"غوانتانامو أوروبا" في سورية

"غوانتانامو أوروبا" في سورية

25 ديسمبر 2020
يزداد الوضع سوءا في "الهول" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

في موسم أعياد الميلاد، لاحت بارقة أمل لإنهاء مأساة معتقلي "الهول"، عند الحدود السورية - العراقية. فبمبادرة فنلندية - ألمانية جرت استعادة بعض الأطفال والأمهات من جحيم "غوانتانامو أوروبا"، كما تصفه منظمات حقوقية ووسائل إعلام أوروبية.
ويضم معسكرا اعتقال "الهول" و"الروج"، بإشراف طرف كردي بعينه، "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، أكثر من 73 ألف شخص، 90 في المائة منهم من النساء والأطفال (65 في المائة تحت 12 سنة). ومنذ 3 سنوات والوضع المأساوي يزداد سوءاً، إلى جانب سوء التغذية والرعاية الصحية والحقوقية. وتوفي في العام الماضي وحده 517 شخصاً، بينهم 371 طفلاً، وفقاً لتصريحات متحدثة باسم الهلال الأحمر الكردي دلال إسماعيل.
ومن بين المعتقلين 11 ألف شخص من غير السوريين والعراقيين، بينهم 640 طفلاً و230 امرأة من جنسيات أوروبية. شهادات المنظمات الحقوقية، والأجهزة الأمنية، توثق انتشار أمراض نفسية وأعراض ما بعد الصدمة بين المنسيين في "غوانتانامو أوروبا".
الأطفال الذين فقدوا أحد الأبوين أو كليهما، ولديهم أجداد في أوروبا، يجري ببساطة التعامل معهم كمذنبين، بجريرة قرارات الأهل. ففي كوبنهاغن، مثلاً، وقبيل السنة الجديدة، اضطرت رئيسة وزراء يسار الوسط في الدنمارك ميتا فريدركسن، للتراجع قليلاً عن تصريحها بأن "آباء هؤلاء (الأطفال) أداروا ظهورهم لبلدهم"، لتبرير عدم استعادة نحو 30 طفلاً دنماركياً وأمهاتهم.
جهاز الاستخبارات وخبراء أمنيون قدموا تقارير بأن هؤلاء الأطفال "لا يشكلون خطراً على أمن البلد"، محذرين من خطورة بقائهم في المعتقل. وعلى خلفية ذلك استدعى اليسار الدنماركي فريدركسن ووزير خارجيتها ييبا كوفود إلى جلسة استماع طارئة، ما جعلها تصرح بأنها ستأخذ بعين الاعتبار التقارير الأمنية. مشكلة معسكر "الهول" تبدو مزدوجة. فمنذ هزيمة تنظيم "داعش" راح طرف كردي بعينه يتخذه كورقة تفاوض مع الأوروبيين، على أمل الاعتراف بأمر واقع يسمى "غرب كردستان" في سورية. وعلى الجانب الآخر ترى منظمات حقوقية، ومن بينها "الحقوق والأمن" و"أمنستي" و"الدنماركي لحقوق الإنسان"، أن التصرفات الأوروبية كارثية و"تغذي التطرف وتعد رمزاً للنفاق الأوروبي".
أمام المحاكم الفرنسية والدنماركية قضايا استئناف كثيرة حول تجريد الأمهات من جنسياتهن، بيد أن المحامين والحقوقيين يطالبون باستعادتهن هن وأطفالهن (الذين لم يفقدوا الجنسية أصلاً) أثناء دراسة القضايا. والمؤسف في فداحة الـ"غوانتانامو" تناقل وسائل إعلام أوروبية بعض التصريحات الكردية من القامشلي عن أن "الأمهات يحرضن أطفالهن على الانتقام" (جلهم دون 12 سنة)، وقد يكون ذلك بدافع الضغط لحل سريع. بيد أنها تصريحات كارثية تعزز الأحكام المسبقة، وتصعب مهمة أحزاب ومنظمات حقوقية تسعى لحل مشكلة إنسانية. ولعل أفضل توصيف للسياسات التي تصر على بقاء "غوانتانامو" للابتزاز السياسي، ذلك الذي ذهب إليه خبير الشؤون الإرهابية في الأكاديمية السويدية للدفاع ماونوس رانستروب، بوصفه إدارة الظهر لقضية الهول بأنها "أشبه بتبريرات وتصرفات داعش".
اختارت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين الإنصات جيداً للخبراء عن "ضرورة استعادة الأطفال وإعادة تأهيلهم، وإلحاقهم بالمدارس بعد علاج نفسي"، فخصصت في سبيل ذلك مبعوثاً إلى "الهول" هو يوسي تانر، الذي قال إنه وعد الباقين بأنه "لن يتم نسيانهم وسيجري قريباً تسفيرهم إلى فنلندا".