استمع إلى الملخص
- قدمت المقاومة فرصة للنظام العربي لتبني موقف أكثر حزماً، مستندة إلى صلابة موقفها التفاوضي، مما يتيح للقمة العربية والإسلامية اتخاذ قرارات تدعم القضية الفلسطينية دون تقديم تنازلات مجانية.
- وجهت المقاومة رسالة واضحة للدول العربية برفع أعلامها، داعية إلى واقعية سياسية وتعاون إيجابي، مع التأكيد على أهمية الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام.
مرّ ظهر يوم السبت الماضي، ولم يأتِ جحيم دونالد ترامب الذي هدد به المقاومة إن لم تفرج عن كل المحتجزين الذين بحوزتها بحلول ذلك الموعد. تعاملت المقاومة مع التهديد الأميركي، ومع الزهو الإسرائيلي به، بثبات انفعالي لافت، وبثقة سياسية كبيرة، تظهر إدراكاً لحقيقة الموقف، وقدرة على التمييز بين المناورة بالتهديد، والتهديد الجدي الذي يمكن أن يتحول إلى فعل.
كانت معركة أعصاب وعض على الأصابع. حتى الآن لم تصرخ المقاومة، وهي تبقي على موقفها الميداني والسياسي والأخلاقي قوياً بما أمكن، بينما يُسمع الصراخ والصخب السياسي عالياً في تل أبيب، بسبب تعقيدات ما بعد الحرب، والانقسام الداخلي، وبسبب ظهور المقاومة، بشقيها، العسكري والسياسي، في صورة مفاجئة للعدو وللصديق، وسرعة استرجاع نفس الحياة بحده الأدنى في قطاع غزة.
الآن، توفر المقاومة، وهي تتصرف على هذا النحو، كل أسباب الشجاعة للنظام الرسمي العربي، وتمنح كل الإمكانية لأن يحفر مجرى مسار مختلف أكثر حزماً وصرامة، وتعزز فرصة لم تتوافر منذ عقود، لتوليد موقف وخيار عربي يتكئ على صلابة موقف المقاومة وقدرتها التفاوضية، بحيث يمكن الاعتماد والتأسيس على ذلك في القمة العربية والقمة الإسلامية التي تليها، لاتخاذ ما يناسب الموقف والحالة الفلسطينية، إزاء التهديدات الأميركية والإسرائيلية، دون محاولة فرض إملاءات على الواقع الفلسطيني، أو السعي لمنح واشنطن وتل أبيب مكاسب مجانية لم تحققاها عبر الحرب، بما فيها محاولة تحييد حماس والمقاومة من غزة.
تكتب المقاومة رسائلها السياسية بوضوح على جدران منصات تسليم الأسرى. هذه المرة كانت الرسالة على أبلغ ما تكون في التسليم الأخير، موجهة إلى الدول العربية بالأساس، حين رفعت المقاومة أعلام الدول العربية، بما فيها تلك التي كان أو لا يزال موقفها ملتبساً تجاه المقاومة، أو لديها حساسية أيديولوجية تجاه البندقية الفلسطينية. وهذه الرسالة تقول إن المقاومة تحتكم إلى واقعية سياسية تتجاوز إكراهات الظرفية الصعبة، ولديها متسع أفق لتجاوز العقدة تجاه الأطراف العربية التي لم تبذل جهداً كافياً خلال المرحلة السابقة، والتعامل بإيجابية والاحتكام إلى أي توافق عربي.
وهذه الرسالة على ما فيها من واقعية سياسية وقدر من الانفتاح الإيجابي والرصين، فيها قدر عالٍ من الصرامة، "نحن اليوم التالي"، ويجب أن تقرأ بشكلها الصحيح لدى صانع القرار العربي، في لحظة توليد التصور العربي إزاء مسائل التهجير وإعادة الإعمار وإدارة القطاع وآليات توحيد الحكم الفلسطيني وإنهاء الانقسام الذي يبقى شوكة في حلق الفلسطينيين أنفسهم. صحيح أن رفع سقف التوقعات من مخرجات القمم العربية كان مخيباً دائماً، كما أن إعلان تأجيل القمة العربية التي كانت مقررة في 27 فبراير/شباط الحالي، ولو لبضعة أيام، للسبب الذي ذكره المتحدث باسم الجامعة العربية حسام زكي (لأسباب لوجستية)، كاريكاتوري، لكن النصر يختبئ أحياناً في بطن الهزيمة. ليس مطلوباً من القمة أكثر من رفض التهجير وخطة إعمار، والباقي تتكفل به الشعوب والمقاومة.