غرينلاند.. نتائج الانتخابات تظهر انقساماً بين الاستقلال والتعاون مع ترامب
استمع إلى الملخص
- شهدت الانتخابات تقدم حزب "ناليراك" القومي المؤيد للاستقلال الفوري عن الدنمارك، بينما يفضل الليبراليون تأسيس اقتصاد قوي قبل التفاوض على الاستقلال، مما يعكس تباينًا في توجهات الاستقلال.
- يتطلب تشكيل الحكومة تحالفات، حيث يحتاج الليبراليون إلى 16 مقعدًا. التحالف مع "ناليراك" مستبعد بسبب توجهاته الشعبوية، مع استمرار الضغوط الأمريكية على العلاقات مع كوبنهاغن.
تقدم نتائج انتخابات برلمان جزيرة غرينلاند التي أثارت منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي الكثير من السجال بسبب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول رغبته في السيطرة عليها، مفاجأة كبيرة وغير متوقعة بفوز الحزب الليبرالي، ديموكراتيت، بنحو 30%. فوز بث بعض السعادة في صفوف ليبراليي كوبنهاغن وقومييهم المتشددين، في حزبي التحالف الليبرالي وديمقراطيو الدنمارك.
وتضع هذه المفاجأة الحزب الذي تأسس في عام 2002 في مقدمة الأحزاب الخمسة التي دخلت برلمان الحكم الذاتي بمضاعفة نتيجته إلى ثلاثة أضعاف ما حققه في عام 2021، من 3 مقاعد إلى 10 من بين 31. وتقوم أفكار الحزب الديمقراطي على تقشف في القطاع العام تحت بند جعله "أكثر كفاءة" ولأجل ظروف معيشة أرخص للمواطنين، وبأن مجتمع الأعمال يجب أن يتمتع بحرية ومنافسة أكثر في اقتصاد السوق الحر. وحافظ الحزب المحافظ أتاسوت على مقعديه، وهو أيضاً رافض لدعوات ترامب وفي الوقت نفسه يعتبر أن مسألة الاستقلال تحتاج إلى عمل طويل ويجب عدم تحقيقها فوراً.
بالطبع سيحتاج الحزب البرجوازي الأكبر في الجزيرة (56 ألف نسمة) إلى تأمين 16 مقعداً لأجل تشكيل حكومة. واللافت أيضاً حزب الاستقلال الفوري، ناليراك، وقد حقق قفزة جيدة بتحقيقه 4 مقاعد إضافية ليحل ثانياً بـ8 مقاعد بعد الليبراليين. ومع أن الحزبين الفائزين ينتميان إلى تيار تأييد استقلال غرينلاند عن التاج الدنماركي لكنهما يختلفان تماماً في وسائل الاستقلال وتوقيته. الديمقراطي الليبرالي يرغب في التأسيس لاقتصاد قوي واعتماد الجزيرة على نفسها قبل الإقدام على مفاوضات الاستقلال، رافضاً بقوة مسألة السيطرة الأميركية على غرينلاند. بينما في المقابل يرى الحزب القومي الشعبوي ناليراك ضرورة الذهاب فوراً نحو تقرير المصير والاستقلال عن كوبنهاغن. أمر كان يتعهد بتحقيقه حزب قومي آخر وحديث النشأة هو حزب "قوليك" والذي فشل في تخطي عتبة الحسم (2%). ويعد حزب ناليراك الوحيد الذي أبدى انفتاحاً على التعاون مع الرئيس الأميركي ترامب.
وفي مقابل تقدم الليبراليين سجل تصويت الغرينلانديين ضربة موجعة لحزب "سيموت" الاجتماعي الديمقراطي (وهو الأكثر حكماً منذ 1979 وحقق في 2013 أكثر من 42%، واليوم 14.7%)، متراجعاً إلى أكثر من النصف، من 10 مقاعد في 2021 إلى المرتبة الرابعة بـ 4 مقاعد. وهذا الحزب هو الحزب الشقيق لحزب الاجتماعي الديمقراطي الدنماركي بزعامة رئيسة حكومة كوبنهاغن ميتا فريدركسن. والواضح أن تصويت الغرينلانديين جاء بمثابة عقاب ورغبة في تغيير الحزبين الحاكمين "سيموت" وشريكه في اليسار "إنويت أتاكاتيغيت"، حيث فقد الأخير تربعه على عرش الأحزاب في انتخابات 2021، حين حقق 12 مقعداً، بينما اليوم يحل ثالثاً بـ7 مقاعد.
سريعاً ذهب رئيس حكومة ائتلاف يسار ويسار الوسط موتي بي إيغيدي نحو إبداء انفتاح على إمكانية الدخول في ائتلاف حكومي مع الليبراليين. الأخيران وعلى لسان قائدهما ينس فريدريك نيسلن (34 عاماً) لم يرفضوا بشكل تام، بينما استبعدوا تماماً الدخول في ائتلاف مع الحزب الثاني في البرلمان القومي ناليراك بحجة أنه "شعبوي جداً"، خصوصاً لناحية دعوته إلى الانفصال فوراً عن الدنمارك وانفتاحه على دائرة ترامب.
وبرغم أن النتيجة وضعت الليبراليين في المقدمة، خاصة بتصويت ناخبين لهم على خلفية قضايا محلية متعلقة برفض هؤلاء لقانون حصص الصيد، لكنها نتيجة تظهر مع تقدم الحزب الاستقلالي القومي، ناليراك، حالة انقسام غرينلاندي حيال الانفصال عن الدنمارك. فالليبراليون في "ديموكراتيت" أقل حماسة بكثير حول الانسحاب من تحت تاج الدنمارك، ويبشرون بعملية طويلة الأمد تتطلب اعتماداً اقتصادياً وبنيوياً على الذات قبل حتى الدخول في مفاوضات الاستقلال. بالطبع إلى جانب رفضهم القوي لأي تدخل أميركي في جزيرتهم. بينما تقدم نتيجة التصويت للحزب القومي ناليراك ميلا الذي ضاعف مقاعده، ما يشبه إعلان استقلال فوري. هذا بالطبع إلى جانب أن بعض مؤيديه يرتدون قبعات دونالد ترامب الحمراء بشعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وانفتاح قيادات فيه للتعاون مع دائرة ترامب، وابنه جونيور بصورة خاصة.
على كل، يعطي فوز الليبرالي الديمقراطي بأكثرية المقاعد فرصة التحالف مع أحزاب أخرى، بما فيها يمين ويسار الوسط واليسار، بحسب تقاليد الحكم الائتلافي السابقة في غرينلاند التي جمعت بين تلك الأقطاب الحزبية، وبعيداً عن حزب ناليراك القومي المؤيد للاستقلال الفوري. ذلك احتمال كبير في مواجهة الوضع الجيوسياسي الجديد الذي تعيشه الجزيرة القطبية الشمالية. بالطبع يمكن ليسار الوسط واليسار، بوجود 14 مقعداً لهما، أن يتحالفا مع المحافظين لتحقيق 16 مقعداً للحكم. لكن في العادة لم تصمد طويلاً مثل تلك الائتلافات في التجارب السابقة.
في العموم، هذه النتيجة غير المتوقعة لا تعني أن الطريق قطع تماماً عن مساعي ترامب الاستحواذ على الجزيرة. فالانقسام بين تياري الاستقلال الفوري والبعيد المدى، بالإضافة إلى ضغوط تمارس على كوبنهاغن في سياق مساعيه تلك، يمكن أن يؤديا نحو مزيد من المحاولات الأميركية. وبصورة رئيسية يخشى من قيام ترامب ودائرته بمزيد من التأثير لتعميق الشرخ بين كوبنهاغن والناخبين المؤيدين للتوجهات القومية الراغبة في علاقات أوثق مع واشنطن.