عودة البشمركة لكركوك: تأكيدات أربيل يقابلها غموض موقف بغداد

عودة البشمركة لكركوك: تأكيدات أربيل يقابلها غموض موقف بغداد

19 سبتمبر 2021
ساهمت اعتداءات "داعش" بالتنسيق بين البشمركة والجيش (علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -

لم يصدر أي موقف رسمي واضح عن بغداد حيال الإعلانات المتواصلة من قيادات أمنية وسياسية كردية في أربيل، بشأن عودة قوات البشمركة إلى مدينتي كركوك وطوزخورماتو، الواقعتين على بعد 250 كيلومتراً شمالي العاصمة، والتي خرجت منها نهاية عام 2017، إثر تنظيم إقليم كردستان استفتاء للانفصال عن العراق. وهو استفتاء قابله رد فعل عسكري من بغداد بحملة واسعة أبعدت فيها البشمركة عن كركوك ومدن عدة، توصف أنها متنازع على إدارتها بين الجانبين منذ عام 2003. ويأتي الجدل الجديد بشأن عودة البشمركة للمشاركة بعمليات ضبط الأمن في المدينة النفطية، بعد سلسلة من الاعتداءات التي شهدتها كركوك وضواحيها، تبنى أغلبها تنظيم "داعش". وأسفرت عن مقتل وجرح نحو 50 عراقياً من الأمن والمدنيين منذ مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، كان أعنفها الاعتداء الذي ذهب ضحيته 13 عنصر أمن، بالإضافة إلى الاعتداء على جثث عدد منهم في ناحية الرشاد، جنوب غربي كركوك، ليل 4-5 سبتمبر/ أيلول الحالي.


لن تحصل عودة قوات البشمركة إلى مراكز المدن والأحياء والقرى السكنية

ومنذ مساء الخميس الماضي، تتواصل تصريحات مسؤولين أكراد حيال موافقة الحكومة في بغداد على إشراك قوات البشمركة في الملف الأمني بمدينة كركوك وبلدة طوزخورماتو. ونقلت وسائل إعلام كردية مقرّبة من حكومة إقليم كردستان في أربيل عن العميد شوان شاميران قوله إنه "عاد لأول مرة إلى كركوك، وقام بزيارة ميدانية إلى المنطقة التي تخصيصها لانتشار لواءين من قوات البشمركة والجيش سيعملون مشتركين فيها"، مؤكداً أن "مهمة اللواءين المشتركين حماية المنطقة من تنظيم داعش ومن الهجمات".

في المقابل، عقد النواب العرب والتركمان في كركوك مؤتمراً صحافياً مشتركاً هو الأول من نوعه، حذّروا فيه مما وصفوه باستغلال الاعتداءات كحجة لعودة البشمركة التي اعتبروها مرفوضة. وأفاد بيان مشترك للجبهة العربية في كركوك وتحالف القوى التركمانية، جرت تلاوة مقتطفات منه خلال المؤتمر الذي عُقد يوم الخميس الماضي، بأن بعض الأطراف تحاول استغلال هجمات "داعش" تمهيداً لتغيير المعادلة الأمنية في محافظة كركوك، واستقدام قوات البشمركة إلى داخل الحدود الإدارية للمحافظة.

وأكدوا في بيانهم أن "هذه الخطوة الخطيرة مخالفة للدستور وقرار البرلمان، ويراها المكونان العربي والتركماني ضمن الصفقات السياسية لإعادة كركوك إلى أيام الخطف والاعتقالات والاغتيالات، وعلى قادة الكتل السياسية تحمل مسؤولياتهم الدستورية والوطنية تجاه الوضع المستقبلي لمحافظة كركوك". وحذّر البيان الحكومة من أن المكونين التركماني والعربي "لن يقفا مكتوفي اليد وسنلجأ لكل الخيارات الدستورية للاعتراض على عودة البشمركة إلى كركوك".

وعلى الرغم من التصعيد الواضح في كركوك على المستوى السياسي منذ يوم الخميس الماضي، لم يصدر عن بغداد أي بيان واضح بشأن خطوة تشكيل لواءين مشتركين من الجيش والبشمركة وإدخالهم إلى المدينة، باستثناء تصريحات تؤكد وجود عمليات مشتركة بين الجيش والبشمركة في مناطق جبلية وعرة على الحدود الفاصلة بين أراضي الإقليم وتلك الواقعة تحت مسؤولية بغداد.

ووفقاً لضابط برتبة لواء بقوات البشمركة بمحور الخازر شمالي العراق، فقد أكد أنه "لن تحصل عودة قوات البشمركة إلى مراكز المدن والأحياء والقرى السكنية، بل ستغطي الفراغات الأمنية، تحديداً المناطق الجبلية والصحراوية والتضاريس التي يختبئ فيها بقايا التنظيم، مثل جبال قره جوخ وحمرين ومرتفعات داقوق ومناطق وغيرها". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "أربيل وبغداد توصلتا لتفاهمات بشأن ملء الفراغ الأمني بالمناطق المتنازع عليها، بعد سلسلة من المباحثات التي استمرت لأشهر برعاية التحاف الدولي. وتوصلا إلى هذه النتيجة التي بدأت بفتح مراكز تنسيق بين الطرفين، إلى أن تطورت بعودة المشاركة في العمل الأمني. وهناك انتشار أيضاً لقوات البشمركة في محور الخازر ومخمور، وقريباً سيكون هناك انتشار في خانقين ضمن محافظة ديالى". وكشف أنّ "هذا الانتشار هو الأول من نوعه بعد أحداث 16 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017، والهدف منه مواجهة تنظيم داعش الذي نشطت جيوبه في تلك المناطق، وباتت تشن هجمات على القوات العراقية بصنوفها المختلفة، إضافة إلى منع المليشيات العراقية، من استمرار استهداف أربيل ومنشآتها الحكومية".

ويسعى الجانب الكردي لاستمرار وتوسيع التعاون مع الجيش العراقي، بغية إبعاد فصائل مسلّحة حليفة لطهران عن المناطق المحاذية لأربيل، لا سيما أن بعض تلك الفصائل كان قد تبنّى صراحة الهجمات الأخيرة على مطار أربيل، وعبّر بعضها الآخر عن دعمه لتلك الهجمات، إضافة إلى محاصرة الأراضي التي يستغلها مسلحي حزب "العمال الكردستاني".

وقد أعلن الأمين العام لوزارة البشمركة في إقليم كردستان العراق الفريق جبار الياور، في وقتٍ سابق، أن التعاون بين الجيش العراقي وقوات البشمركة، أسهم في تأمين 550 كيلومتراً من الفراغات الأمنية في المناطق المتنازع على إدارتها بين حكومتي بغداد وأربيل. وشدّد على أهمية "تأمين الفراغات الأمنية ضمن أربع محافظات شمالية، هي نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى"، واصفاً التنسيق بين الجانبين بأنه "على مستوى عالٍ".

بدوره، أفاد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقي اللواء تحسين الخفاجي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "السلطات في بغداد اتفقت مع أربيل على تشكيل ستة مراكز أمنية مشتركة من الجيش والبشمركة، تعمل على ضبط الفراغات في المناطق المتنازع عليها، وتشكيل قوة عسكرية بحجم لواء كامل". وأشار إلى أن "مهمتها الأساسية هي ضبط الأمن في المناطق الفارغة من أي تواجد أمني، ويستغلها تنظيم داعش في شن هجمات على الأحياء الآمنة ويستهدف القوات الأمنية"، لافتاً أن "هذه القوة تكون ضمن قيادة وزارة الدفاع العراقية"، ومشدّداً على "عدم وجود أي انتشار لقوات البشمركة في مركز مدينة كركوك وبلدة طوزخورماتو".


ساهم التنسيق بين الجيش والبشمركة في تأمين 550 كيلومتراً من الأراضي

وترفض أطراف سياسية عراقية، عودة البشمركة إلى المناطق المتنازع عليها، وتطالب ببسط نفوذ القوات العراقية و"الحشد الشعبي" حصراً في تلك المناطق. وحول هذا الموقف الرافض، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان كاطع الركابي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الاشتراك في تبادل المعلومات الأمنية ومحاربة الإرهاب بين القوات العراقية وقوات البشمركة، هو أمر لا مشكلة فيه بالنسبة لنا، لكن بشرط ألا تستغل بعض الأحزاب الكردية هذا الأمر للتمدد مرة أخرى في المناطق العراقية مثل كركوك وبعض أجزاء نينوى وديالى". وأكد أن "التعاون مع البشمركة لا بد أن يكون وفق اتفاقات وحدود، وألا نعود إلى المربع الأول بشأن جدلية المناطق المتنازع عليها".

أما المستشار السابق في حكومة إقليم كردستان، كفاح محمود، فقد أكد على وجود "حاجة ماسة إلى الاشتراك الأمني بين الطرفين لإنهاء خطر داعش، لا سيما في المناطق الفارغة والتي تحتاج إلى تطهير ومراجعة أمنية". وأشار في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الذين يعترضون على وجود البشمركة في بعض المناطق، يقتربون من فكر النظام السياسي الذي كان يحكم قبل عام 2003، والذي آمن بالتعريب وعمل على تغيير ديمغرافي في كركوك ومناطق أخرى". وأضاف أن "هناك مادة دستورية واضحة، وهي المادة 140 من الدستور العراقي التي تنهي الجدل بشأن إشكاليات التعريب، وأن كل المناطق التي تعود إلى الجغرافيا الكردية ستخضع إلى الإدارة بين البشمركة والقوات العراقية، لعودة الحياة إلى طبيعتها كما في السابق".

تجدر الإشارة إلى أنّ قوات البشمركة أُبعدَت من المناطق المتنازع عليها وهي المناطق التي تتنازع إدارتها حكومتا بغداد وأربيل، عقب استفتاء انفصال الإقليم عام 2017. وتشمل المناطق المتنازع عليها: محافظة كركوك، ومدناً وبلدات وقرى في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى.