استمع إلى الملخص
- تسعى فريدركسن لتعزيز التحالف مع يسار الوسط الأوروبي لمواجهة الضغوط الأميركية، خاصة مع التوترات التجارية، وأكدت استمرار الاتفاق الدفاعي مع واشنطن رغم الجدل الداخلي.
- أثارت تصريحات زعيم اليمين المتشدد مورتن ميسرشميدت جدلاً واسعاً، حيث وُجهت له انتقادات لاعتباره غير مخلص لبلده، مما زاد من التوترات السياسية الداخلية.
وجدت رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدركسن نفسها مضطرة للرد على تصريحات نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس بوصف بلدها، أمس الأحد، بأنه "حليف سيئ"، وقالت في طريقها إلى اجتماعات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، اليوم الاثنين، إن الدنمارك "حاربت جنباً إلى جنب مع الأميركيين لعقود عدة، ونحن أهم وأفضل حلفاء للولايات المتحدة".
وأشارت فريدركسن بمرارة بادية إلى أنه "لهذا السبب، لا أريد أن يقال للدنمارك إننا حلفاء سيئون، نحن لسنا كذلك، لم نكن ولن نكون في المستقبل". ويتزايد توتر علاقة كوبنهاغن بواشنطن مع إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ودائرته على انتزاع جزيرة غرينلاند القطبية الشمالية. وفي وقت سابق شدد وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكا راسموسن على أن غرينلاند لا يمكن بيعها أو التصرف بها "طبقاً لاتفاقيات الحكم الذاتي والقوانين الدولية". ورفض راسموسن المقارنة بين بيع بلده لجزر "الهند الغربية" في الكاريبي (مستعمرة دنماركية سابقة حتى 1917) وغرينلاند، حيث القوانين الدولية الناظمة تختلف اليوم.
ووصول الأمر بحليفين تاريخيين إلى مستوى اتهام فانس الدنمارك بالسوء، واضطرار الأخيرة إلى الرد على أعلى المستويات، يؤشر إلى أن "الدبلوماسية الحذرة" التي أصرت عليها فريدركسن في الفترة الأخيرة لم تعد كافية لوقف "بلدوزر" ترامب التوسعي، ولو بالترهيب والتهديد. ويعتبر الدنماركيون (5.6 ملايين نسمة)، أن إمعان واشنطن في السيطرة على جزيرة غرينلاند (نحو 56 ألف نسمة)، ولأسباب تتعلق بمواد خام هامة وتبريرات دفاعية أمنية، ينم عن "إنكار الجميل" بسبب تضحيات جنودهم في أغلب حروب واشنطن، بما في ذلك في أفغانستان والعراق، وتحمّل أعباء "محاربة القراصنة" في القرن الأفريقي وغرب أفريقيا. وعادت فريدركسن لتأكيد ضرورة التعاون في مجال "مكافحة الإرهاب والدفاع بوجه زعزعة أمن بحر البلطيق والتهديدات الروسية"، بحسب قولها قبل دخول اجتماع بروكسل.
وتشير التقارير المحلية في كوبنهاغن إلى أن فرديركسن تشعر بخيبة أمل شخصية، بعد أن كانت ولا تزال من أشد المعجبين بواشنطن، ومؤيدة صلبة لسياساتها العالمية، برغم ما استتبعه ذلك من اتهامات بأنها أخذت يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي) نحو اليمين أكثر. وتحاول فريدركسن اليوم خلق حالة تحالف بين معسكر يسار الوسط الأوروبي، من خلال اجتماعها صباح اليوم بأحزاب اجتماعية ديمقراطية أوروبية، قبيل اجتماعات قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة ورطة العلاقة الأوروبية مع الحليف الأميركي في عهد ترامب، وخصوصاً في مسألة فرض تعرفات جمركية على معسكرهم، كما فعل مع كندا والمكسيك والصين.
ويذكر أن الدنمارك وقعت في عام 2023 اتفاقية مع واشنطن تمنح الجنود الأميركيين إمكانية الوصول إلى بعض قواعدها الجوية بسهولة، وهي اتفاقية تثير الجدل بسبب أن جنود أميركا سيخضعون لقوانينها وليس قوانين الدنمارك. ومن المقرر أن يناقش برلمان كوبنهاغن تلك الاتفاقية في مارس/ آذار المقبل. وترفض فريدركسن تلميحات البعض بضرورة إلغاء الاتفاقية، بتأكيدها اليوم أن "الاتفاق الدفاعي سيستمر، ولن يكون هناك إنهاء من جانبنا للتعاون الوثيق عبر الأطلسي".
وتبدو محاولة فريدركسن الاحتماء بالجانب الأوروبي لتخفيف حالة أشبه بترهيب ترامب لها، والاستفراد بها من أجل الخضوع لمطلبه بالتنازل عن سيادتها على غرينلاند، مثمرة أكثر في سياق "الحرب التجارية" بين ضفتي الأطلسي. وكرر ترامب أمس تهديداته بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تهديدات سابقة لكوبنهاغن بمفردها. وأشارت فريدركسن إلى أنها رغم عدم تأييدها للحروب التجارية، إلا أن "رد الاتحاد الأوروبي سيكون رداً فورياً، على الرغم من أنه للأسف يؤثر على الناس العاديين".
اللافت مع حديث فريدركسن قبيل انطلاق اجتماعات بروكسل عن دعم أوروبي لموقفها من غرينلاند، ذهاب زعيم اليمين المتشدد في البرلمان الدنماركي عن حزب الشعب الدنماركي مورتن ميسرشميدت إلى الطلب من نائب الرئيس الأميركي فانس توجيه انتقاداته إلى فريدركسن وليس إلى الدنماركيين. بل من الغريب أن ميسرشميدت كتب على موقعه على منصة إكس موجهاً كلامه إلى فانس، بأن المشكلة هي مشكلة فريدركسن وليس الدنمارك، في حديثه عن توتر العلاقة بين الحليفين حول غرينلاند منذ 2019.
Mr. Vice President, let's set the record straight: Denmark has been a steadfast ally to the United States for decades. Our soldiers have stood shoulder to shoulder with yours in conflicts around the globe, demonstrating our unwavering commitment to our partnership.
— Morten Messerschmidt (@MrMesserschmidt) February 3, 2025
Your recent…
ولم تمر سوى دقائق على نشر السياسي اليميني المتشدد تدوينته ظهراً، وتشديده على أنّ بلده يتحمّل العيوب وأنّ "قيادتنا الحالية هي التي تحتاج إلى تصحيح المسار"، حتى انفجر بوجهه ما يشبه عش دبابير. بعض المعلقين صبّ غضبه على ميسرشميدت باعتباره يفتقر وحزبه المتشدد إلى فهم ما يجري. واستغرب آخرون من عدم اكتراثه أصلاً برأي سكان الجزيرة. آخرون علّقوا بتهكم على التحالف مع الولايات المتحدة في "حروب غير قانونية " (كما ينظرون إلى الحرب في أفغانستان والعراق). وبينما طالبه البعض بالصمت وعدم التحدث باسم الدنماركيين، اعتبره البعض "نموذجاً للطابور الخامس"، وهاجمه آخرون باعتباره "سياسياً غير مخلص لبلده ولا يفهم المصالح الوطنية".
ميسرشميدت، الذي يظهر عضلاته في السياسات المتعلقة بالمهاجرين والمسلمين، بدا في أعين الدنماركيين الغاضبين "سياسياً أحمق مستعداً للتنازل عن البلد"، كما كتب أحدهم على "إكس"، وغمز آخرون له من بوابة حليف ترامب الثري المالك للمنصة إيلون ماسك المتهم بالتدخل في أوروبا لتعزيز اليمين القومي المتشدد بالقول: "بعد هذا التزلف ماسك لديه وظيفة لك". وطالبه معلقون آخرون بالرحيل إلى ترامب إذا كان معجباً إلى هذا الحد بأميركا على حساب بلده. ولم يتوقف التراشق على صفحة ميسرشميدت على منصة إكس عند حد التخوين، وكتب أحدهم: "دعونا نتفق على أنك شخص خائن، لقد كنتُ من المعجبين بك".
ولم تتوقف مهاجمة السياسي الدنماركي المتشدد، ميسرشميت، على وسائل التواصل، بعد أن نشر التلفزيون الدنماركي منشوره، فقد زاد الحنق، ودخل معلقون جدد ليكيلوا له اتهامات غير مسبوقة في التخاطب الدنماركي مع سياسييهم، إلى حد أن خاطبه أحدهم بالقول: "أنت ساذج يا مورتن ميسرشميدت، ولديك القليل من جنون العظمة في هذا السياق، وبدل أن تُظهر وقوف الدنماركيين معاً، فأنت تنفذ أوامر ترامب بتعليقاتك". ولم يجد مؤيدو ميسرشميدت عملياً ما يدافعون به عنه سوى اتهام المنتقدين له بأنهم "محبون للشريعة الإسلامية"، بل وبأن الأسماء الدنماركية التي تنتقده يتخفى وراءها "أجانب"، كما هي عادة جمهور الحزب اليميني المتطرف.