عن شماتة "عربية" بأوروبا

عن شماتة "عربية" بأوروبا

09 سبتمبر 2022
قدمت قوى للمواطن العربي حالة أوروبية مُتخيلة (آدم باري/Getty)
+ الخط -

منذ بداية غزو روسيا لأوكرانيا صعد بعض العرب إلى قمم الأشجار، بين مبشر بـ"تعددية قطبية"، و"أفول النظام العالمي"، ومستقوٍ بـ"الحليف الروسي" لشرعنة وجوده ومستقبله.

ذات القوى، التي سرعان ما واجهتها خيبات وصول "الحليف" إلى مأزق المستنقع الأوكراني، بتصميم أوروبي-أطلسي على إشغاله عسكرياً واقتصادياً، راحت تبشرنا بكوارث أوروبية، بسبب أزمة الطاقة وتعويض الغاز الروسي.

وبلغة لا تخلو من التشفي والشماتة، وبكثير من التزوير والأخبار الزائفة والمضللة، تُقدم للمواطن العربي حالة أوروبية مُتخيلة، كطلب "الاستحمام مرتين فقط"، و"فرمانات" أخرى طويلة، فيها إسقاطات لبعض واقع تلك القوى.

بالطبع، يعرف من يعيش في أوروبا أن الأمور فيها لا تسير وفق أهواء وأوامر "الأفرع الأمنية"، وتوابعها من "وزارات". فحكومات اسكندنافيا، وعموم دول الشمال، لم تهرع إلى "كوبونات الغذاء" (بونات التموين)، كتلك التي انتشرت خلال الحرب العالمية الثانية، بل إلى تفاوض برلماني لتعويض مواطنيها المتضررين من ارتفاع فواتير الطاقة، من دون تسميتها: "منحة من الرئيس"، أو بقرارات "قرقوشية" تحصي الأنفاس بـ"بطاقة ذكية".

في حماسة المعايرة بـ"قوة روسيا"، ينسى هؤلاء مشاهد عتمة الأحياء والمدن، وهرولة المواطن خلف رغيف الخبز وجرة الغاز وحافلة ركاب، والموت على أبواب المشافي وفي زنازين التوحش الأمني، وغرق الناس في مراكب اللجوء والهجرة، ليس إلى روسيا و"المحور" بل إلى "أوروبا المأزومة"، وغيرها من حقائق استعباد العقول برواية أن كل شيء يهون "طالما أن القائد باقٍ".

في كل الأحوال، في أوروبا ألف مشكلة وأزمة. وفيها أيضاً قوى شبيهة بالخلطة العربية، القومية - اليسارية - الإسلامية، في مراهنتها على موسكو، ليس لإيمانها بالشيوعية السوفييتية بقدر بحث بعضها عن حلفاء، خصوصاً عند معسكر التطرف القومي.

لكنها قوى يصعب عليها تسويق الأزمات بأكاذيب تجهيل البشر، حتى في ظل انتشار أصحاب "نظرية المؤامرة". هؤلاء يعرفون أن حياة سكان القارة العجوز ليست فقط فواتير كهرباء وتدفئة، بل تأمين العيش الكريم، بما يحفظ كرامة البشر وحرياتهم، دون خوف أو فزع من أقبية جلادي أنظمة الاستبداد، التي تحصر الأوطان في مساحة كراسي حكمها.

ببساطة، الأوروبيون ليسوا مخلوقات مميزة عن العرب، ولم يصلوا إلى ما هم عليه اليوم إلا حين نزعوا عن عقولهم ركام الاستعباد، باسم الكنيسة والملكيات المطلقة. ولطالما بقي الاستبداد يفتك في منطقتنا، فكل أمراض الفساد باقية تنخر في هياكل دول "الإخوة المواطنين". 

المساهمون