غزة بين "النكسة" والاستسلام

06 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 08:12 (توقيت القدس)
مهجرون من خانيونس، 4 يونيو 2025 (محمود أبو حمدة/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تبرز أهمية المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن الأرض والكرامة ضد الاحتلال ومشاريع التطهير العرقي، مع تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة إلى أراضيهم التاريخية.
- تتعرض المقاومة لضغوط للتخلي عن نضالها، حيث يروج البعض لفكرة الاستسلام مقابل السلام، لكن التجارب السابقة مثل اتفاقية أوسلو أظهرت أن التنازلات لم تحقق السلام.
- رغم الظروف الصعبة في غزة، يظل الفلسطينيون صامدين، مطالبين بدعم عربي ومؤكدين على حقهم في المقاومة ضد الإبادة والتطهير العرقي.

في مثل هذه الساعات قبل 58 عاماً عاشت المنطقة العربية هزيمة أخرى بعد هزيمة 1948، وإن سميت "نكسة يونيو/حزيران 1967". وبعد أقل من عام، في مارس/آذار 1968، هزم مقاتلون فلسطينيون ومن الجيش الأردني جيش الاحتلال الإسرائيلي في "معركة الكرامة". ومنذ 20 شهراً يصمد مقاومو قطاع غزة، وبـ"الشبشب"، كما يعترف الصهاينة.

الدروس والفروق واضحة، اتفقت أو اختلفت مع تيار بعينه في المقاومة الفلسطينية، فالمقاومة ليست هواية وغاية، بل صد لمشاريع واضحة في دفع الناس إلى التطهير العرقي، والعيش في قاع الهزيمة، والتسليم بالتخلي عن الأرض. بالتأكيد الأثمان هائلة، لكن من المؤسف أن بعض من يعيش "آثار هزيمة الـ67"، من المتفرجين والطامحين أساساً بهزيمة روح المقاومة، يقولون: "انظروا إلى حجم الدمار في غزة، سلموا المحتجزين وتنتهي الحرب".

نعم، ثمة أصوات عربية، وبينها فلسطينية، لا تقل تزويراً وكذباً عن بتر إعلاميين غربيين للتاريخ، باعتباره يبدأ في "السابع من أكتوبر". فلا احتلال ولا مذابح، ولا اقتلاع لملايين الناس من أرض أجدادهم وتأسيس مشروع إحلالي بجرائم حرب وأبرتهايد. والكذب الذي يتراجع عنه كثيرون حول الغرب يراد منه تصوير الفلسطيني وكأنه قبل السابع أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان على ضفاف أنهار اللبن والعسل، وعلى مرمى حجر من دولته المستقلة.

ويبدو أن إحباطات هذا الرهط من أن المقاومة لم تُسحق في ست ساعات، تقوده إلى تفجع غير صادق على تجويع الناس، إذ لم يحركوا ساكناً، لا في تجميد تطبيعهم و"سلامهم" مع الاحتلال، ولا حتى مطالبة القمم العربية والإسلامية ترجمة القرارات إلى أفعال. ومشهد منع وزراء خارجية عرب زيارة رام الله، أخيراً، يختزل حالة خفة الوزن.

ولنفترض أن المقاومة سلّمت بما يطالبونها به، فماذا بعد؟ إذ هؤلاء من بين ظهرانينا لا يحتاجون قراءة تجربة ما حصل بعد مهادنة حكام بغداد للمغول، بل تجربة اجتياح لبنان 1982. فبعد أيام قليلة على خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، ارتُكبت بإشراف وزير الأمن حينها، أرئيل شارون، مذبحة صبرا وشاتيلا، وارتفع خطاب "باي باي منظمة التحرير".

أما لجهة "الجنوح نحو السلم"، فالتجربة واضحة النتائج على مدار 32 سنة منذ "أوسلو" (1993)، وصولاً إلى حالة الإرهاب والاستهتار التام في الضفة الغربية المحتلة.

خلاصة القول، إن كان الدمار المادي سبباً للتسليم بما يريده الصهاينة، فيمكن للمتفجعين سؤال ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وعلى أرضهم، ما إذا كانوا سيتخلون عن العودة إلى بلدات فلسطين التاريخية لأن الصهاينة دمروا مئات منها؟

بالنسبة للفلسطيني فإن صفورية وترشيحا وبلد الشيخ والطنطورة ولوبية والجاعونة والطيرة والمجدل، وكل قرية وبلدة، ليست مجرد عمران وأشجار. بل لا تقاس فلسطين، من أم الرشراش جنوباً إلى آخر نقطة على حدود لبنان، مروراً بعسقلان وببئر السبع والخليل وبالقدس وبيسان والناصرة ويافا وحيفا وعكا وصفد، بعيداً عن ارتباطها بالتحرر الوطني والكرامة الجمعية لشعب يواصل صموده ومقاومته للعقد الثامن على التوالي.

والفلسطيني حين يضحي ويسأل أمته أن تسانده فلأنه يعتبر نفسه جزءاً من عمقه العربي، مثلما استعان الأوكراني بجواره الأوروبي، والفيتنامي والجنوب أفريقي بجيرانهما، وغيرهم من شعوب وأمم.

نعم، غزة تعيش اليوم عيدها الرابع دون أن تتوقف جنائزها، ووسط جوع ينهش الأجساد، بتواصل أبشع جرائم إرهاب الدولة المنظم. ورغم ذلك فالحل ليس في الطلب من الضحية أن تموت بصمت، أو ألا تقاوم خطط تنفيذ الإبادة والتطهير العرقي بحقها. في كل الأحوال، يكتشف أغلبية العالم العربي اليوم أكثر من السابق، ما أسس لـ"نكسة الـ67"، إذ يدس المتفجعون على غزة السم في العسل، وعلى أمل تحقق هزيمة أخرى تنهي ما يُلهم الناس على امتشاق كراماتهم.