استمع إلى الملخص
- يمتد عيد المساخر هذا العام لثلاثة أيام بمشاركة رموز استيطانية متطرفة، مما يزيد التوترات ويعزل الفلسطينيين عن الخدمات الأساسية بسبب إغلاق الحواجز.
- تُعتبر طقوس العيد جزءًا من الاعتداءات المستمرة، حيث يُمنع وصول الإسعاف ويعيش السكان تحت تهديد دائم دون دعم رسمي.
في قلب الخليل القديمة، جنوبي الضفة الغربية وفي الأحياء المحيطة بالحرم الإبراهيمي والأزقة العتيقة بما تحمله من إرث إسلامي وفلسطيني، تحول المشهد على مدار الأيام الثلاثة الماضية، كما كلّ عام تزامنًا مع ما يسمّى "عيد المساخر - البوريم"، إلى ساحة من الاعتداءات والخراب؛ على وقع الأغاني الصاخبة لجماعات المستوطنين بين الأحياء الفلسطينية. في هذا العيد، يرتدي المستوطنون ملابس ساخرة وأقنعة تشبه أشكال الحيوانات ويطلقون بالونات بألوان فاقعة، ويرفعون العلم الإسرائيلي ويشربون الخمر ويبصقون على المارّة، وذلك ضمن طقوس الاحتفال في العيد، التي يقودها رئيس مجلس كريات أربع الاستيطاني، يسرائيل برامسون.
ويأتي عيد المساخر في 14 مارس/ آذار الموافق للتقويم العبري، والذي يوافق غالبًا شهر مارس/آذار من التقويم الميلادي، ويبدأ فيه المستوطنون فعاليّاتهم بدءًا من حيّ تل الرميدة المحاصر، وينطلقون بمسيرة استفزازية بين الأحياء الفلسطينية ويلقون الحجارة والقمامة وزجاجات الخمر على أسطح المنازل ونوافذها، وصولًا إلى باحات الحرم الإبراهيمي، ليكملوا فيها حفلات الرقص ويخلّفوا وراءهم ما تبقى من بقايا الطعام.
غير أن اللافت في عيد هذا العام، بحسب ما يقول الناشط في تجمع شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو، في حديث مع "العربي جديد"، هو بدء فعاليات المستوطنين منذ يومين، أي أنها تستمر 3 أيام بشكل غير مسبوق، وبمشاركة فاعلة من رموز الحركة الاستيطانية التابعة للصهيونية الدينية في الخليل، مثل الحاخام المتطرف باروخ مارزل المعروف باعتدائه على الأطفال الفلسطينيين، ونوعم أرنون الذي ينتمي إلى حركة كاخ العنصرية، ونوعم فريدمان؛ الذي يعتبر أحد معلّمي الوزير المتطرف إيتمار بن غفير.
ولا تغيب طقوس هذا العيد عن ذهن سكّان البلدة القديمة من الخليل طوال العام، حيث تقول الفلسطينية من حارة السلايمة، إكرام التميمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنهم في كل عام ينتظرون موعد انقضاء عيد المساخر كونه من أصعب أيام السنة على سكّان الخليل القديمة، إذ تمنعهم قوات الاحتلال من الخروج من منازلهم، أو الذهاب نحو أحياء البلدة، أي أنهم يُحاصرون ويُمنعون من التجول.
لا تغيب طقوس هذا العيد عن ذهن سكّان البلدة القديمة من الخليل طوال العام
وتصف السلايمة ما جرى اليوم قائلةً: "جميع المستوطنين يرتدون ملابس تنكرية، يرقصون، ويطرقون أبواب المحّلات المغلقة لتشكيل حالة صخب وإزعاج، ويحملون مكبرات صوت بأيديهم وعبر مركباتهم، ويتعمدون الوقوف أمام منازلنا ويلقون الحجارة ويشتموننا، ويسمعوننا أغاني مزعجة باللغة العبرية".
وتتابع التميمي: "وكأن علينا في كلّ عام دفع ثمن سلوك المستوطنين وتطرفهم في هذا العيد". وتشير إلى أنهم يعيشون منع التجول منذ عصر الجمعة الماضية، وحتى لحظات مساء اليوم الأحد، وتحاصر كل أسرة في بيتها ولا تستطيع الخروج منه. وتقول التميمي: "والدتي في المستشفى، ونتيجة اعتداءات المستوطنين واقتحامهم لا أستطيع زيارتها أو الخروج من حارتي للاطمئنان عليها، لأن جميع الحواجز مغلقة".
وعلى إثر الاحتفالات، أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي جميع الحواجز في البلدة القديمة أمام السكّان، ومُنع طلبة المدارس الأطفال من العودة إلى منازلهم بعد أن انتظروا عدّة ساعات أمام حاجز شارع الشهداء. كما جرى الاعتداء على مسنِ من عائلة الشنتير في حارة جابر بالضرب خلال اقتحام المستوطنين لمحلّه التجاري، فيما توافدت حافلات المستوطنين من مختلف مستوطنات جنوب الضفة، وسط حماية مشدّدة من مئات الجنود المسلّحين، وفق ما يقول عيسى عمرو.
وبحسب الناشط عيسى عمرو، فإن من بين طقوس العيد الاحتفالية المرور على قبر باروخ غولدشتاين، المقام في مستوطنة كريات أربع جنوب مدينة الخليل، وهو الذي ارتكب مجزرة بحقّ المصلّين في الحرم الإبراهيمي في 25 شباط / فبراير 1994 استشهد على إثرها 29 فلسطينيًا وسقط نحو 150 جريحًا، حيث تزامن يوم المجزرة مع ذكرى عيد المساخر في ذلك العام.
ويقول عمرو: "يتم التعامل مع قبر مرتكب المجزرة على أنه مكان مقدس في هذا العيد".
هذه الطقوس التي يصفها سكّان الخليل القديمة بأنها مسلسل اعتداءات لا ينتهي، تمرّ دون أي دعم أو إسناد من المؤسسات الرسمية في المدينة، بحسب عمرو، الذي يسكن حي تلّ الرميدة، حيث يتعرض السكّان لهجمات منظمة ومدبّرة، فيما تمنع حتى طواقم الإسعاف من الوصول إلى المعتدى عليهم ونقلهم لتلقي العلاج، ما يعني أن الناس تركوا لمواجهة مصيرهم لوحدهم.
وتعيش أحياء تل الرميدة، وشارع الشهداء، وواد الحصين، وحارة جابر، وحارة السلايمة، ومحيط المسجد الإبراهيمي المعروفة بالمناطق المغلقة شكلًا من أشكال الفصل العنصري والتهجير القسري منذ عشرات السنوات، تزايدت بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتتفاقم فيها الاعتداءات خلال الأعياد اليهودية.