عوائق أمام تحول ليبيا إلى موطئ قدم لروسيا في المتوسط خلفاً لسورية

29 ديسمبر 2024
قوات روسية في طرطوس، 16 ديسمبر 2024 (بكر القاسم/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تسعى روسيا لنقل معداتها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لضمان الدعم اللوجستي في أفريقيا، وسط اتهامات للاستخبارات الأميركية والبريطانية بالتخطيط لهجمات على القواعد الروسية في سوريا.
- يشكك الخبراء في قدرة خليفة حفتر على ضمان المصالح الروسية في ليبيا، حيث يعتبر عدم استقرار الأوضاع هناك مفيدًا لروسيا بمنع زيادة صادرات النفط الليبي إلى أوروبا.
- تواجه روسيا صعوبات في تأسيس وجود عسكري دائم في ليبيا بسبب الانقسامات السياسية، وتعتمد على اتفاقات ظرفية لدخول سفنها إلى موانئ محددة.

منذ سقوط نظام بشار الأسد المتحالف مع موسكو في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الحالي، لا يتوقف سيل الأنباء غير المؤكدة رسمياً، حول مواصلة روسيا نقل معداتها العسكرية وحتى نظم كاملة للدفاع الجوي، من سورية إلى ليبيا وسط بحثها عن موطئ قدم بديل في المتوسط يضمن استمرار الدعم اللوجستي لعمليات "الفيلق الأفريقي" (الذي يمكن اعتباره وريث مرتزقة شركة فاغنر في القارة) تحسباً لعزوف السلطات السورية الجديدة عن السماح ببقاء القوات الروسية في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية في الساحل السوري وخشية من تعرضهما لأي هجمات.

مخطط استخباري أميركي بريطاني

وما يعزز فرضية قلق روسيا على قاعدتيها في الساحل السوري، توجيه جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، أمس السبت، اتهاماً إلى الاستخبارات الأميركية والبريطانية بالتخطيط لشن هجمات على القواعد الروسية في سورية، لما قال إنه دوافع "ضمان هيمنتهما في المنطقة" و"الإبقاء على الفوضى في الشرق الأوسط" و"حثّ روسيا على إجلاء عسكرييها"، واصفاً الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري بأنه "عامل مهم للاستقرار الإقليمي". وقال بيان صادر عن الجهاز إن "واشنطن ولندن تعتقدان أنهما ستتمكّنان في مثل هذه الظروف من تحقيق هدفهما الجيوسياسي بسرعة، وهو ضمان هيمنتهما طويلة المدى على المنطقة، على أساس المفهوم البغيض المتمثل في النظام القائم على القواعد".

سيرغي بالماسوف: يفرض سقوط الأسد على روسيا أسئلة من قبيل: ما الجدوى من دعم حفتر؟

وبحسب البيان، فإن مهمة تنفيذ هذه الهجمات أوكلت من قبل الاستخبارات الأميركية والبريطانية إلى مسلّحي تنظيم داعش الذين أفرجت عنهم السلطات الجديدة في سورية من السجون أخيراً. وبحسب البيان، فقد تلقّى قادة ميدانيون لـ"داعش" طائرات مسيّرة هجومية لاستهداف المواقع الروسية، مضيفاً أنه "من أجل إخفاء تورطها في هجمات داعش المخطط لها، أمرت القيادة العسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا قواتهما الجوية بمواصلة شنّ ضربات على مواقع داعش، مع إخطار المسلحين بها مسبقاً". وبحسب البيان، فإن "لندن وواشنطن تأملان بأن تدفع مثل هذه الاستفزازات روسيا إلى إجلاء قواتها من سورية، وفي الوقت نفسه، سيتم اتهام السلطات السورية الجديدة بالفشل في السيطرة على المتطرفين".

في غضون ذلك، ثمّة شكوكاً في أن تصبح ليبيا وجهة مستقرة للقواعد العسكرية والقوات الروسية على المدى الطويل وحتى المتوسط، في ظل انعدام استقرار الأوضاع السياسية في هذا البلد الذي تمزقه انقسامات سياسية، ويعيش حالة من ازدواجية السلطة بين مناطق سيطرة "الجيش الوطني الليبي" بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد، وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس. ويجمع مستشرقون روس استطلعت "العربي الجديد" آراءهم على انعدام ما يضمن استمرارية الوجود العسكري الروسي في ليبيا أو غيرها من دول المنطقة، معتبرين أنّ سقوط نظام الأسد في سورية بهذه السرعة، يفرض على موسكو إعادة النظر في سياستها في المتوسط من جهة تنويع التعاون العسكري مع مختلف الدول من دون التأسيس لوجود عسكري دائم قد يصبح في أي لحظة على المحك.

شكوك بولاء خليفة حفتر في ليبيا

يشكك الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية ومعهد دراسات الشرق الأوسط في موسكو، سيرغي بالماسوف، في قدرة حفتر أو حتى نيته ضمان المصالح الروسية في المنطقة، معتبراً في الوقت نفسه أن انعدام استقرار الأوضاع في ليبيا يصب في مصلحة روسيا كونه يمنع زيادة صادرات النفط الليبي إلى أوروبا وزيادة استقلالية القارة العجوز في مجال الطاقة. ويقول بالماسوف في حديث لـ"العربي الجديد" إن "القوات الروسية لها وجود في ليبيا منذ سنوات عدة، حيث كانت متمثلة سابقاً بشركة فاغنر التي شارك عناصرها في عمليات اقتحام طرابلس في عام 2019، ولكن قوات تابعة لتركيا تصدت لها مع استخدام مسيّرات بيرقدار التركية. أما اليوم، فالوجود الروسي في ليبيا مستمر مع تحول الشركة السابقة إلى الفيلق الأفريقي مع الاعتماد على القواعد الروسية في سورية لنقل المؤن إليه".

وبعد واقعة تمرد مؤسس شركة فاغنر، يفغيني بريغوجين، ومقتله في حادثة طيران غامضة في صيف عام 2023، باشرت وزارة الدفاع الروسية بتشكيل ما يعرف بالفيلق الأفريقي بديلاً عن "فاغنر" لأداء المهام العسكرية في الدول الأفريقية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي تسعى موسكو من خلالها إلى أن تزاحم النفوذ الفرنسي وتعزز وجودها في القارة الثرية بالموارد الطبيعية. وحول تقييمه لعلاقة روسيا بحفتر بشخصه، يقول بالماسوف إن "حفتر يُعرف بعلاقاته الخارجية المتنوعة ويحمل الجنسية الأميركية ويشاع أنه تعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ما يعني أنه قد يتخلى في أي لحظة عن ضمان مصالح موسكو مثلما تخلى عنها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ذات يوم". وبرأيه فإن "سقوط الأسد يفرض على روسيا أسئلة من قبيل: ما الجدوى من دعم حفتر؟".

انعدام الاستقرار يخدم اللاعبين الخارجيين

مع ذلك، يعتبر بالماسوف أن انعدام استقرار الأوضاع في ليبيا يصب في مصلحة روسيا، قائلاً إنه "على المستوى الاستراتيجي، من مصلحة روسيا ألا يسود الاستقرار في ليبيا حتى لا تزداد صادرات هذا البلد النفطية إلى أوروبا التي تعيش موسكو حالة من المواجهة معها في الساحة الأوكرانية". ويقر الباحث في مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، غريغوري لوكيانوف، هو الآخر، بأن انعدام الاستقرار في ليبيا هو الذي يوفر أرضية للوجود العسكري لعدد من الدول من بينها روسيا، معتبراً في الوقت نفسه أن الواقع الجيوسياسي الجديد يفرض على روسيا إعادة النظر في سياستها في المنطقة.

غريغوري لوكيانوف: قد تحتاج روسيا إلى اتفاقات للسماح بدخول سفن إلى موانئ بعينها دون إنشاء قواعد دائمة

ويقول لوكيانوف في حديث لـ"العربي الجديد" إن "رؤية روسيا السابقة لوجودها في المتوسط كانت تلبي مصالحها في ظروف ما قبل بدء العملية العسكرية في أوكرانيا عام 2022، ولكن ثمة تغييرات تطرأ عليها في ظل الواقع والأحداث في سورية التي تدفع بروسيا لإعادة النظر في سياستها. قد تحتاج روسيا في المرحلة الراهنة إلى اتفاقات بشأن السماح بدخول سفن روسية إلى موانئ بعينها من دون أولوية إنشاء قواعد دائمة". ويقلّل لوكيانوف من أهمية الرأي القائل إنّ انعدام استقرار الأوضاع في ليبيا سيؤثر على الوجود العسكري الروسي فيها، مشيراً إلى أن "استمرار النزاعات هو الظاهرة المستقرة الوحيدة في ليبيا اليوم وهو الذي خلق، مجتمعا مع ازدواجية السلطة، التربة للوجود العسكري لعدد من الدول الأجنبية، بما فيها تركيا وروسيا وإيطاليا، في ظروف هشاشة الدولة الليبية واعتمادها على الأطراف الخارجية في مجال الأمن".

أولوية القوات الروسية اتفاقات ظرفية

من جهته، يوضح الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية والباحث غير المقيم ببرنامج سورية التابع لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنطون مارداسوف، أن نقل المعدات العسكرية الروسية من سورية إلى ليبيا لا يعني أنها سترابط فيها على أساس دائم، بل قد تكون مجرد نقطة ترانزيت في طريقها إلى مختلف الدول الأفريقية أو العودة إلى روسيا. ويقول مارداسوف في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "في الوقت الحالي، يبدو أن روسيا تنقل إلى ليبيا قطعاً عسكرية من نقاط مرابطتها في مناطق العمق السوري مثل مطار القامشلي شمال الحسكة، لأن قاعدتي طرطوس وحميميم لا تتسعان لها. ثم ستحسم روسيا ما هي القطع التي تبقى في ليبيا وأخرى تسلم للفيلق الأفريقي أو تعود من دون عجالة إلى مواقع المرابطة الدائمة في روسيا".

أنطون مارداسوف: قد تكون ليبيا مجرد نقطة ترانزيت

ويقلّل مارداسوف من واقعية تأسيس روسيا لوجود عسكري دائم في ليبيا، معتبراً أن موسكو "ستواجه صعوبات كبيرة في ليبيا على ضوء حالة انقسام السلطة بين الشرق والغرب، حيث إن أي اتفاق بشأن نشر قواعد عسكرية لن تكون له شرعية كاملة، ناهيك عن الثمن الباهظ الذي قد يطالب به حفتر في حال قبوله بالوجود الروسي الدائم من دون أي ضمانات حقيقية في ظل تقدمه في العمر ومعاناته مشكلات صحية، ما يعني أن الوضع قد يتغير بشكل جذري في حال وفاته أو تدهور حالته".

وحول رؤيته لكيفية ضمان روسيا استمرارية الدعم اللوجيستي لعملياتها في أفريقيا، يعتبر أنه "ينبغي على روسيا ألا تضع البيض كلّه في سلة واحدة، على أن تقيم علاقات التعاون العسكري مع مختلف الدول من دون ضرورة نشر قواعد عسكرية متكاملة الأركان ونظم دفاع جوي لتأمينها". وبرأيه، "يمكن الاتفاق بصورة غير معلنة على استخدام مطارات عسكرية بعينها لأغراض لوجيستية مع الاعتماد على الطائرات المدنية أو تلك التابعة لوزارة الطوارئ الروسية من دون علامات تكشف تبعيتها لوزارة الدفاع". ومن مؤشرات احتمال وجود مثل هذه الاتفاقات غير المعلنة بين روسيا وبعض الدول في المتوسط وشمال أفريقيا، ما تردد في مايو/أيار الماضي، حول وجود أعضاء من مجموعة فاغنر السابقة في جزيرة جربة جنوب شرق تونس، رغم أن موسكو وتونس نفتا ذلك حينها.