عودة قانون فصل الموظفين في مصر: موجة وشيكة من التنكيل

عودة قانون فصل الموظفين في مصر: موجة وشيكة من التنكيل

08 يونيو 2021
يُتوقع تطبيق القانون على قطاع السكك الحديدية بعد سلسلة الحوادث (أيمن عارف/فرانس برس)
+ الخط -

بعد ابتعاده عن المناقشة لأكثر من ستة أشهر منذ ما قبل نهاية الفصل التشريعي السابق، عاد مشروع تعديل قانون فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي إلى مناقشات مجلس النواب المصري، مدفوعاً برغبة أمنية وحكومية لملاحقة ضحايا التقارير الأمنية والرقابية في الجهاز الإداري للدولة، وتحميلهم مسؤولية كل فشل تقع فيه القطاعات المختلفة، وأحدثها وأكثرها إلحاحاً الآن قطاع النقل.

ويصرّ وزير النقل كامل الوزير، المقرب من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، على تضخيم مسؤولية الموظفين المتهمين بأنهم من "الإخوان المسلمين" أو من محبيهم أو المتشددين دينياً، واتهامهم بالسعي "لإفشال تطوير" هذا القطاع، ويربط وجودهم ببعض الحوادث التي وقعت أخيراً، على الرغم من أن قرارات النيابة العامة وتحقيقاتها تتجه إلى وجود مخالفات فنية ومسلكية لعدد من عاملي ومسؤولي السكة الحديدية، مثل تزوير أوراق الحضور والانصراف والتواجد في أماكن المراقبة والتسيير وعدم الإخطار بضرورة إبطاء السرعة في أماكن معينة، فيما لا علاقة له البتة بالانتماءات السياسية.

وحمّل الوزير في بيان أمام البرلمان المسؤولية للموظفين "أعداء الدولة"، ثم أصدر تعليمات بإبعاد أكثر من 35 عاملاً في السكك الحديدية عن مواقعهم أو وقفهم عن العمل، وتم تحديد العمال بناء على تقارير أعدها الأمن الوطني سابقاً وطلبها الوزير مجدداً بعد إحراجه بحوادث القطارات. ثم خرجت صفحات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي معروفة بتبعيتها لأجهزة رسمية في الدولة، بقوائم تضم أسماء أشخاص غير معروفين وعناوينهم وبيانات شخصية عنهم تزعم أنهم عاملون بالسكة الحديد ينتمون لجماعة "الإخوان"، في تحريض واضح ضدهم.

وبحسب مصادر حكومية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن إعادة طرح مشروع قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، تم بسبب تقاطع أهدافه مع مشروع قانون آخر كان الأمن الوطني يدفع في اتجاه إصداره قريباً، هو الخاص بالاستبعاد المؤقت للموظفين المعادين للدولة، أو الذين تبدر منهم انتقادات لأداء النظام على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي تقدّم به أحد نواب حزب "مستقبل وطن" الشهر الماضي. وأضافت المصادر أن هذا المشروع تشوبه العديد من العيوب الدستورية الواضحة، مما جعل اللجنة التشريعية في مجلس النواب تطلب من هيئة مستشاري مجلس الوزراء استئناف المداولة في مشروع قانون الفصل بغير الجزاء التأديبي، ليحل بدلاً منه، بمعنى ضمان تحقيق الأهداف نفسها بأقل قدر من المخالفات الدستورية.

يُعتبر مشروع القانون بصياغته الجديدة مقدمة لتطبيق خطة الحكومة للتنكيل بجماعة "الإخوان" وامتداداتها على قطاع السكك الحديدية

ويُعتبر مشروع القانون بصياغته الجديدة التي أقرتها اللجنة التشريعية من حيث المبدأ، أمس الأول، مقدمة لتطبيق خطة الحكومة للتنكيل بجماعة "الإخوان المسلمين" وامتداداتها في المجتمع المصري، على قطاع السكك الحديدية، كما حدث في قطاعات عدة منها التعليم والبنوك وشركات البترول ودواوين الوزارات والهيئات العامة والجامعات منذ عام 2019، بإصدار قرارات بفصل أكثر من أربعة آلاف موظف (منهم 1500 من وزارة التربية والتعليم وحدها) من الوزارات الخدمية وكذا في الجهات الحساسة في الدولة، ونقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية، بحجة انتمائهم أو انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة إلى جماعة "الإخوان". وينص المشروع على تعديل القانون 10 لسنة 1972 بما يسمح بالفصل المباشر بقرار إداري، من دون العرض على جهات التحقيق المختصة بالتعامل مع موظفي الخدمة المدنية وغيرهم من العاملين، ومن دون أن يكون القرار صادراً من النيابة الإدارية، وحتى من دون عرض الأمر على المحاكم التأديبية، وسُوّق مشروع القانون في البرلمان ووسائل الإعلام على أنه تنظيم جديد يهدف في الأساس للتخلص من العاملين المنتمين لجماعات إرهابية، وعلى رأسها جماعة "الإخوان المسلمين".

لكن المستندات المقدمة من الحكومة تعكس رغبة النظام في إحداث تغيير أوسع على السلطة التنفيذية، وتعكس سعياً حثيثاً لإزالة ما يتبقّى من عقبات تحول دون البطش الكامل بـ"الإخوان" ومعارضي النظام. فالقانون كان يطبّق على مدى خمسين عاماً تقريباً على العاملين في الجهاز الإداري للدولة والهيئات والمؤسسات العامة ووحداتها الاقتصادية فقط، وتأتي التعديلات المقترحة حالياً لتشرع في تطبيقه على جميع العاملين في مختلف أجهزة الدولة من دون استثناء، باسطاً سلطته على "وحدات الجهاز الإداري للدولة ووحدات الإدارة المحلية وأي من الجهات المخاطبة بأحكام قانون الخدمة المدنية والذين تنظم شؤون توظيفهم قوانين أو لوائح خاصة وذلك من غير الفئات المقرر لها ضمانات دستورية في مواجهة العزل، والموظفين والعاملين بالهيئات العامة الخدمية والاقتصادية أو المؤسسات العامة أو أي من أشخاص القانون العام أو شركات القطاع العام أو شركات قطاع الأعمال العام". ويعني هذا بدء تطبيقه على ضباط الجيش والشرطة وموظفي شركات القطاع العام والشركات القابضة والتابعة والبنوك المملوكة للدولة وغيرها من المؤسسات، باستثناء القضاة فقط الذين يحظر الدستور -حتى الآن- عزلهم بشكل مباشر من دون العرض على التفتيش ومحاكمتهم تأديبياً، علماً بأن الدرجة الدنيا حديثة العهد بالتعيين في القضاء يمكن تطبيق هذا القانون عليها.

وفي المادة الأولى من المشروع يبرز توجّه النظام إلى التعميم وتبسيط الاتهام وتسهيل اعتبار الموظف مخالفاً للبطش به وفصله مباشرة، فاعتبر الإخلال بمصالح "أي من الجهات المنصوص عليها"، وهي الجهات السابق ذكرها لتطبيق القانون عليها، سبباً كافياً للفصل. وحافظ المشروع على الأسباب السابق وضعها في قانون السادات مثل الإخلال بواجبات الوظيفة بما من شأنه الإضرار الجسيم بالإنتاج أو بمصلحة اقتصادية للدولة، وإذا قامت بشأن العامل دلائل جدية على من يمس أمن الدولة وسلامتها، وإذا فقد أسباب الصلاحية للوظيفة التي يشغلها لغير الأسباب الصحية. ووفقاً للمصادر، فإن هذه العبارات تصلح بسهولة لتشمل العناصر التي كان يقصدها وزير النقل، بالنظر لتحريك اتهامات من النيابة العامة بالمساس بأمن الدولة ضد أشخاص لم يفعلوا ما هو أكثر من التعليق على مواقع التواصل، أو انتقاد أداء النظام، وأحدثهم السفير السابق يحيى نجم الذي اعتُقل في 29 مايو/أيار الماضي بسبب هجومه على الموقف الرسمي في قضية سد النهضة وغزة.

ويبرز تعديل آخر في المشروع هو اشتراط أن يكون العامل محتفظاً بعناصر الثقة والاعتبار (وهي لا تحدد إلا بأحكام قضائية) أياً كانت درجته الوظيفية ومستواه العملي، على عكس ما كان عليه الأمر من قبل، وهو اشتراط الثقة والاعتبار فقط في شاغلي الوظائف العليا، مما سيسمح بالتخلص من المزيد من الموظفين الصغار. أما السبب الأخير لفصل العامل بغير الطريق التأديبي فهو المرتبط بخطة الدولة لمحاربة الامتدادات الاجتماعية لجماعة "الإخوان"، ويتيح الفصل إذا أدرج العامل على قوائم الارهابيين، على أن يعاد إلى عمله في حال إلغاء قرار الإدراج، علماً بأنه لم يسبق لأي شخص أن خرج من تلك القوائم.

يسمح المشروع لرئيس الوزراء باتخاذ هذه القرارات بموجب تفويض يصدره رئيس الجمهورية

ويتضمّن المشروع تعديلاً آخر لتسهيل الفصل، إذ يسمح لرئيس الوزراء باتخاذ هذه القرارات بموجب تفويض يصدره رئيس الجمهورية، بعدما كانت تلك القرارات سلطة حصرية لرئيس الجمهورية. أما التعديل الأخير فهو يغيّر طريقة التقاضي في هذا النوع من المنازعات، ففي السابق كان القضاء الإداري ملزماً بالفصل في الطعون التي يقيمها الموظفون أو العاملون ضد قرارات فصلهم بغير الطريق التأديبي خلال سنة من رفع الدعاوى، لكن المشروع الجديد يفتح المدة من دون قيود ليسمح بتأخير الفصل في الطعون إلى أجل غير مسمى. كما أن القانون القديم كان يسمح للقضاء الإداري استثنائياً بالاكتفاء بالتعويض المالي للموظف المفصول بدلاً من إعادته للعمل في أوضاع معينة، هي أن يكون القرار قد مسّ أحد شاغلي الوظائف العليا أو أن يكون قد صدر في ظل حالة الطوارئ. لكن المشروع الجديد يتوسع في هذا الاستثناء، لدفع المحكمة لعدم إعادة الموظفين المفصولين والاكتفاء بتعويضهم مالياً، إذ يزيل حالتي الاستثناء المذكورتين، ليصبح من الجائز الاكتفاء بالتعويض بصفة عامة "للأسباب التي ترى المحكمة أن المصلحة العامة تقتضيها".