، خصوصاً ذات الطابع الاقتصادي، وكذلك حول بعض القضايا الإقليمية، فإنّ هناك تطابقاً في موقفيهما من قضية الأزمة الخليجية، يختلف في العديد من البنود مع الموقف السعودي الذي يتطور منفرداً نحو الحل بوساطة أميركية، بحسب المصادر الدبلوماسية نفسها. وأكدت هذه المصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ موقف السيسي حتى الآن يتمثل في أنّ عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه عشية إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، في 5 يونيو/ حزيران 2017، لن تؤدي إلى تغيير كبير في العلاقات المصرية القطرية المتوترة أساساً منذ الانقلاب والإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، وأن أقصى إجراءات يمكن اتخاذها هي عودة حركة الطيران والتمثيل الدبلوماسي "المخفض" بين البلدين. علماً أنّ العديد من الشخصيات الاقتصادية في الحكومة وأخرى قريبة من السيسي ترى أنّ استمرار القطيعة يعمّق خسائر مصر الاستثمارية، خصوصاً مع عدم تدفق رؤوس الأموال السعودية والإماراتية والكويتية للسوق المصرية، كما كان متوقعاً منذ خمس سنوات.

وبحسب المصادر، فإنّ المقترحات المصرية السابقة التي قدمت خلال اتصالات الوساطة الكويتية بين عامي 2017 و2018 صعّبت استمرار اعتبار السيسي جزءاً من مناقشات البحث عن حلّ. إذ سبق أن طُرحت مطالب كالحصول على تعويضات مالية جراء ما تعتبره مصر "مشاركة قطر في دعم وتمويل الأنشطة الإرهابية التي قامت بها مجموعات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين تحديداً على مدار السنوات الثلاث الماضية"، فضلاً عن طرد قيادات الإخوان.

كذلك سبق أن أعاقت الإمارات بعض الأفكار التي طرحتها الكويت في أغسطس/آب 2017 قبل تدخل واشنطن رسمياً في الأزمة، ومنها عقد اجتماعات مباشرة بين ممثلي دول الحصار وقطر، بالإضافة إلى وقف الهجوم الإعلامي الممنهج والمفبرك على الدوحة، وكذلك العودة إلى المبادئ الستة التي وُضعت آلية تنفيذها خليجياً في العام 2014.


العلاقات الثنائية تواجه تحديات مختلفة، بسبب تراجع المساعدات وعدم إبداء الجدية في تنفيذ العديد من المشروعات

وبعيداً عن الأزمة الخليجية، فإنّ العلاقات الثنائية بين مصر والسعودية تواجه تحديات مختلفة، أبرزها على الصعيد الاقتصادي، بسبب تراجع المساعدات وعدم إبداء الجدية في تنفيذ العديد من المشروعات والملفات التي تم الاتفاق عليها خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر في إبريل/نيسان 2016، وزيارة ولي عهده الأمير محمد بن سلمان في مارس/آذار 2018. فقد أكدت المصادر انقطاع اجتماعات اللجان المشتركة التي كانت قد شكلت لبدء تنفيذ المشاريع التنموية بتمويل سعودي، خصوصاً في سيناء.

وتتضمن حزمة المشاريع التي كان قد تم الاتفاق عليها بالتزامن مع تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عام 2016، مشروع جسر الملك سلمان الرابط بين السعودية ومنطقة نبق في سيناء، والذي ما زال جامداً منذ عامين عند نقطة المفاضلة بين مشروعين؛ الأول ارتكاز الجسر على جزيرة تيران، والثاني أن يتم مد الجسر على أكثر من مرحلة بين منطقة رأس الشيخ حميد بالمملكة ثم جزيرة صنافير ثم جزيرة تيران ثم نبق. ويعتبر الجسر جزءاً من مشروع أوسع لإحياء الجزيرتين وتحويلهما إلى منتجعين سياحيين صالحين للاستثمار ضمن مشروع "نيوم" الاستثماري السياحي الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي عام 2017.

كما تتضمن الحزمة منحاً بحوالي 700 مليون دولار لتنمية سيناء، ومشروع تطوير منطقة جبل الجلالة شرق مصر، المدعوم سعودياً، والذي تراجع الاهتمام به لمصلحة العمل المتسارع بالعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة.

وأوضحت المصادر أنّ عزوف المستثمرين السعوديين عن ضخّ الأموال في السوق المصرية، من المسائل التي تشكل أيضاً عبئاً على العلاقات الثنائية، لكن الشهرين الأخيرين شهدا تطورات غير معلنة في إطار محاولة السيسي تعويض الأموال الطائلة التي صرفت على مشروعاته الجديدة من دون عائد حتى الآن، وكذلك لزيادة عوائد الجيش من مشروعات الشراكة مع القطاع الخاص. إذ كشفت المصادر عن طرح العديد من الأراضي المتميزة التي كان يستغلها الجيش كمبان إدارية ودور ترفيه وأندية، في منطقتي مصر الجديدة ومدينة نصر شرقي القاهرة، على مستثمرين سعوديين للحصول عليها بالتملك أو حق الانتفاع لفترات طويلة، موضحةً أن بعض الصفقات الكبيرة في طريقها للإبرام قبل نهاية العام، تمهيداً لإقامة مشروعات سكنية وتجارية ضخمة.


عزوف المستثمرين السعوديين عن ضخّ الأموال في السوق المصرية، من المسائل التي تشكل أيضاً عبئاً على العلاقات الثنائية

ومن الإشكاليات أيضاً بين البلدين، عدم وضوح الرؤية إزاء تجديد اتفاق توريد حصة البترول الخام من شركة "أرامكو" لمصر، والذي من المقرر أن ينتهي العام المقبل 2021، في ظل العقود الجديدة التي أبرمتها مصر مع العراق لتفادي تكرار الإيقاف السعودي للتوريد، كما حدث في وقت سابق في فترة التعقيدات القضائية والبرلمانية داخل مصر التي عطلت تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ونقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.

وكانت شركة "أرامكو" الحكومية السعودية للطاقة قد أبلغت الهيئة العامة للبترول المصرية في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بالتوقف عن إمدادها بالمواد النفطية، بعد أن كانت السعودية وافقت على إمداد مصر بمنتجات نفطية مكررة بواقع 700 ألف طن شهرياً لمدة خمس سنوات بموجب اتفاق بقيمة 23 مليار دولار بين "أرامكو" والهيئة العامة للبترول، جرى توقيعه خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر.

وبموجب الاتفاق، تشتري مصر شهرياً منذ مايو/أيار 2016 من الشركة السعودية 400 ألف طن من زيت الغاز (السولار) و200 ألف طن من البنزين و100 ألف طن من زيت الوقود، وذلك بخط ائتمان بفائدة 2 في المائة على أن يتم السداد على 15 عاماً.