عودة ترامب: خيارات التهدئة وسيناريوهات التصعيد

24 نوفمبر 2024
متظاهر يحمل لافتة في مسيرة المرأة في واشنطن، 9 نوفبر 2024 (شانون فيني/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأميركية تثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة، خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، مما يثير القلق بشأن مستقبل الحرب الإسرائيلية على غزة وفلسطين.
- الفلسطينيون يترقبون تداعيات عودة ترامب، حيث يُعتبر الرهان عليه مغامرة خاسرة، رغم وعوده بإنهاء الحروب، ويبدو أن المستفيد الوحيد هو نتنياهو الذي يسعى لتحقيق أهدافه من خلال التهدئة.
- دعم ترامب للسياسات الإسرائيلية التوسعية، مثل ضم الضفة الغربية، قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية جديدة أو إنهاء دور السلطة الفلسطينية، مما يغير موازين القوى في المنطقة.

تُعرّف الانتخابات بأنّها إحدى أدوات تداول السلطة سلميًا، وفي تعريف آخر؛ هي أيضًا أحد الطرق التي تختار الشعوب عبرها حكامها ونوابها، لكنها لا تأتي دائمًا وفق التطلعات والرغبات، بمعنى أن هناك تجاربٌ عديدةٌ لم تُفضِ فيها الانتخابات، بوصفها أحد أشكال الديمقراطية، إلى التداول السلمي، ولم تعبر عن تطلعات الشعوب الحقيقية. ليست الانتخابات الأميركية، التي أعادت دونالد ترامب مرّةً أخرى إلى البيت الأبيض، بمعزلٍ عن ذلك، فكل الرغبات، باستثناء رغبات بنيامين نتنياهو وحكومته، كانت تتمنى ألا يعود ترامب إلى رئاسة الولايات المتّحدة، لكنه عاد، وبالانتخاب، وهي العودة التي أثارت كثيرًا من التساؤلات والاحتمالات، لا سيّما في تلك البيئة المحكومة باليمين المتطرف في كلّ من واشنطن وتل أبيب؛ وفي توقيتٍ تقف فيه المنطقة على شفا التصعيد المتدحرج صوب حربٍ إقليميةٍ شاملةٍ من جهةٍ، وحرب إبادةٍ جماعيةٍ يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من جهةٍ أخرى. ومن ثمّ فوزُ ترامب في الانتخابات الأميركية، بوصفه متغيرًا قياديًا، يضعنا جميعًا أمام استحقاق التساؤل التالي: ما هو مستقبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة وعموم فلسطين، وعلى القضية الفلسطينية تفاعلاتها ومكوناتها؟

يُعد فوز ترامب وعودته إلى البيت الأبيض الأميركي أسوأ متغيرٍ حدث بعد المحرقة الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، ومن ثمّ إن الفلسطيني النازح في خيمةٍ منذ عامٍ، والذي فقد خلاله كلّ شيءٍ، بالمعنى الشامل للكلمة ومدلولاتها، بات مهتمًا ومعنيًا بمطالعة واستشراف تداعيات فوز ترامب، رغم انشغالاته اليومية في البحث عن أبسط مقتضيات الحياة، من ماءٍ وخبزٍ، لأنّ مصيره وحياته ومستقبله باتت مرتبطةً بما قد يقرره الرئيس الأميركي القادم، إن كان تصعيدًا أم تهدئةً.

الرهان مرّةً أخرى على ترامب تجربةٌ ومغامرةٌ خاسرةٌ، ورغم ذلك هناك من يراهن على ما تعهد الرجل به ووعد بتحقيقه، خصوصًا بقوله إنه سيقوم بإنهاء الحروب في المنطقة، مع العلم بإنّ كلّ المؤشرات والمعطيات، بل وتشكيلة الإدارة الأميركية المرتقبة من الأسماء المُعلنة حتّى اللحظة تقول غير ذلك، فالمستفيد الوحيد من عودة ترامب هو نتنياهو، وإذا أردنا ربط الاستشراف بنسق ترامب العقائدي في فرضية الصفقات، فإنّ نتنياهو هو أول من عقد الصفقة، عندما رفض إحداث أيّ تغييرٍ في حيثيات الحرب، باتجاه التهدئة، خلال رئاسة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن.

سيبدأ ترامب ولايته الجديدة من حيث انتهت ولايته السابقة في ما يخص المنطقة ومكوناتها وتوازناتها ومتغيراتها

في هذا السياق نلحظ أنّ الصفقات والهدايا سلوكٌ سابقٌ في عُرف نتنياهو تجاه ترامب، فعقب فوز الأخير في ولايته الأوّلى؛ أطلق نتنياهو اسم ترامب على إحدى مستوطنات الجولان المحتل " ترامب هايتس"، ليرد ترامب على ذلك بتغيير محددات السياسة الخارجية الأميركية تجاه القضية الفلسطينية خصوصًا، والمنطقة العربية عامةً، إذ اعترف في حينها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، واعترف بالقدس عاصمةً موحدةً لإسرائيل، ونقل إليها السفارة الأميركية، واعتبر المستوطنات شرعيةً؛ ومن ثمّ مضى بعيدًا في تعاطيه مع القضية الفلسطينية، عندما أغلق مكتب منظّمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ومنع وقطع التمويل الأميركي عن وكالة تشغيل وغوث اللاجئين "أونروا".

من ثمّ؛ وفي حال نوى نتنياهو وقف الحرب على قطاع غزّة فإنّ ذلك محكومٌ بمسارين، أوّلهما: أنّ ذلك لن يحدث في ما تبق من ولاية الرئيس الأميركي الحالي بايدن؛ إذ لن يعقد نتنياهو صفقةً مع رجلٍ انتهت ولايته، وثانيهما: سيطلب نتنياهو من ترامب تحقيق أهداف الحرب من خلال التهدئة. أي ما فشل نتنياهو في الحصول عليه بالحرب سيحققه له ترامب من دون الحرب، لا تبدو هذه المعادلة مستحيلةً أو مستبعدةً، ذلك أنّ ترامب في ولايته الأولى، 2016-2020، أعطى نتنياهو ما لم يحلم به أو يتوقعه، عبر صفقة القرن، واتّفاقيات أبراهام، وحينها لم تكن هناك أيّ حربٍ.

تتجلى محددات المرحلة القادمة، في ما يتعلق بالعلاقة بين ترامب ونتنياهو، تجاه القضية الفلسطينية في بالون اختبارٍ مُرر بمجرد إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، هو التلويح الإسرائيلي الرسمي، الذي أعلنه الوزير بتسلئيل سموتريتش، بضم الضفّة الغربية، إذ لا يبدو ذلك مستبعدًا عطفًا على المتغيرات السالفة التي منحها ترامب لإسرائيل في ولايته الأولى، كما لن يمانع ترامب ضم الضفة الغربية الآن، مع ما يترتب على ذلك من تداعياتٍ، كذهاب الضفّة الغربية نحو انتفاضةٍ شعبيةٍ جديدةٍ، أو إنهاء دور السلطة وانتهائها/ حلّها، لأنّ هناك أساسًا قدمه ترامب في رؤيته مفاده أنّ مساحة إسرائيل صغيرةٌ جدًا، وتحتاج إلى توسّعٍ.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

تتقاطع أهداف نتنياهو الساعي إلى تحقيقها عبر الحرب مع التوجهات التوسعية الصهيونية، التي يؤمن بها ترامب، وتتعلق المعادلة هنا بتحقيق تلك الأهداف، وتمكين إسرائيل في المنطقة، من خلال إزالة التهديدات أولًا، وإعادة تموضع إسرائيل في المنطقة ثانيًا، وهذا عين ما سيقوم به ترامب في المرحلة المقبلة.

بمجرد عودة ترامب إلى البيت الأبيض الأميركي فإن ذلك يعني إمكانية استمرار نتنياهو رئيسًا لوزراء دولة الاحتلال، من دون أنّ يضطر إلى الاستمرار في الحرب، كما أنّ ترويض المنطقة ممكنٌ من خلال التطبيع، وأنه يمكن إعادة احتلال قطاع غزّة إلى جانب ضمّ الضفّة الغربية، كما سيتم تسوية الملف اللبناني من دون البقاء في مربع الاستنزاف الحاصل لإسرائيل حاليًا، ذلك أن ترامب سيُعيد التلويح بالملف الإيراني، ما يعني أنّ محددات إيران تجاه استمرار الحرب ستختلف هي الأخرى.

ما بين خيارات التهدئة، وسيناريوهات الحرب، سواء على صعيد الجغرافيا الفلسطينية أو خارجها، في ما يتعلق بالإقليم والمنطقة العربية، تقف مجموعة محدداتٍ أهمّها أنّ ترامب سيذهب بعيدًا في العلاقة مع إيران، ليس أقلّ مما فعل سابقًا، عندما ألغى الاتّفاق النووي الذي عقده باراك أوباما، ثم واصل قمة التصعيد باغتيال قاسم سليماني، وكانت آنذاك البيئة الاقليمية غير مشتبكةٍ كما هو الحال عليه اليوم. ومن ثمّ سيستحضر الرد الإيراني المرتقب والمنتظر تلك المحددات التي تشكلت عقب عودة ترامب إلى البيت الأبيض الأميركي، ولا يريد نتنياهو أكثر من ذلك، أيّ إعادة ترتيب المحددات الإيرانية. أما عدم حدوث ذلك فسيعني انتقال الحرب إلى طور إجهاض قدرات إيران التقليدية والنووية، من خلال توظيف عودة ترامب، ونت ثمّ إنّ هجومًا أميركيًا إسرائيليًا مشتركًا على إيران لا يبدو سيناريو مستبعدًا.

ما فشل نتنياهو في الحصول عليه بالحرب سيحققه له ترامب من دون الحرب، لا تبدو هذه المعادلة مستحيلةً أو مستبعدةً

حدوث سيناريو التهدئة على جبهة غزة لا يقلّ خطورةً عن استمرار الحرب، لأنّ العامل المشترك بين الحرب والتهدئة هنا هو تحقيق الأهداف الإسرائيلية، وهي أهدافٌ تتقاطع مع رغبات ترامب وإدارته، فلا تهدئةٌ من دون تهجير أهالي شمال قطاع غزّة، بما في ذلك تطبيق "خطة الجنرالات"، والسيطرة الإسرائيلية الكاملة والشاملة على الشريط الحدودي الشرقي لقطاع غزّة "منطقةً عازلةً"، والبقاء في محور "نتساريم" وسط القطاع، وإعادة الاستيطان، وعسكرة محور فيلادلفيا جنوب القطاع، أيّ تغيير كامب ديفيد الأولى، والتحكم في كافة تفاصيل الحياة، أيّ أنّنا سنكون أمام إعادة الاحتلال الإسرائيلي غير المُعلن لقطاع غزّة، وتلك هي الخطة التي صاغها وأعلنها جاريد كوشنير منذ عام 2020.

سيبدأ ترامب ولايته الجديدة من حيث انتهت ولايته السابقة في ما يخص المنطقة ومكوناتها وتوازناتها ومتغيراتها، من التطبيع، وصفقة القرن، وإيران، ودول الخليج، والقضية الفلسطينية، وعموم الدور الأميركي في المنطقة، لذا تعد هذه العودة جائزةً لنتنياهو واليمين المتطرف في حكومته الحالية، ليستكملوا جرائم الإبادة، من أجل تحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ من المكاسب، قبل نزولهم عن الشجرة من أجل استقبال ما في جعبة ترامب من مبادراتٍ ومقترحاتٍ تضمن انتهاء الحرب، لكنها لا تتضمن حلّ الدولتين، ولا الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. ما بين خيارات التهدئة المتاحة، وسيناريوهات التصعيد المرتقب هناك معادلةٌ واحدةٌ تحكمها نظرية المباريات نظريةً صفريةً، هي ضمان النصر النهائي لإسرائيل، سواء كان ذلك بمواصلة التصعيد، أم بالذهاب نحو التهدئة، فالرهان هو ضمان تحقيق الأهداف الإسرائيلية.

يتكئ البعض في تقديراته المتفائلة على ما قاله ترامب خلال الحملة الانتخابية بأنه لن يسمح باندلاع الحرب العالمية الثالثة، وأنه سيوقف الحرب في منطقة الشرق الأوسط، لكنه لم يحدد متى وكيف، ولأنّ الوقت هنا في غزّة من دمٍ وضحايا وشهداء؛ فإنّه حتّى تتحقق وعود ترامب ستبقى الحرب مستمرةً. إن الرهان على حدوث تحولٍ كبيرٍ وجذريٍ في المواقف الأميركية هو رهانٌ خاسرٌ، فهي في النهاية مجرد تصريحاتٍ، ويحضرني تصريحٌ سابقٌ لكونداليزا رايس يوم قالت إن ولاية بوش الابن لن تنتهي قبل إعلان قيام دولةٍ فلسطينيةٍ، ومن ثمّ قد يكون مصير تصريحات ترامب، عن انتهاء الحرب، كتصريحات مُنظّرة الشرق الأوسط الكبير.