عملية النفق غرب بيت لحم.. تحدٍ للإجراءات الأمنية والاستيطانية الإسرائيلية

12 ديسمبر 2024
حاجز النفق المقام غرب بيت لحم بعد تنفيذ العملية، 11 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- نفّذ مقاوم فلسطيني عملية إطلاق نار على حافلة إسرائيلية عند حاجز النفق غرب بيت لحم، مما أدى إلى مقتل فتى إسرائيلي وإصابة ثلاثة آخرين، وأثار استنفارًا أمنيًا إسرائيليًا واسعًا.

- جاءت العملية في توقيت حساس مع قرارات استيطانية جديدة، مما يعكس تحديًا للإجراءات الأمنية الإسرائيلية ويزيد من تعقيد الوضع الأمني، حيث يضغط الموقع الاستراتيجي للعملية على الاحتلال لإعادة تقييم سياساته.

- أثارت العملية نقاشًا داخليًا في إسرائيل حول فعالية الاستراتيجيات الأمنية، مع تباين الآراء بين تحسين حياة الفلسطينيين وزيادة القمع، مما يعكس التوتر بين الأهداف الأمنية والسياسية.

وسط تسارع تنفيذ مخططات الاستيطان في مناطق جنوب الضفة الغربية، فجّرت عملية النفق التي نفّذها مقاوم فلسطيني، مساء أمس الأربعاء، مفاجأة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث أطلق النار صوب حافلة إسرائيلية متجهة نحو محافظة القدس عبر حاجز النفق المقام غرب بيت لحم، موصلاً رسالة مفادها أن الطوق الأمني المشدد، الناتج من التوسع الاستيطاني في المناطق الغربية لبيت لحم، لا يمنع إنجاز عمليات مقاومة.

أدت عملية النفق إلى مقتل فتى إسرائيلي وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، بعدما تمكن المنفّذ من الوصول بمركبة خاصة إلى الشارع المؤدي إلى الحاجز وإطلاق النار مباشرةً على الحافلة، ثم الفرار من المكان، قبل اعتقاله صباح اليوم الخميس، كما أعلن جيش الاحتلال في بيان له. وكانت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" قد أفادت بأن منفذ العملية هو عز الدين المسالمة (28 عامًا)، من بلدة بيت عوا الواقعة غرب دورا، جنوب الخليل.

وأضافت المصادر ذاتها أنه حاول التوجه إلى مقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية في بيت لحم لتسليم نفسه، وذلك بهدف تجنب اعتقاله من قبل قوات الاحتلال. في المقابل، نفى الناطق باسم الأجهزة الأمنية، أنور رجب، صحة هذه المعلومات. وقال في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "المعلومات المتوافرة لدينا حتى الآن تؤكد أن هذا الخبر غير صحيح".

ورغم اعتقال منفذ العملية، تواصل قوات الاحتلال حملات المداهمة في مناطق جنوب الضفة الغربية وتغلق مداخل محافظتي الخليل وبيت لحم، وتعتقل والد منفذ العملية وأشقاءه. وقبيل اعتقال المسالمة كانت قوات الاحتلال قد حشدت قواتها العسكرية في بيت لحم، حيث أغلقت مداخل المحافظة كافة، ونفّذت عمليات اقتحام في ساحة كنيسة المهد، ومخيم الدهيشة، وبلدتي الدوحة والخضر، في محاولة للبحث عن المنفّذ.

توقيت عملية النفق ودلالاتها

تبرز أهمية عملية النفق من حيث توقيتها، إذ جاءت متزامنة مع قرارات استيطانية جديدة استهدفت محافظة بيت لحم، شملت الاستيلاء على 94 دونمًا من أراضي بلدة بيت جالا (حيث يقع حاجز النفق الذي أُقيم منذ 34 عامًا)، والتخطيط لتوسعة مستوطنة "غوش عتصيون" بإضافة 500 وحدة استيطانية جديدة. ويهدف الاحتلال من هذه التوسعات إلى تقليص مساحة الوجود الفلسطيني وخلق بيئة استيطانية أكثر نفوذًا وأمنًا للمستوطنين.

مع ذلك، أظهرت العملية أن الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المشددة لا تضمن دائمًا الأمن للمستوطنين ما دام الأمن معدومًا عن المواطن الفلسطيني، كما أشار منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان مازن العزة حديثه لـ"العربي الجديد".

يُعتبر حاجز النفق شريانًا رئيسيًا يربط مستوطنات الخليل و"غوش عتصيون" جنوبي الضفة الغربية بمستوطنات الوسط والشمال ومدن الداخل المحتل. وبحسب العزة، فإن العملية وقعت في موقع استراتيجي لا مفرّ للمستوطنين من المرور عبره، ما يجعلها عامل ضغط إضافي على سلطات الاحتلال، التي ستضطر إلى إعادة تقييم إجراءاتها الأمنية. ورغم تشديد الاحتلال لإجراءاته، تظهر عمليات المقاومة ردَّ فعل مباشراً عليها، ما يعكس صعوبة السيطرة الكاملة على هذا النوع من التحديات.

وليس هذا الهجوم الأول من نوعه عند حاجز النفق أو في مجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فقد شهدت مناطق جنوب وغرب بيت لحم عمليات سابقة، أبرزها عملية وقعت في السادس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، نفّذها ثلاثة مقاومين من مدينة الخليل، وأدت إلى مقتل إسرائيلي وإصابة ستة آخرين بجروح متفاوتة. استُشهد منفذو تلك العملية في أثناء محاولتهم الوصول إلى القدس عبر الحاجز. كذلك، نفّذ فلسطيني آخر عملية طعن عند الحاجز في الثالث عشر من مارس/ آذار الماضي، بعد أن ترجّل من دراجته الكهربائية، ما أدى إلى إصابة جنديين إسرائيليين بجراح.

وأوضح العزة أن الموقع الذي وقعت فيه العملية يُعد معقدًا لأي عمل مقاوم نظرًا لطبيعته الجغرافية والأمنية، قائلًا إن "الحاجز يقع في منطقة مكشوفة بين جبلين، مع شوارع واسعة محاطة بأنظمة مراقبة دقيقة، ويحدّه من الشرق إلى الشمال جدار الفصل العنصري، ومن الجنوب حواجز أمنية مشددة تفصل قرى حوسان، وبتير، والخضر، وتقوع، بعضها عن بعض".

ومع ذلك، فإن هذا الواقع الأمني المشدد لم يمنع تنفيذ العمليات، ما يبرز مقاومة الفلسطينيين للإجراءات القمعية الإسرائيلية. على الجانب الآخر، تُظهر هذه العمليات أن السلوك الاستيطاني الاحتلالي في المنطقة قد يصبح أكثر تكلفة وخطورة، ويجعل المستوطن فاقدًا للأمن في هذه الأماكن، إلا أن ذلك لا يلغي مخاوف من محاولات اتخاذ إجراءات استيطانية أكثر تطرفًا على الأرض.

بدوره، يرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عملية النفق "تعيد فتح النقاش الداخلي الإسرائيلي حول مدى نجاعة الأساليب المتبعة في تحييد الضفة عن العمل المقاوم، حيث سينعكس ذلك على وجهتي نظر: الأولى التي يتبنّاها جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الداعية إلى تحسين حياة الفلسطينيين وإشغالهم بقضايا حياتية اقتصادية واجتماعية، ما قد يساهم في تحييد الضفة. والثانية التي تعتمد على القمع والتضييق الأمني، والتي أظهرت نتائجها أن زيادة الضغط الأمني تؤدي غالبًا إلى تصاعد العمليات الفلسطينية".

ووفق الشوبكي "بالتالي، فإن النقاش داخل إسرائيل عقب العملية، لن يكون مبنيًا على أسس مهنية في الوقت الحالي، بل يتأرجح بين رؤى سياسية مختلفة، حيث إن المؤسسات الأمنية تسعى لتحقيق الاستقرار والهدوء، بينما المستوى السياسي اليميني لا يهدف إلى ذلك، بل يدفع نحو مزيد من الضغط والاستيطان لتحقيق أهداف أيديولوجية وسياسية، منها فرض وقائع جديدة أو حسم الصراع بفارق القوة".

وتابع: "لا يمكن فصل العملية عن انسداد الأفق السياسي وشعور إسرائيل بعدم وجود ضغط كافٍ لثنيها عن سياساتها، سواء تجاه قطاع غزة أو الضفة الغربية، بالتالي يأتي هذا الاندفاع باتجاه تنفيذ مثل هذه العمليات، سواء بقرار فردي أو تنظيمي. ورغم ذلك، لا شك أن مخططات الاستيطان تمثل عاملًا إضافيًا محفزًا للعمليات". وأوضح أنه "على الجانب الآخر فإن نجاح عملية أمس، والعمليات السابقة، يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ عمليات مشابهة، سواء من منطلق معنوي أو تنظيمي، فيما ستسعى إسرائيل للاستمرار في استخدام أدوات القمع والاستيطان، مع محاولات لترسيخ فكرة أن الاستيطان يؤدي دورًا أمنيًا وليس فقط عقائديًا أو توسعيًا".