عينة عن اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا

24 يناير 2025
خلال تظاهرة دعماً لغزة، روما، 7 نوفمبر 2024 (أندريا رونشيني/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- دور اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا: كشف تحقيق قناة راي 3 الإيطالية عن تأثير اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، التي تزيد عن 20، في تعزيز العلاقات بين المؤسسات الأوروبية وإسرائيل، مع نقص في الشفافية حول تمويلها.

- تأثير اللوبيات على السياسة الأوروبية: أظهر التحقيق نجاح اللوبيات في ترسيخ نفوذها في البرلمان والمفوضية الأوروبية، مما أثر على سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل، مع تنظيم رحلات للبرلمانيين لتعزيز الدعم.

- الانتقادات والمواقف المتباينة: انتقدت شخصيات مثل دافيدي بيكّاردو النفوذ الكبير للوبيات، معتبرين أنه يقوض استقلالية الاتحاد الأوروبي، بينما أكد المحلل إيمانويلي روسّي على ضغوط الاتحاد الأوروبي على إسرائيل للتصرف بمسؤولية.

عندما كان قطاع غزة يتعرض للإبادة الإسرائيلية على مدى أكثر من 15 شهراً، كانت بلدان أوروبية كثيرة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي تدعم بوتيرة متفاوتة إسرائيل، في ظل تغيّر كبير طرأ على العلاقة بين المؤسسات الأوروبية والحكومة الإسرائيلية منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في ذلك الحين دخل دور اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا مرحلة جديدة، وافتتحت العديد من مجموعات الضغط المؤيدة لدولة الاحتلال مقرات لها في بروكسل، وتمكنت في وقت قصير من ترسيخ جذورها في البرلمان والمفوضية الأوروبية.
كان موضوع اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا محور التحقيق الحصري الذي بثته قناة راي 3 الحكومية الإيطالية ضمن برنامج ريبورت، قبل أيام، تحت عنوان "مسألة لوبي"، إذ عرض مشاهد سُجلت في مخيم دير البلح للاجئين وسط قطاع غزة، الواقع على شاطئ البحر، والذي حوصر فيه عشرات الآلاف من الفلسطينيين وسط ظروف مزرية في الخيام التي أغرقتها مياه الأمطار. وذكر التحقيق أن عدد جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في أوروبا يربو على 20. جرت العادة في الأغلب الأعم من الحالات أن تتولى المنظمة الأم في الولايات المتحدة تمويل أنشطة اللوبي في بروكسل، وفي عواصم الدول ذات الثقل. وأوضح أن جميع هذه اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا تأسست بشكل قانوني، إلا أن المشكلة تكمن في الشفافية حول دورة تمويلها لأنشطتها.

جيش صغير من أعضاء اللوبي

التقى موفد برنامج ريبورت، جورجو موتّولا، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي صرحت بأن "إسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها وفقاً للقوانين الدولية"، وأن "حماس منظمة إرهابية، والفلسطينيين هم أيضاً ضحايا لهذا الإرهاب"، مشددة على أن "أوروبا تصطف إلى جوار إسرائيل في هذه اللحظة السوداء". وعلّق موتّولا بأن هذا الموقف من فون دير لان يتناقض تماماً مع الموقف الذي عبّرت عنه في أكتوبر عام 2022، عندما وصفت هجمات روسيا على الشعب الأوكراني بأنها "جرائم حرب، باعتبارها موجهة لبنى تحتية مدنية بهدف منع رجال ونساء وأطفال من النفاذ إلى الماء والكهرباء والتدفئة، بينما الشتاء على الأبواب".


جورجو موتّولا: من بين جماعات الضغط يبرز "المعهد عبر الأطلسي" وهو الفرع الأوروبي للجنة اليهودية الأميركية

وعزا موتّولا طبيعة العلاقات بين دولة الاحتلال والمؤسسات الأوروبية بجزء منها إلى اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا وقال إن هذه العلاقات "في السنوات الأخيرة باتت أكثر قوة، وذلك أيضاً بفضل جيش صغير من عناصر اللوبي نجح في مد جذوره في بروكسل". من بين هؤلاء رئيس الائتلاف الأوروبي من أجل إسرائيل توماس ساندل، الذي صرح بأن الائتلاف ينظم مؤتمرات واجتماعات ولقاءات ثنائية، ويسعى إلى التواصل المستمر مع جميع أعضاء البرلمان الأوروبي. وقد أعد هذا الائتلاف، في العام الماضي، تصنيفاً لجميع أعضاء البرلمان الأوروبي وفقاً لأنشطتهم التشريعية في المسائل ذات الاهتمام بالنسبة لإسرائيل. تضمن هذا التصنيف، الذي عُهد به إلى شركة متخصصة، تصويتاً لكل عضو يقيّم درجة الدعم الذي قدمه للدولة اليهودية.

وذكر تحقيق "ريبورت" حول اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا أن من بين جماعات الضغط المؤيدة لدولة الاحتلال يبرز "المعهد عبر الأطلسي" وهو الفرع الأوروبي للجنة اليهودية الأميركية (AJC) ومقره بروكسل، والذي يتخذ من الإيطالية بينيديتّا بوتّيليوني، نجلة الوزير السابق روكّو بوتّيليوني، نائبة لمديره. هذا المعهد مرتبط بلجنة أصدقاء إسرائيل عبر الأطلسي التي تضم بين أعضائها عدداً من البرلمانيين الأوروبيين (230 عضواً) والإيطاليين (33 عضواً)، علاوة على عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي. ومنذ أن افتتحت فرعها في بروكسل عام 2005، موّلت اللجنة حتى الآن مبادرات للضغط في أوروبا بقيمة 47 مليون دولار، منها 3 ملايين ونصف المليون دولار في عام 2023 فقط. هذا الرقم معرض للزيادة بالنظر إلى امتلاك اللجنة أصولاً تقدر بأكثر من 250 مليون دولار، بينما يبلغ دخلها السنوي، الذي يعتمد بشكل رئيسي على تبرعات من صناديق خيرية مرتبطة بمليارديرات أميركيين يهود، 80 مليون دولار، وفقاً للتحقيق.

كما لفت موتّولا إلى أن جماعات الضغط الموالية لإسرائيل موّلت، خلال الدورة التشريعية الأخيرة للبرلمان الأوروبي، 30 رحلة طيران لإسرائيل وإقامة للبرلمانيين الأوروبيين في فنادق من فئة 4 و5 نجوم في تل أبيب والقدس بإجمالي 115 ليلة. وبالنسبة لإيطاليا، فقد نظمت وموّلت لجنة أصدقاء إسرائيل عبر الأطلسي، عبر فرعها الأوروبي، في فبراير/شباط 2024، زيارة لوفد برلماني إيطالي كبير برئاسة السيناتور ماركو سكّوريا، رئيس الفرع الإيطالي للجنة. وعرّج التحقيق في سياق اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا على شبكة القيادة الأوروبية (Elnet) المتخصصة في تنظيم وتمويل رحلات برلمانيين أوروبيين إلى إسرائيل تتضمن لقاءات مع قيادات عسكرية وحكومية، والتي تقدم نفسها على موقعها الرسمي بأنها أهم لوبي موالي لإسرائيل في أوروبا. هذه الشبكة لها مقرات في جميع أنحاء أوروبا، وافتتحت أخيراً مقراً لها في روما حيث تنظم مؤتمرات عامة يشارك فيها سياسيون من مختلف التوجهات وقيادات سابقة في الاستخبارات.

من جهتها، أوضحت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في مقابلة مع موفد البرنامج، أن "إسرائيل بدأت حرفياً، من خلال سفاراتها في الخارج، في ترويع كيانات مختلفة مهمة داخل كل دولة، كما هو الحال أيضاً بالنسبة لإيطاليا". وأضافت أنها أُبلغت أن "السفير الإسرائيلي كان يتصل هاتفياً، في عدة فعاليات عامة، ببعض السياسيين الإيطاليين مستنكراً بقوله: كيف يمكن أن تُوجَه الدعوة لهذا الشخص للتحدث في هذه المؤسسة الرسمية؟"، معتبرة أن "الحديث اليوم عما تفعله إسرائيل أصبح صراحة أمراً بالغ الصعوبة". يشمل دور اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا أيضاً الجانب الأكاديمي والعسكري، إذ أوضح شير هيفر، عضو حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) على إسرائيل، وخبير الاقتصاد السياسي، أن بعض الجامعات الأوروبية تعاونت، عبر اتصالات مكثفة، مع العديد من الجامعات الإسرائيلية، مثل جامعة تل أبيب الفنية التي تطور أسلحة وأنظمة عسكرية من خلال مشروعات ممولة من أوروبا ومن برنامج هوريزون تحديداً (برنامج تمويل تكون بواسطة الاتحاد الأوروبي لدعم وتعزيز البحوث في نظام مجال البحوث الأوروبية)، وذلك بفضل التعاون مع مؤسسات أكاديمية أوروبية.

وأضاف هيفر، لبرنامج ريبورت، أن "مؤسسة الصناعات الجوية الإسرائيلية وشركة إلبيت الإسرائيلية لصناعات الدفاع، حصلتا على تمويل بأكثر من 5 ملايين يورو من برنامج هوريزون، لنظام بصري يتيح للمسيّرات بالطيران عبر الرماد البركاني، ونظام إلكتروني للإدارة اللوجستية في الموانئ والمطارات بالمسيّرات والروبوتات، وكلا النظامين له استخدامات عسكرية قتالية". وذكر هيفر أن "كماً هائلاً من التمويلات لصناعات الدفاع الإسرائيلية وصل أيضاً من وكالة فرونتكس الأوروبية لمراقبة الحدود، التي أطلقت أخيراً عقداً مع مؤسسة الصناعات الجوية الإسرائيلية وشركة إلبيت، للإمداد بمسيّرات للمراقبة بقيمة 100 مليون يورو تقريباً".

نفوذ اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا

من جهته رأى الكاتب الإيطالي دافيدي بيكّاردو، رئيس تحرير صحيفة لا لوتشىي الإيطالية، أن "تحقيق برنامج ريبورت سلط الضوء على واقع مقلق يقوّض المبادئ الأساسية للديمقراطية والشفافية التي يجب أن تستند إليها المؤسسات الأوروبية". وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النفوذ الهائل الذي يمارسه اللوبي الصهيوني في بروكسل يشكل تهديداً خطيراً لقدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات مستقلة قائمة على العدالة واحترام حقوق الإنسان".


دافيدي بيكّاردو: نفوذ اللوبيات يفسر الدعم غير المشروط الذي يُمنح لإسرائيل

وقال بيكّاردو إن "التحقيق أوضح كيف أن اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا بنت شبكة واسعة من النفوذ، متغلغلة بعمق في قلب البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، إلى درجة توجيه سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية والعسكرية". وبرأيه فإن ذلك "يفسر الدعم غير المشروط الذي يُمنح لإسرائيل، على الرغم من أن أفعالها تنتهك بوضوح القانون الدولي، مثل الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة"، معتبراً أنه "من غير المقبول أن تُستخدم الأموال الأوروبية، المخصصة رسمياً للمشاريع المدنية، لدعم الصناعة العسكرية الإسرائيلية، ما يغذي حرباً دموية ويكرّس الاحتلال". ووفق بيكّاردو يعارض "الرأي العام الأوروبي بشدة الإبادة الجماعية والاحتلال، لكن هذه المعارضة لا تجد أي صدى في القرارات التي تتخذها المؤسسات الأوروبية"، موضحاً أن "هذه الفجوة بين المواطنين وممثليهم (في البرلمان) تسلط الضوء على خلل هيكلي في الديمقراطية الأوروبية، إذ تبدو اللوبيات أكثر تأثيراً من الناخبين أنفسهم".

وعن موقف المؤسسات الاتحادية في أوروبا في ظل هذا الواقع، اعتبر أن "الوقت قد حان لكي تتحمل المؤسسات الأوروبية مسؤولياتها، وتنهي خضوعها لجماعات الضغط التي تعزز مصالح تتعارض مع القيم الأساسية للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان"، مشدداً على أن "الدعم العسكري لإسرائيل يجب أن يتوقف على الفور، وأن تُستخدم الأموال العامة لأغراض تحترم الشرعية الدولية والمبادئ الأخلاقية". وحذّر من أن "الديمقراطية الأوروبية في خطر عندما تُتخذ القرارات تحت تأثير لوبيات قوية، متجاهلة إرادة الشعوب ومكرسة للظلم. لقد آن الأوان لوعي جماعي يعيد أوروبا إلى مسار التماسك الأخلاقي والسياسي". وبالعودة إلى تحقيق برنامج ريبورت حول اللوبيات المؤيدة لإسرائيل في أوروبا، رأى بيكّاردو أنه "من بين الأمور الخطيرة التي تضمنها التحقيق، تبرز على وجه الخصوص التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الذي أكد أن إسرائيل لم ترتكب جرائم حرب". واعتبر أن "مثل هذه التصريحات لا تتناقض فقط مع العديد من التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، بل تمثل إهانة لضحايا العنف في فلسطين"، مضيفاً أنه "بكلماته هذه، لا يجعل تاياني نفسه فقط متواطئاً من المنظور السياسي، وإنما يمنح الفظائع المرتكبة شرعية أخلاقية".

حق إسرائيل بالوجود

رداً على سؤال من موفد البرنامج جورجو موتّولا حول السبب في صمت إيطاليا حيال إطلاق تحقيق يتهم إسرائيل بتنفيذ عمليات إبادة جماعية، رأى تاياني أنه "ليس ثمة أي إمكانية لوجود إبادة جماعية، ولا أعتقد أن هناك إبادة جماعية"، مضيفاً "أنا أدافع عن اليهود لأني لا أريد أبداً أن ينتهي المطاف مجدداً بستة ملايين شخص في الهولوكوست". وشدّد تاياني على أنه "صديق لإسرائيل على الدوام، وأقر بحق إسرائيل في الوجود، أنا صديق للشعب الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في تلك المنطقة". ولفت التحقيق إلى أن تاياني كان يُعتبر حليفاً مهماً لإسرائيل عندما كان يشغل مناصب بالغة الأهمية في البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، خصوصاً عندما جدد له عام 2010 في منصب المفوض الأوروبي لشؤون الصناعة والتجارة.


 إيمانويلي روسّي: الاتحاد الأوروبي  والدول الأعضاء  يمارسون ضغوطاً من أجل أن تتحمل إسرائيل مسؤوليتها

من جهته، رأى إيمانويلي روسّي، المحلل الجيوسياسي في مركز ميد-أور للدراسات وموقع ديكود - 39، بإيطاليا، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "أنشطة جماعات الضغط المذكورة في تحقيق برنامج ريبورت لا يبدو أن من شأنها إجراء تعديل جوهري على المواقف السياسية حيال إسرائيل". وضرب مثالاً على ذلك أنه "خلال الحرب الأخيرة المأساوية على غزة التي جرى التوصل إلى هدنة بشأنها قبل بضعة أيام، واجهت إسرائيل اتهامات بسبب ردود أفعالها المنفلتة والضحايا المدنيين والإجراءات المتعارضة مع المعاهدات في إدارتها للحرب"، مضيفاً أنه "على الرغم من ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء كل على حدة، اعتبروا مذبحة السابع من أكتوبر (/تشرين الأول 2023) واقعة كان يتعين على إسرائيل الدفاع عن نفسها حيالها من أجل حماية أمنها". وباعتقاد روسّي فإنه "سواء كان الأمر يتعلق باللوبيات أو غيرها، فإن الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء كل على حدة، يمارسون منذ أشهر ضغوطاً من أجل أن تتحمل إسرائيل مسؤوليتها والتصرف بوصفها فاعلا ديمقراطيا ومسؤولا، من خلال وقف الحرب والبحث عن طرق للتصدي لحركة حماس من شأنها عدم الإضرار بالمدنيين".

تقارير دولية
التحديثات الحية