غرامة أوروبية بحق بولندا: ماذا لو واصلت وارسو العناد؟

غرامة أوروبية بحق بولندا: ماذا لو واصلت وارسو العناد؟

28 أكتوبر 2021
بولنديون يتظاهرون رفضاً للخروج من الاتحاد الأوروبي في 10 أكتوبر الحالي (Getty)
+ الخط -

فرضت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ، أمس الأربعاء، غرامة مالية قدرها مليون يورو على بولندا، وذلك عن كل يوم تواصل فيه الحكومة في وارسو تجاهل أحكام محكمة العدل بشأن ما يسمى "الإصلاح القضائي" في البلاد، والذي يمثل إشكالية لكلا الجانبين، وما دامت بولندا لم تلغ المحكمة التأديبية المثيرة للجدل.

ويعتبر فرض الغرامة آخر فصول الخلاف بين الطرفين، ويعتبر دفعها من قبل وارسو أساسياً من أجل تعزيز "فعالية" قرارات المحكمة الأوروبية، وقبل كل شيء، لتلافي إلحاق ضرر جسيم، ولا يمكن إصلاحه، بالنظام القانوني للاتحاد الأوروبي والقيم التي تأسس عليها.

وفرضت المحكمة على بولندا أن تدفع الغرامة يومياً، على أن تظلّ الإجراءات العقابية سارية، لحين موافقة وارسو على الامتثال لحكم أصدرته "العدل الأوروبية" في يوليو/ تموز الماضي، وأمرت بموجبه بالتعليق الفوري للغرفة التأديبية لقضاة المحكمة العليا وإلغاء القرارات التي اتخذتها بولندا بالفعل بشأن رفع الحصانة القضائية.

وتبرز التساؤلات حالياً عن وضع بولندا داخل النادي الأوروبي، فيما لو لم تدفع الغرامة اليومية، وفي ظل ما يبدو حتى الآن عدم رغبة لديها بالانصياع للقواعد؟ 

فرضت الغرامة عن كل يوم تواصل فيه وارسو تجاهل أحكام محكمة العدل بشأن ما يسمى "الإصلاح القضائي"

وفي أول تعليق لها على قرار المحكمة الأوروبية، أوضحت الحكومة البولندية أنها غير مستعدة لدفع الغرامة.

وكتب نائب وزير العدل البولندي، سيباستيان كاليتا، على موقع "تويتر"، أن المحكمة العدل الأوروبية "احتقرت وتجاهلت الدستور البولندي وأحكام المحكمة الدستورية"، متحدثاً عن "عملية ابتزاز".

من جهته، أجاب رئيس كتلة الحزب الحاكم في البرلمان البولندي، ريزارد تيرليكي، عن سؤال عمّا إذا كانت بولندا ستدفع المال يومياً، بقوله: "لن ندفع شيئاً، لذا لا داعي للذعر".

يذكر أن المحكمة الدستورية في بولندا كانت قد قضت في وقت سابق من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بأن بعض مواد معاهدات الاتحاد الأوروبي "يتعارض" مع الدستور البولندي، وذلك في أحدث تطور في المواجهة بين بولندا والاتحاد الأوروبي بشأن الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل. لكن النظرة الأوروبية إلى المحكمة الدستورية في بولندا هي أنها لم تعد هيئة مستقلة، وباتت دمية في يد الحكومة في وارسو.

وحتى الآن، يبدو أن الطرفين، الأوروبي والبولندي، قد وضعا نفسيهما في مأزق، بعد تحديد الغرامة من قبل المحكمة وفرضها العقوبات، والتصعيد وعدم الامتثال من قبل وارسو، والمخاطر الناجمة عن ذلك، إذا ما تم تجاهل الحكم أولاً، وعدم دفع الغرامة ثانياً.

وفي هذا الإطار، أشار الكاتب السياسي هاينريش وفينغ، في تحليل مع صحيفة "دي تسايت" الألمانية، إلى أن بولندا تضع نفسها بشكل أكثر وضوحاً خارج المجتمع القانوني للاتحاد الأوروبي، بعدما رفضت دفع غرامة كانت فرضتها محكمة العدل الأوروبية في النزاع حول منجم للفحم على الحدود مع تشيكيا.

واعتبر أن بولندا "بقدر ما تؤكد أنها لا تفكر في مغادرة الاتحاد الأوروبي، وأنها تريد البقاء في قلب المجتمع الأوروبي، إلا أن هناك خروجاً بحكم الواقع، لأنه لا يمكن لوارسو البقاء عضواً في النادي الأوروبي لفترة طويلة، وسط اعتقدها بأن قواعده غير صالحة". 

وفي حال تمنع وارسو عن الدفع وعدم تحويلها المليون يورو يومياً، وما إذا كان سيصار إلى رفع قيمة الغرامة، أوضح وفينغ أن الاتحاد الأوروبي "لا يمكنه إرسال حاجب أو شرطي إلى بولندا، واعتماد الاحتجاز الذي تفرضه المحاكم المدنية في حال رفض دفع الغرامة"، لافتاً إلى أن "القضاء هو السلطة الأضعف، لأنه لا يملك المال والسلاح". لكنه شدّد على أن "المحكمة الأوروبية لا يمكنها في الوقت ذاته تجاهل أوامرها بشكل دائم ومن دون عواقب، لأن ذلك يهدد بفقدان سلطتها، وإذا ما بقيت الحكومة البولندية على حزمها وتعنتها في مواقفها، يمكن أن تلحق الضرر بالمحكمة الأوروبية، وأن تظهرها بأنها عاجزة، وهذا سيسرع تصدع الاتحاد الأوروبي". 

وبناء على ذلك، فإن المشكلة مع بولندا لا يمكن حلّها، كما يبدو، قانونياً في الاتحاد الأوروبي، بل حلها سياسي فقط، وبحيث يحتاج الاتحاد بشكل عاجل إلى منح نفسه قواعد للتعامل مع المطبات والصدمات، وأن يلتزم الأعضاء بتطبيق هذه القواعد.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد حثّت خلال القمة الأوروبية الأسبوع الماضي، على استمرار الحوار مع وارسو على الرغم من المشاكل الكبيرة معها، للتوصل الى حلول وسط.

المشكلة مع بولندا لا يمكن حلّها، قانونياً في الاتحاد الأوروبي، بل سياسياً فقط

ومع قرار المحكمة بتدفيع بولندا الغرامة، رأت السياسية عن حزب الخضر الألماني، فرانسيسكا برانتنر، أن "الحكم يظهر أن هناك عواقب إذا ما قوض شخص ما حكم القانون، ويشكل إشارة حازمة لأولئك الذين يريدون وضع الفأس في الديمقراطية الأوروبية"، داعية المفوضية الأوروبية إلى دفع أموال بولندا من صندوق إعادة الدعم من تبعات كورونا، والمقدرة بحوالي 36 مليار يورو، ولكن "فقط إذا ما ضمن الاتحاد الاوروبي استقلالية القضاء في وارسو وأسبقية القانون الأوروبي".

من جهتها، نقلت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية الألمانية، عن السياسية البولندية المعارضة، وعضو البرلمان الأوروبي روزا تون، قولها إن فرض الغرامة سيكون صعباً على البولنديين، لأن الشعب هو من يدفع الضرائب، لكن هذا هو الخيار الوحيد للمفوضية، معلنة تأييدها للموقف المتشدد تجاه الحكومة في وارسو، ومحذرة من أن الاتحاد الأوروبي سوف يتفكك إذا لم يتم احترام قرارات محكمة العدل الأوروبية.  

المساهمون