عودة "جبهة تحرير تيغراي": مخاوف من صراعات إثنية وإقليمية

عودة "جبهة تحرير تيغراي": مخاوف من صراعات إثنية وإقليمية

08 يوليو 2021
استعرضت "جبهة تيغراي" قواتها في ميكيلي أخيراً (ياسويوتشي شيبا/فرانس برس)
+ الخط -

تثير عودة "جبهة تحرير تيغراي" إلى مدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، أواخر يونيو/حزيران الماضي، بعد نحو تسعة أشهر من طردها من الإقليم على يد الجيش الإثيوبي، مخاوف من تفجّر صراع دموي آخر في الإقليم، بعد تهديدات أطلقتها الحكومة الإثيوبية الجمعة الماضية بانتزاع السيطرة على الإقليم من الجبهة مجدداً، إذا اقتضت الضرورة. ومن المحتمل أن يفاقم تدهور الوضع الأمني من تردي الحالة الإنسانية في الإقليم المتنازع عليه بين الجبهة وحكومة أبي أحمد منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فضلاً عن أبعاد هذه الصراع وتداعياته الأمنية والسياسية بين دول القرن الأفريقي، خصوصاً إريتريا والسودان.

ويرجح محللون أن اندلاع صراع مسلح من جديد في إقليم تيغراي بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير تيغراي"، سيشمل المنطقة هذه المرة، وأن الدول المجاورة للإقليم لن تكون بمنأى عن نزاع عسكري سيلتهم ما بقي من آثار الحرب العسكرية الطاحنة السابقة. كما أن أطرافاً دولية ستكون لها في المرحلة المقبلة اليد الطولى في الاستقرار الأمني للإقليم من جهة والسياسة الإثيوبية من جهة، بسبب النزاع المائي والأمني في المنطقة.
ولا تتوقف المخاوف عند ذلك، بل يتوقع مراقبون أن يكون لنزاع تيغراي تأثيرات سلبية على تماسك إثيوبيا الداخلي، ففي حال انتصرت "جبهة تيغراي" على الجيش الإثيوبي، سيشجع ذلك قوميات ومجموعات أخرى على مواجهة القوات الحكومية وانتزاع مناطق منها، ومن ثم بناء تحالفات على أساس نظام الفيدرالية الإثنية بين القوى المناهضة لمشروع رئيس الوزراء أبي أحمد وحزبه.

أسباب العودة
وعن أسباب عودة "جبهة تحرير تيغراي" إلى مدينة ميكيلي، يقول مدير المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد بعقاي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ذلك يخضع لتفسيرات وروايات عدة، من أبرزها رواية الحكومة بأنها انسحبت من الإقليم لأسباب إنسانية، إثر إنهاء عملية إنفاذ القانون بالنسبة للحكومة، التي شرعنت دخولها العسكري إلى الإقليم تحت حجة فرض سيادة الدولة، والقضاء على النفوذ العسكري لجبهة تحرير تيغراي، والتي لا تمثل حالياً خطراً عسكرياً على البلاد، خصوصاً على حكومة أبي أحمد".


الحكومة بررت خروجها من الإقليم بالتركيز على مواجهة التحديات الخارجية التي تواجهها حالياً والتي تحدق بالمنطقة


ويشير إلى أن الرواية الأخرى تفيد بأن "جبهة تحرير تيغراي" انتصرت على الجيش الإثيوبي، وتمكّنت من العودة إلى الإقليم بعد أن حظيت بدعم وتأييد من سكان الإقليم، وهو ما أكسبها انتصاراً عسكرياً على الجيش، ومكسباً سياسياً على حساب حكومة أبي أحمد، مضيفاً أن الحكومة بررت خروجها من الإقليم بالتركيز على مواجهة التحديات الخارجية التي تواجهها حالياً والتي تحدق بالمنطقة، لا سيما الأزمة الحدودية مع السودان، إلى جانب أزمة سد النهضة التي تمثل حالياً تحدياً كبيراً بالنسبة لإثيوبيا التي تعطي أولوية قصوى لمواجهة أي عدوان خارجي، خصوصاً بعد لجوء مصر والسودان إلى استراتيجية الردع العسكرية، من خلال إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الخرطوم والقاهرة، وهو ما يقلق فعلياً حكومة أبي أحمد بدل الإنشغال بالتوترات الأمنية الداخلية.

وبحسب ياسين بعقاي، فإن من أسباب انسحاب الحكومة من إقليم تيغراي الاستجابة للضغوط الدولية بهدف الحد من التأثيرات الإنسانية في الإقليم إثر تداول أخبار عن حدوث مجاعة وشيكة في الإقليم، إلى جانب أنباء عن مجازر بحق سكان الإقليم، لكن الجبهة ستتحمّل بعد استيلائها على الإقليم مسؤولية ما سيحدث فيه من مشاكل أمنية وإنسانية.

وعلى الرغم من عودة "جبهة تحرير تيغراي" إلى الإقليم، إلا أن الأوضاع الأمنية فيه قابلة للانفجار ما لم تكن هناك هدنة دائمة بين الجبهة والحكومة الإثيوبية، التي تواجه تحديات داخلية وأخرى خارجية لا تقل تأثيراً عن الصراعات العسكرية والسياسية المفتوحة في الإقليم.
ويقول ياسين بعقاي "إن الجبهة في إقليم تيغراي ستدخل حتماً صراعاً مع قومية الأمهرة، وهي وضعت شروطاً للتهدئة مع الحكومة الإثيوبية، تتألف من سبعة شروط، منها انسحاب قوات الأمهرة من إقليم تيغراي والعودة إلى مواقعها قبل الحرب، وإرجاع الأراضي التي سُلبت منها، وتسهيل عودة جميع أبناء تيغراي والنازحين واللاجئين إلى ديارهم، وكذلك إلغاء جميع القرارات الموجّهة إلى إقليم تيغراي نظراً لانتهاء الولاية القانونية للحكومة في سبتمبر/أيلول الماضي، وإطلاق سراح السجناء السياسيين من قومية تيغراي، إلى جانب إنشاء جهة دولية مستقلة تضمن تنفيذ هذه الشروط المسبقة لوقف إطلاق النار من جبهة تحرير تيغراي".

نحو نزاع قومي؟
يتوقع الباحث السوداني المقيم في أديس أبابا عباس محمد صالح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يتحوّل النزاع في تيغراي إلى صراع أمهري-تيغراني في المدى المنظور لعدد من الأسباب، أولها العداوة المستفحلة بين نخبتي تيغراي وأمهرة، التي يفاقمها حالياً الصراع على بعض المناطق الحدودية بين الطرفين، وهو صراع مصيري لكلا الطرفين. ثاني الأسباب يتمثل في عدم سيطرة الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا على قوات ومليشيات إقليم أمهرة وأجندتها المحلية ذات الطابع القومي في ظل صعود تيار القوميين بأمهرة حالياً. أما الثالث فيرتبط باستراتيجية الحرب بالوكالة في المنطقة لاستنزاف إقليم تيغراي وقد يكون خياراً مفضّلاً لدى الحكومتين في أديس أبابا وأسمرة، وسيكون إقليم أمهرة حائط صد أمام قوات تيغراي. ويشير إلى أن "الصراع في إقليم تيغراي كان من البداية ذا طابع إقليمي، والمراحل المقبلة منه ستكون أكثر وضوحاً، لذا ستكون التداعيات الإقليمية معقدة وربما خطيرة جداً، بالنظر إلى ان هذا الصراع سيجر إريتريا والسودان إلى نفق هذه الحرب، لأسباب مختلفة".


انتصار مسلحي جبهة تيغراي سيشجع قوميات أخرى على مواجهة القوات الحكومية وانتزاع مناطق منها

 

في سياق متصل، يقول عباس صالح "إن تداعيات نزاع تيغراي ستؤثر سلباً على تماسك إثيوبيا الداخلي، فانتصار مسلحي جبهة تيغراي سيشجع قوميات أخرى، خصوصاً في إقليم أوروميا، على مواجهة القوات الحكومية وانتزاع مناطق منها، ومن ثم بناء مشتركات وطنية مع كيان إقليم تيغراي على أساس نظام الفيدرالية الاثنية بين كافة القوى المناهضة لأبي أحمد وحزبه الجديد".
ويشير صالح إلى أن الحل في يد رئيس الحكومة الإثيوبي، من أجل ردم هوة الخلافات والنزاعات في النسيج الاجتماعي الإثيوبي قبل فوات الأوان، ويكمن ذلك في إجراء حوار وطني شامل مع جميع الأطراف المعارضة لمشروعه النهضوي الوحدوي، تنتج عنه ترتيبات سياسية جديدة بمشاركة الفاعلين الرئيسيين في البلاد، تقود إلى مصالحة وطنية تؤسس لنظام حكم جديد بالبلاد، ومن هذا المنطلق سيكون محور الصراع السياسي بين خيار الفيدرالية الإثنية لـ"جبهة تيغراي" من جهة، وبين المشروع المركزي والوحدوي لحزب "الازدهار" برئاسة أبي أحمد من جهة ثانية.

مستقبل التعاون الإقليمي
من جهته، يقول الباحث السوداني في النزاعات الأفريقية عبد القادر كاوير، "إن عودة النزاع إلى إقليم تيغراي ستؤثر بشكل كبير على أمن الحدود بين إثيوبيا والسودان"، معتبراً أن "حكومة الخرطوم تبدو هي الرابحة من عودة جبهة تحرير تيغراي إلى الإقليم من جديد، كورقة ضغط من أجل تحقيق مكاسب في ملف سد النهضة من جهة، والخلاف الحدودي مع أديس أبابا من جهة ثانية".
ويشير كاوير إلى أن ملف اللاجئين الإثيوبيين العالقين على الحدود بين البلدين هي مسألة إقليمية أخرى، تنتظر حلاً من إثيوبيا، خصوصاً في إعادة توطين اللاجئين الفارين من إقليم تيغراي، حتى لا تتطور الأزمة الإنسانية في الإقليم وعند الحدود بين البلدين إلى مرحلة الكارثة.
وبحسب وسائل إعلام سودانية، فإن نحو ثلاثة آلاف لاجئ إثيوبي كانوا يعبرون الحدود ويصلون تباعاً إلى المخيمات المنتشرة على الحدود السودانية، هرباً من الأوضاع الإنسانية المتردية في إقليم تيغراي، بسبب الانتهاكات الإنسانية التي شهدها الإقليم وحالة عدم الاستقرار بسبب الصراع المفتوح فيه، والذي لم يحسم بعد.

ويتساءل محللون أيضاً عن مستقبل التعاون الأمني بين إريتريا وإثيوبيا بعد عودة "جبهة تحرير تيغراي" إلى المشهد الإثيوبي عسكرياً وسياسياً، خصوصاً بعد اتهامات وُجهت للقوات الإريترية في إقليم تيغراي بارتكاب مجازر بحق سكان الإقليم لمدة 9 أشهر، فضلاً عن بروز تصداعات في علاقة أبي أحمد مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي. وكذلك أيضاً حول مستقبل العلاقات بين أديس أبابا ومقديشو، إذ تواجه الحكومة الصومالية تهماً بإرسال مجندين عسكريين إلى الإقليم المتنازع عليه في إثيوبيا، على الرغم من النفي المتكرر من قبلها لهذه الشائعات جملة وتفصيلاً.

تقارير دولية
التحديثات الحية

المساهمون