استمع إلى الملخص
- دور فادي صقر في العنف والانتهاكات: فادي صقر، قائد مليشيا "الدفاع الوطني"، متورط في مجازر وحصار أحياء المعارضة، ورغم العقوبات الأمريكية، يحظى بحماية النظام السابق، مما يثير تساؤلات حول جدية التسويات.
- ردود الفعل والمخاوف من التسويات: حذر وجهاء حي التضامن من انفلات الشارع، معبرين عن مخاوفهم من الانتقام الفردي وفقدان الثقة في العدالة، داعين لإشراف دولي لضمان محاسبة الجناة.
تثير التسويات التي تجريها "إدارة العمليات العسكرية" مع شخصيات من النظام السابق متورطة في ارتكاب جرائم ضد السوريين، انتقادات واسعة، بلغت ذروتها خلال اليومين الماضيين بعدما تسببت زيارة فادي صقر وهو قائد "الدفاع الوطني" في دمشق في عهد النظام السابق، أول من أمس، إلى منطقة التضامن في العاصمة، برفقة مدير الأمن العام في دمشق التابع لإدارة العمليات العسكرية المقدم أبو حسن، ومدير الأمن في المنطقة الجنوبية أبو بكر، بحسب ما أكد شهود لـ"العربي الجديد"، والتي تزامنت مع حملة أمنية للأمن العام في المنطقة بحثاً عن فلول النظام السابق، في غضب أهالي المنطقة، ودفعتهم إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمس الجمعة بالقرب من حفرة مجزرة التضامن التي يتهم عناصر من "الدفاع الوطني" بالقيام بها في إبريل/ نيسان 2013. وكان عناصر من قوات النظام السابق قاموا في 16 إبريل 2013، بإعدام 41 شخصاً قرب مسجد عثمان في حي التضامن، عبر الإلقاء بهم في حفرة أُعدت مسبقاً لهذا الهدف في وسط أحد الشوارع، وبعد الانتهاء من إطلاق النار على الضحايا، أضرموا النار في جثث ضحاياهم عبر إحراق إطارات سيارات وُضعت مُسبقاً في قعر الحفرة. وفي وقت تواصل فيه الإدارة السورية الترويج لمشروع المصالحة، هاجم نشطاء ما سموه "الانحياز لجلادين" ممن أوغلوا في دماء السوريين.
دور فادي صقر
وفادي صقر، الذي لقبه النظام المخلوع بـ"صقر الدفاع الوطني"، هو أحد أبرز الأشخاص الذين ارتبطت أسماؤهم بأسوأ مراحل العنف في سورية. وبرز عام 2012 بصفته قائدا لإحدى فصائل مليشيا "الدفاع الوطني" التابعة لإيران في دمشق، قبل أن يُرقّى لقيادة المليشيا على مستوى البلاد، وكان له دور محوري في حصار أحياء المعارضة جنوب العاصمة، واتُهمت قواته بارتكاب مجازر بحق المدنيين، وتدمير منازل، ونهب ممتلكات. كما أن الولايات المتحدة أدرجت اسم فادي صقر على قوائم العقوبات منذ 2012 لتورطه في انتهاكات جسيمة، لكنه ظل يتمتع بحماية النظام، قبل أن يتحول بعد سقوط النظام إلى واجهة ما يُسمى بلجان السلم الأهلي، محاولاً تلميع صورته عبر مشاركته في مبادرات الحوار الوطني التي تروج لها الإدارة الحالية. ومن بين الذين شملتهم التسويات أخيراً ضباط كبار متهمون بجرائم حرب، مثل اللواء طلال مخلوف، الذي قاد اللواء 105 في الحرس الجمهوري، وشارك في قمع الاحتجاجات السلمية بدوما ودرعا منذ 2011، وفقاً لوثائق دولية، وذلك على الرغم من خضوعه لعقوبات غربية متعددة، على خلفية ثبوت تورطه بعمليات عسكرية دموية في وادي بردى والغوطة الشرقية، ما أودى بحياة آلاف المدنيين. ووفق وجهاء من حي التضامن، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فقد دخل فادي صقر أول من أمس الخميس إلى حي التضامن دون علم من لجان السلم الأهلي في المنطقة.
حذر الوجهاء من انفلات الشارع في حال تواصلت مثل هذه الاستفزازات للأهالي
وقال أحد من حضروا الاجتماع مع فادي صقر إنه كان برفقة مدير الأمن العام في دمشق التابع لإدارة العمليات العسكرية المقدم أبو حسن، ومدير الأمن في المنطقة الجنوبية أبو بكر، إضافة إلى قيادات سابقة في "الدفاع الوطني" منهم ياسر سليمان، مدير القطاع الجنوبي سابقاً في مليشيا "الدفاع الوطني"، وغدير السالم قائد المهام الخاصة في تلك المليشيا. وحذر الوجهاء من انفلات الشارع في حال تواصلت مثل هذه الاستفزازات للأهالي عن طريق السماح لمجرم حرب مثل فادي صقر بزيارة المنطقة التي ارتكب فيها عناصر تابعين له جرائمهم. وتساءلوا: لماذا يبقى فادي صقر حراً طليقاً حتى الآن، وهل حقا هو عضو في لجان السلم الأهلي في المنطقة؟ وقال حسن سويداني، وهو أحد الذين خرجوا للتظاهر في حي التضامن أمس، لـ"العربي الجديد": نحن هنا في حي التضامن، وتحديداً في مكان مجزرة التضامن، أو ما يعرف بحفرة الموت، التي قام بها أمجد اليوسف وأتباعه، ومنهم فادي صقر رئيس "الدفاع الوطني" أيام النظام المخلوع، والحقيقة أنهم من خرّب الوطن وليسوا بمدافعين عنه. وشدد على أنه لا يمكن إجراء تسوية مع المجرم فادي صقر فمكانه ليس بيننا وهذه خيانة لدم الشهداء واستفزاز لذوي الضحايا.
احترام مشاعر الأهالي
أما صالح تركي صقر، فكان أحد الشهود والناجين من مجزرة حفرة التضامن واعتقل من قبل مليشيا "الدفاع الوطني" حينها بسبب إدخال الخبز لمنطقة التضامن. وقال صقر، لـ"العربي الجديد": "ما شفع لي ولم أقتل كبقية ضحايا المجزرة أنني من سكان مدينة جرمانا وموظف في مطار دمشق الدولي، واكتفوا باعتقالي في فرع فلسطين لمدة ثمانية أشهر، كنت شاهداً على قتل الأبرياء هنا وشاهداً على الظلم في المعتقلات". وقال الصحافي والناشط الفلسطيني فايز أبو عيد، مدير "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية"، لـ"العربي الجديد"، إن فادي صقر أشرف على تهجير سكان برزة والقابون والغوطة الشرقية، وشريك رئيسي في مجزرة التضامن، المعروفة بمجزرة الحفرة، وساهم بتجويع أهالي مخيم اليرموك وتسهيل مرور تنظيم داعش وسيطرته على أحياء دمشق الجنوبية، إضافة لدوره في حصار الغوطة الشرقية. وأوضح أبو عيد أن زيارة فادي صقر قائد مليشيا "الدفاع الوطني" إلى حي التضامن المجاور لمخيم اليرموك أول من أمس تعكس حالة من التناقضات الكبيرة التي تعيشها سورية اليوم، وتثير العديد من التساؤلات حول كيفية تسليم أحد أبرز المسؤولين عن مجازر ارتكبت في الحي خلال سنوات الثورة منصب حساس يثير حفيظة الأهالي وينكأ جراحهم.
علي أبو مصطفى: التسويات مع مجرمين تعني إعادة إنتاج النظام
وأوضح: "كيف يمكن لشخص متورط في قتل أهلنا أن يأتي اليوم وكأنه بطل أو منقذ؟ هذه زيارة لا تحترم مشاعر الأهالي ولا ذكرى من فقدوهم". ووفق أبو عيد فان الكثير من الضحايا الذين خضعوا لتنكيل "الدفاع الوطني" في المنطقة الجنوبية، كانوا من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك. وقال الناشط المدني جمال الصفدي، المقيم في الحي، لـ"العربي الجديد": إننا أهالي حي التضامن لا نزال نعيش على وقع ذكريات مؤلمة عن مجزرة التضامن التي ارتكبتها قوات النظام المخلوع والمليشيات الموالية له عام 2013، عندما قتلوا عشرات المدنيين العزل بقلب بارد، ولم يستثنوا النساء والأطفال والشيوخ خلال عملياتهم العنيفة، والتي كان فادي صقر ومليشياته في طليعة منفذيها، لذلك فإن زيارته للحي برفقة إدارة العمليات التي منحناها ثقتنا ليست إلا "كذر الملح على الجرح".
وأضاف: لا نستطيع أن ننسى كيف أُعدم جيراننا أمام أعيننا. مجرد ظهوره هنا إهانة لضحاياه. وتابع: حتى المرافقة الأمنية التي صحبته، والتوتر الذي حدث بعدها وصاحب الزيارة أعاد للأذهان أساليب النظام السابق في قمع الأصوات المعارضة. واعتبر الناشط المدني علي أبو مصطفى من دمشق أن التسويات مع مجرمين من أمثال مخلوف وصقر تعني إعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، وأن ذلك استهانة واسترخاص للدم السوري. وأعرب عن مخاوفه من أن تؤدي هذه الخطوات إلى تفشي الانتقام الفردي المنتشر حقيقة، خصوصاً مع فقدان الثقة في قدرة الإدارة الجديدة على تحقيق العدالة. قائلاً: "إذا كان القتلة سيمشون بيننا بحرية، فمن سيستطيع إيقاف الأهالي عن أخذ حقهم بأيديهم؟". وقالت الناشطة الحقوقية سلام عباس، لـ"العربي الجديد": نخشى من أن العدالة الانتقالية لن تطبق سوى على صغار العناصر في جيش نظام الأسد، فيما سينجو أصحاب الأيادي الطويلة في قتل السوريين من خلال تسوية أوضاعهم، داعية إلى ضرورة إشراف دولي على عمليات المحاسبة، من خلال فتح الباب لقضايا الحق الخاص، "فالعدالة يجب أن تبدأ من اعتراف الجناة بجرائمهم".