استمع إلى الملخص
- زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني إلى واشنطن جاءت للتفاوض حول المشروع، الذي يراه الكثيرون تهديدًا للعلاقة التاريخية لسكان غزة بأرضهم، مع التركيز على التعاون الأردني والمصري مقابل المساعدات الأميركية.
- المشروع أثار مخاوف من تداعياته على حل الدولتين وتجذير التطرف، حيث يعارضه 47% من الأميركيين، وسط مخاوف من اشتعال الحرب تحت ذريعة التهجير.
أسهب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التشويق والتلميع خلال حديثه عن مشروع المجمعات السكنية "الحديثة والمريحة" الموعودة لأهل غزة، في دردشة مع المراسلين في المكتب البيضاوي وكان إلى جانبه الملك الأردني عبد الله الثاني. ويقوم العاهل الأردني بزيارة رسمية لواشنطن أوجبتها القنبلة التي فجّرها ترامب، الأسبوع الماضي، حول اعتزامه الاستيلاء على غزة بشحطة قلم (!) بعد تفريغها من سكانها ونقل مكان إقامتهم "الدائمة" إلى الأردن ومصر.
وفي ضوء الردود الصاخبة والرافضة أميركياً وعربياً، كان من المتوقع أن تأتي زيارة الملك عبد الله في إطار السعي لحمل البيت الأبيض على التراجع عن مثل هذا المشروع ومخاطره، أو على الأقل إعفاء الأردن من المشاركة فيه باعتباره عملية ترانسفير جديدة تهدد بفتح الباب أمام المزيد من التهجير الفلسطيني الذي لا تحاول إسرائيل إخفاء حماستها الشديدة له، والذي سيكون الأردن وجهته المباشرة إذا استهدف الضفة الغربية. لكن الزيارة في ضوء ما تبدّى منها، كانت في مكان آخر. وكانت في المكان الذي يركز فيه ترامب على إخراج المشروع وتسويقه بتسليط الأضواء على ميزاته السكنية الفارقة التي استفاض في إبراز ميزاتها وكأنها جاءت رحمة للغزيين، بصرف النظر عن التعتيم على علاقتهم بالأرض والانتماء إليها. كما جدد ترامب التشديد على وجوب التعاون الأردني والمصري في هذا المشروع مقابل المساعدات الأميركية للبلدين.
وعلى هذا الأساس تعمد البيت الأبيض، عشية اللقاء مع الملك، العودة إلى الموضوع ليؤكد ويشدد على جديته بشأنه، وأجرى ترامب مقابلات وتصريحات أدلى بها على دفعتين، يوم الاثنين، كرر فيها اعتزامه تملّك القطاع بعد ترحيل سكانه إلى غير رجعة، دون أن يدخل في التفاصيل، مهدّداً بوقف المساعدات عن الأردن ومصر إذا رفضتا قبول أهل غزة مقيمين على أراضيهما. وبذلك جرى إعداد الأرضية للزيارة التي ردد ترامب خلالها الخطاب نفسه عبر دردشة مع المراسلين تقصد إطالتها بما يكفي لإبلاغ الرسالة بصورة علنية إلى من يهمهم الأمر.
وفي السياق، كانت بارزة في كلامه إشارة سريعة إلى أن الإقامة الجديدة ستكون "في مكان بعيد قليلاً عن محل إقامتهم الحالية "، أي في مكان مجاور لغزة. ويستحضر ذلك ما سُمي بخيار سيناء الذي سبق وطرحته إسرائيل كمكان لترحيل سكان غزة إليه أثناء النزوح الكثيف من شمال القطاع هرباً من حرب التدمير والإبادة في أشهرها الأولى. وقتذاك تصدت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن للمحاولة، والتي لم يكن بوسعها أن تتقبلها في بداية الحملة الانتخابية، وفعلاً حالت بالتضافر مع الرفض المصري القوي دون تحقيق رغبة حكومة بنيامين نتنياهو في تهجير الغزيين إلى سيناء، ما اضطر نتنياهو آنذاك إلى التراجع عن الفكرة التي بقيت حاضرة بانتظار نضوج ظروفها.
قبل أيام راى ترامب أن الظروف نضجت فسارع إلى طرح المشروع من جديد. ولم يكن من باب الصدفة أن يعلن عنه خلال مؤتمر صحافي مع نتنياهو في اختتام زيارة هذا الأخير، الأسبوع الماضي، لواشنطن. وكذلك استوقف إعلان الملك عبد الله عن مبادرة بلاده لاستضافة ألفي طفل مريض من القطاع، ملمحاً إلى أن ذلك يمثل الحصة التي يمكن للأردن تحملها. وهي مبادرة أثنى عليها ترامب الذي قال إنه "علِم بها للتّو"، وأوحى ذلك بأن قبول الأردن لهذه الدفعة من الأطفال يُمثل حصة رمزية يقابلها ما وضعه ترامب في خانة "التقدم الكبير" الذي حصل مع الجانب المصري، حيث قال إن احتمالات العمل معه في هذا المجال تمثل "99%".
وبذلك يكون الاهتمام قد انتقل إلى البحث عن إخراج لمشروع التهجير، بدلاً من الحديث عن لاشرعيته، على الأقل وفق سردية الإدارة، علماً أن معظم القراءات والردود الأميركية ما زالت تستبعد إمكانية نقله إلى حيز التطبيق لانفصاله عن الواقع، أو هروب من الواقع، مع التشكيك في حقيقة مقاصده التي تراوح بين استخدامه كحربة لقتل حل الدولتين او محاولة تجربته كبداية لموجة اقتلاع أكبر من الضفة.
التوجس بغايات ترامب من هذا الطرح يبدو واسعاً، وكذلك التخوف من انعكاساته في تجذير التطرف في المنطقة، خاصة إذا ما اشتعلت الحرب من جديد حسب ما لوح به ترامب تحت راية التهجير ولو بذريعة إنقاذ الرهائن. 47% من الأميركيين ضد هذا المشروع وفق استطلاع شبكة سي بي إس، لكن كل شيء ممكن في أميركا التي تعيش اليوم في زمن الغرائب.