غياب الخدمات يعيد التظاهرات إلى بغداد

غياب الخدمات يعيد التظاهرات إلى بغداد

28 ابريل 2021
تتخوف الحكومة من تكرار سيناريو تظاهرات أكتوبر 2019 (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت مناطق وأحياء شرقي العاصمة العراقية بغداد، ليل الإثنين، تظاهرات ليلية استمرت حتى ساعات فجر الثلاثاء، لليوم الرابع على التوالي، وقد شارك فيها المئات من الشبان الغاضبين المطالبين بتوفير الخدمات، خصوصاً التيار الكهربائي، الذي تراجعت معدلات تأمينه للمنازل إلى أقل من 5 ساعات في اليوم، مع ارتفاع درجات الحرارة في البلاد والتي قاربت الأربعين مئوية. ومن حي الوحدة إلى منطقة الحسينية، امتدت التظاهرات، فجر أمس الثلاثاء، إلى طريق محمد القاسم الحيوي، شرقي بغداد، والذي يربط العاصمة بمحافظات مجاورة، وقطع عشرات الشبان الطريق بواسطة حجارة وإطارات أشعلوها لاحقاً، وسط مخاوف حكومية وسياسية في البلاد من تكرار سيناريو تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، خصوصاً مع سقوط أول قتيل في هذه الاحتجاجات، فجر الجمعة الماضي، وهو شاب يبلغ من العمر 19 عاماً، بنيران قوات الأمن، وإصابة 11 آخرين.

لجنة حكومية تتجه إلى منطقة الوحدة، شرقي بغداد، لاحتواء التصعيد

ومن المرجح أن تصل لجنة حكومية، اليوم الأربعاء، إلى منطقة الوحدة، شرقي بغداد، بغية احتواء التصعيد ومحاولة لقاء قادة الحراك الاحتجاجي، وفقاً لمصادر حكومية في بغداد تحدثت لـ"العربي الجديد"، مؤكدة أن هناك "خشية من أن تمتد الاحتجاجات إلى مناطق أوسع ويصعب السيطرة عليها حينها". وأضافت المصادر أن اللجنة ستسعى للاستماع إلى مطالب المحتجين، كما قررت الحكومة اعتبار الضحية الذي سقط في التظاهرات شهيداً مع إعلان نتائج التحقيق وتقديم الجنود المتورطين بإطلاق النار لمحاكمة عسكرية.

لكن الناشط عباس المولى، وهو أحد الوجوه البارزة في الاحتجاجات، تحدث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، قائلاً "لن نقابل أحداً منهم، فمطالبنا واضحة وليست صعبة الفهم"، مضيفاً "نريد معرفة من يعطي أوامر إطلاق الرصاص وضرب المتظاهرين في كل مرة، ومن المسؤول عن سقوط الضحايا، وبعدها يتم الحديث عن كهرباء وماء نظيف وثلاجة فيها طعام مثل الموجود في ثلاجاتهم"، على حد تعبيره. وختم بالقول إن المتظاهرين سيعتبرون إقدام الحكومة على إقالة المسؤولين في المنطقة وإعلان المسؤولين عن قتل زميلهم بادرة جيدة من الحكومة "ويمكن بعدها العودة للحديث عن المطالب".

وتعد مناطق الاحتجاجات الليلية حالياً في بغداد، هي الأكثر فقراً وتردياً في الخدمات، وتقع أغلبها على أطراف العاصمة الشرقية والجنوبية الشرقية. من جهته، توقع عضو البرلمان العراقي أحمد الكناني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تتسع الاحتجاجات في حال استمر البرود الحكومي بالتعاطي مع مطالب الناس ونقص الخدمات أيضاً. وأضاف الكناني "على وزارة الكهرباء حل الأزمة في هذه المناطق فوراً قبل تفاقم الأمور، لكن عموماً نحن نتوقع حدوث مشاكل كثيرة خلال الصيف، فيما الحكومة غير مستعدة، ولم تقم بصيانة محطات الكهرباء استعداداً لموسم الصيف". وحذر من أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه قد يدفع العراقيين إلى تظاهرات أكبر وأوسع، مستغرباً "هذه الانتقائية من قبل القوى الموجودة في التعامل مع سقوط شاب في التظاهرات قبل أيام".

تقارير عربية
التحديثات الحية

أما القيادي في الحزب الشيوعي العراقي جاسم الحلفي، فانتقد ما وصفه بتأخر الحكومة في ملف الخدمات بعد عام من تسلّمها الحكم، مضيفاً "لا يمكن التعبير عن مدى السخط والغضب والانزعاج والاشمئزاز في الشارع من السلطات التي فشلت بتقديم أبسط خدمة وهي الكهرباء. وإذا نظرنا إلى أي مدينة في أي بلد فقير نجدها تنعم بالكهرباء". وأوضح الحلفي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإخفاق في هذا الملف يمثّل فضيحة كبيرة للنظام السياسي النابع من المحاصصة والذي فشل فشلاً ذريعاً، والاحتجاجات الحالية في مناطق شرقي بغداد محقة وتحمل مطالب مشروعة"، متابعاً أنه "إذا كانت الحكومة عاجزة عن تحقيق مطالب المحتجين، فإنها مطالبة بالاستماع لهم على الأقل، وليس قمعهم وتهديدهم واستعراض القوة واستخدامها". واعتبر أن خروج تظاهرات ليلة الأحد الماضي في الكوت والناصرية وكربلاء لرفض مقتل متظاهر في حي الوحدة في بغداد، وإدانة الحريق في مستشفى ابن الخطيب في بغداد، له دلالات لما وصل إليه الشارع الآن، متوقعاً أن تتسبّب الإخفاقات الحكومية في فتح صفحة جديدة من الاحتجاجات.

قيادي في الحزب الشيوعي: كلما سالت دماء، زاد الغضب وتصاعدت الانتفاضة، لأن الناس لم تعد تخشى الأساليب القمعية

ولفت الحلفي إلى أن مقتل متظاهر في منطقة الوحدة يمثّل إدانة للسلطة، كما أنه مؤشر على عدم التصديق بأن الحكومة الحالية جاءت من أجل حماية المواطنين وتحقيق مطالبهم، بل على العكس تلوثت أيديها بدم العراقيين، مضيفاً "كلما سالت دماء، كلما زاد الغضب وتصاعدت الانتفاضة، لأن الناس لم تعد تخشى صوت السلطة والأساليب القمعية"، مبيناً أن الاحتجاجات ستتسع أفقياً وعمودياً، وتشمل قطاعات أخرى، وقد تتحوّل في لحظة ما إلى هبّة جماهيرية واسعة وستكون أعمق وأشمل من سابقاتها.

أما عضو التيار المدني والناشط في الحراك الشعبي العراقي علي زين العابدين محمد، المقيم في مدينة أربيل منذ أشهر بسبب ملاحقات مستمرة اضطرته إلى مغادرة مدينة كربلاء، فقال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "الأوضاع الحالية لم تتغير عما كانت قبل التظاهرات، لا من ناحية الخدمات ولا الفقر والبطالة ولا حتى الحريات، بل زادت سوءاً، لكن ما يحرك الناس الآن هو الإحباط". وأضاف أن إقرار البرلمان دمج 30 ألف شخص في صفوف "الحشد الشعبي" ومنحهم مرتبات تصل إلى مليون وربع مليون دينار عراقي (نحو 900 دولار)، بينما يُترك خريجو الجامعات وحملة الشهادات العليا ويتم أهمال مطالب شريحة الأرامل والمعوقين وذوي ضحايا الإرهاب ومخصصات مرضى السرطان والأمراض المزمنة، كل ذلك "يؤكد أنهم يتحركون من نظرة انتخابية سياسية لا إنسانية ولا حتى قانونية أو أخلاقية مع الشعب".

المساهمون