غوستافو بيترو رئيسا لكولومبيا: جزء من جيل التحول اللاتيني إلى اليسار

انتخاب غوستافو بيترو رئيساً لكولومبيا: جزءٌ من جيل التحول اللاتيني إلى اليسار

20 يونيو 2022
ركز بيترو طيلة الفترة الماضية على قضايا المساواة ورفض قمع الشارع المحتج (Getty)
+ الخط -

تدخل كولومبيا بعد فوز "الثائر السابق" في صفوف اليسار، غوستافو بيترو، بمنصب الرئاسة، طورا جديدا من الحياة السياسية التي تعيشها مجتمعات أميركا الوسطى والجنوبية.

المتغير الكولومبي لا يمكن فصله عن حالة تغيير أوسع في أميركا الوسطى والجنوبية. فمن المكسيك إلى تشيلي إلى البيرو إلى الأرجنتين، وغيرها من حكومات أقرب إلى الأجنحة اليسارية والاشتراكية، تبدو سائرة بثبات في المنطقة نحو ترسيخ ما انطلق في العملية الديمقراطية المتواصلة منذ 2005.

وكانت المكسيك قد اختارت عام 2018 رئيسها اليساري أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، فيما وصل الشاب الاشتراكي غابرييل بوريك (36 سنة) إلى الرئاسة في تشيلي العام الماضي، بينما اختارت البيرو النقابي اليساري بيدرو كاستيلو (من الحزب الماركسي اللينيني)، إلى الأرجنتين التي انتخبت ألبرتو فرنانديز. أما في البرازيل فهناك تعويل على هزيمة الشعبوي جايير بولسونارو على يد الرئيس الأسبق العائد إلى المنافسة لولا دا سيلفا.

ويأتي انتخاب اليساري غوستافو بيترو (62 عاما) في بلد (50 مليون نسمة) عصفت به حروب مخدرات وحرب أهلية طاحنة بين حكومات البلاد المتعاقبة وحركات التمرد التي تعد حركة "فارك" أهمها، وصولا إلى توقيع اتفاق سلام 2016.

بيترو شبّ في بيت الطبقات الوسطى الكولومبية، واعترف مبكرا (مواليد 1960) أن نشأته أثرت في تحوله إلى اليسار. فقد شاهد في سن التاسعة دموع أبيه بعد اغتيال الثائر أرنستو تشي غيفارا في بوليفيا عام 1967. وفي سن 13 عاما اهتز البيت بخبر الانقلاب في تشيلي، حيث قتل رئيسها الاشتراكي المنتخب سلفادور أليندي في عام 1973.

العارفون بغوستافو بيترو في كولومبيا، وخصوصا في أوساط فلسطينيي ذلك البلد والجوار اللاتيني، يذكرون لـ"العربي الجديد" أن "وعيه السياسي في شبابه تأثر كثيرا بما عاشه بنفسه في بيته، وبحالة لاتينية أوسع اتسمت بغياب العدالة وبالتدخلات الأميركية في القارة".

الصراع الطويل في البلد، وغياب الاستقرار واستشراء الفساد، وعجز اليمين عن مواجهة الظروف السيئة للشعب، جعلت المجتمع الكولومبي المحافظ أكثر استعدادا لتقبل فكرة أن بيترو سيصبح رجل المرحلة في "العهد التاريخي" (كما أطلق هو بنفسه على تحالفه الجديد للوصول إلى الرئاسة) بعد 50 عاما من الصدامات العنيفة.

كان غوستافو بيترو في الـ17 من عمره حين انضم لحركة تمرد تنتهج "حرب العصابات"، (حركة إم 19)، والتي تأسست متأثرة بنجاح الثورة الكوبية في 1959 بزعامة الراحل فيديل كاسترو. الحركة انتهجت الاشتراكية للمطالبة بإنهاء الحكم الاستبدادي والطوارئ.

وشكلت "مجزرة وزارة العدل" في بوغوتا، في نوفمبر/تشرين الثاني 1985، حيث احتجز المتمردون من (حركة إم 19) نحو 350 رهينة لمدة يومين، إذ شكّل اقتحام الجيش للمبنى ومقتل 98 شخصا نقطة تحول في حياة بيترو لنبذ العنف. ورفض الرجل الاتهامات بأنه كان أحد المشاركين في اقتحام الوزارة، حيث كان معتقلا وقتها لمدة عام ونصف العام. وبعد خروجه، وفي 1990، أعلن رسميا عن حلّ حركته المتمردة ووقف استخدام العنف المسلح.

ركز الشعبوي رودولفو هيرنانديز منافس غوستافو على تحذير الناخبين من التصويت له بحجة أنه سيجعل من كولومبيا فنزويلا أخرى

وحسم انتخاب بيترو الجدل الذي تواصل لسنوات حول اليسار الكولومبي بجعل التصويت له أمرا عاديا، حيث ظلت الماكينات الدعائية لليمين والمحافظين تجعل الشيوعية تهمة أشبه بـ"العار".

المساواة مدخل لكسب الشارع

وركز بيترو طيلة الفترة الماضية على قضايا المساواة، ورفض قمع الشارع المحتج، كما حدث في إبريل/نيسان الماضي، في مختلف مدن البلد، بحصيلة عشرات القتلى والجرحى. واستقطب الرجل نشطاء الحركات الاجتماعية، متعاونا مع طيف واسع من المنظمات والنقابات والشباب في سبيل إنهاء العنف الذي تعرضوا له لمطالبتهم بالمساواة.

وكانت المساواة المفتاح السحري الذي استقطب تيارا يؤيد "العهد التاريخي" الجديد الذي تعهد به بيترو. فقد شهدت كولومبيا في عهد الاستبداد وغياب الحريات تدهورا كبيرا في العدالة الاجتماعية والمساواة بين الطبقات، وعانى النظام التعليمي تراجعا حادا، بينما عانى النظام الصحي الذي انتشرت فيه المستشفيات الخاصة، مما يشبه انهيارات خطيرة، دون إغفال أن نسبة كبيرة من الذين يعيشون على المعاشات التقاعدية عانوا الأمرين مع انتشار الفقر بينهم، وهو إلى جانب غيره جعل من فكرة تخلي المجتمع عن محافظته الشديدة حيال خطاب العدالة والمساواة يأخذ طريقه نحو اعتباره خطابا طبيعيا، بسبب ارتباطه تاريخيا ببيانات وخطابات حركة "فارك" العنفية.

وفشل خصوم بيترو في تحذير الناخبين من التصويت له، بحجة أنه "سيجعل من كولومبيا فنزويلا أخرى (اتهامات تحويل البلد إلى فنزويلا هي نمطية أيضا في سانتياغو وفي ليما، بسبب أيضا وصول اليساريين إلى الرئاسة، نظرا للحالة السيئة على مستوى السياسة والاقتصاد في كاراكاس)"، وهو ما ركز عليه منافسه ورجل الأعمال الشعبوي رودولفو هيرنانديز، في خلافة الرئيس المحافظ إيفان دوكي، الذي وصلت شعبيته إلى الحضيض مع تشجيعه العنف ضد المحتجين.

وعليه، فإن "امتلاكه كاريزما ومخاطبة واقعية لمصالح الشعب، وبالأخص منهم السكان الأصليون وبعض الأصول الأفريقية، جعلا بيترو أكثر إقناعا، منذ الجولة الأولى للانتخابات"، كما يشرح دبلوماسي عربي من العاصمة بوغوتا خلال حديث مع "العربي الجديد".

وذلك ليس بالتغير البسيط في مجتمع يميل بالفعل إلى رفض التجديد المحافظين؛ حيث يصف المعلق السياسي في بوغوتا، خورخي هيرنانديز، وصاحب موقع "بوليتكا"، مجتمع كولومبيا بـ"محافظ للغاية، حيث سيطرت دوما فكرة جماعية بأن أي تغيير هو قفز نحو الهاوية".

وعزز بيترو موقعه بين النساء والكولومبيين من أصول أفريقية، من خلال اتخاذه خطوة ذكية أخرى باختياره شخصية نسوية لمنصب نائب الرئيس، وهي الناشطة الحقوقية من أصول أفريقية فرانسيا ماركيز.

وفي بوغوتا، انقسم من هم من أصول عربية على التصويت للرجل. فرغم علاقته الجيدة بيساريين ثوريين في الحركة الفلسطينية، عرفت أصوات البعض العربي طريقها نحو التيار المحافظ. ويعيد ناشطون من أصول عربية هذه الأمور إلى نواح تتعلق بما يسمونها "انتماءات طبقية لدى من ينحدر من أصول عربية، وبينهم من ترعرع أصلا في بيوت أقرب إلى اليسار سابقا".

في كل الأحوال، كما يواجه يساريو البيرو وتشيلي اليوم ما يسميه محللون ومتابعون من أصول عربية "وضع العصي في الدواليب" لإفشال تجربة اليسار في السلطة، فإنه لا يتوقع أن تسلّم الطبقات، التي استفادت لعقود من النظام الكولومبي، للإصلاحات الكبيرة التي تعهد بها بيترو، وخصوصا إصلاح الأراضي والضريبة والدفع نحو تنويع الاقتصاد وتطوير الصناعة بالتركيز على استخدام التعليم والموارد المحلية لـ"رؤية قارة لاتينية أكثر تصنيعا واعتمادا على الذات".