عندما تستورد تونس الفوسفات

عندما تستورد تونس الفوسفات

21 سبتمبر 2020
كل الحكومات فشلت في إنهاء مأساة أهالي محافظة قفصة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

مرّ الخبر بشكل عادي تقريباً في وسائل الإعلام، وكأنه صفقة اقتصادية كالتي تحدث كل يوم في أي بلد وتتناقلها الوكالات روتينياً ضمن ما تنقله من أخبار عن العالم. إلا أنّه ليس خبراً عادياً قطعاً، لأنه يدق ناقوس الخطر في تونس مرة أخرى وينبّه حكومة نائمة وأحزاباً تلهو بمصائر الناس. الخبر يقول إنّ تونس تستورد للمرة الأولى في تاريخها مادة الفوسفات، وتنتظر في نهاية سبتمبر/ أيلول الحالي، وصول أول دفعة من المادة، وذلك ضمن خطة لاستيراد 40 ألف طن من الفوسفات شهرياً، لتأمين مخزونات استراتيجية لصناعة المواد الكيميائية.

وتخرج تونس التي كانت ثالث منتج عالمي للفوسفات، للمرة الأولى في تاريخها للسوق الدولية لاستيراد هذه المادة، بعد تعثّر نشاط استخراج الفوسفات ونقله من مناطق الإنتاج في الحوض المنجمي بمحافظة قفصة في جنوب غربي البلاد، نحو مصانع التحويل التابعة للمجمع الكيميائي التونسي (شركة حكومية). والواقع أنّ تونس لديها شوكة في خاصرتها جنوبي البلاد، إذ تعاني المنطقة من ألم فشلت كل الحكومات في معالجته منذ ما قبل الثورة، خصوصاً عندما انطلقت ثورة الحوض المنجمي في محافظة قفصة تطالب بحقها في ثروة تخرج من باطن أرضها لتبددها السلطة، بينما توقفت الحياة في تلك الأرجاء حرفياً في ستينيات القرن الماضي؛ شوارع صفراء وظروف قاسية وأمراض تنفس ضربت أجيالاً من أهالي مدينتي الرديّف وأم العرائس في المحافظة.
لا يطالب الأهالي بأكثر من حقهم في ثروة يموتون من أجلها، يريدون بعضها لأطفالهم على شكل مدرسة ومستشفى وحديقة يلعبون فيها. كتبوا في معاناتهم أغاني ومسرحيات يعرفها التونسيون شمالاً ويرددونها أحياناً، ولكن كل الحكومات فشلت في التعاطي معهم وإيجاد حلول لإنهاء المأساة واستئناف العمل الذي يعرف الخبراء أنّه كان سيُغني التونسيين عن الاقتراض من الخارج.
الغريب أنّ الأحزاب التونسية ونخبها العظيمة لم تُلقِ بالاً للخبر، ولم يفاجئها أو يحركها ما سيترتب عن ذلك، وبقيت مستمرة في سجالات لا تهمّ الناس في شيء، بينما تتكرر المأساة ذاتها شرق الخصر الجنوبي نفسه، حيث أوقف الأهالي أيضاً إنتاج البترول، والجماعة منشغلة بمصطلحات الدستور وصراع الأجنحة في الأحزاب وصلاحيات الرئيس، ولم ينجح مسؤول واحد طوال كل هذه السنوات في التفاوض على حل مع المحتجين جنوباً ينهي هذه المأساة.

المساهمون