بعد مئة يوم من الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي وارتكابها مجازر بشعة في قطاع غزة، ومحاولتها إفراغ ساحة الضفة الغربية عبر شنّ حملات اعتقال طاولت نحو ستة آلاف فلسطيني، جاءت عملية إطلاق النار واقتحام مستوطنة "أدورا" المقامة على أراضي قرية ترقوميا غرب الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
ونفذ العملية النوعية ثلاثة شبّان أبناء عمومة من العائلات الفلسطينية الغنية ماديا، وهم من بلدة إذنا غرب الخليل، قبل يومين، وأدت لإصابة مستوطنٍ واستشهادهم، لتثبت فشلًا أمنيًا إسرائيليًا جديداً.
وأظهرت مقاطع مصورة نشرت عبر الإعلام الإسرائيلي ثلاثة شبّان يتسللون إلى المستوطنة عبر ثغرة من الجدار الشائك، وعرفوا لاحقًا، وهم الشهداء: إسماعيل أحمد أبو جحيشة (19 عامًا)، ومحمد عرفات أبو جحيشة (15 عامًا) وعدي إسماعيل أبو جحيشة (16 عامًا) ثلاثتهم أبناء عمومة.
وشهدت محافظة الخليل تصاعدًا في عمليات المقاومة خلال العام المنصرم، حيث نُفّذ فيها 1899 عملًا مقاومًا، من بينها أكثر من 500 عمل خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما بين إطلاق نار وإلقاء حجارة ومواجهات تخللها إلقاء زجاجات حارقة وتظاهرات، وفق مركز المعلومات الفلسطيني "معطى".
عملية الخليل: شكل جديد للاحتجاج الفلسطيني
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل عماد البشتاوي، خلال حديث لـ"العربي الجديد: "إن خطورة العملية على الاحتلال تنبع من مكانها الذي نفذت فيه، حيث تخطت فكرة (الحواجز الجغرافية)، وبالتالي أثبتت فشل (عقيدة الاستيطان الإسرائيلي)، حيث تقع مستوطنة (أدورا) على سفوح جبال الخليل الغربية ومحاطة بمساحة فارغة للحراسة الأمنية، ومع ذلك، تمكّن المنفذون الفتية من اقتحام المستوطنة رغم عدم تحقيق هدفٍ كبير، ما يؤكد أن العملية تحمل طابع العمليات الفردية ولو كان منفّذوها ثلاثة".
ووفق البشتاوي، فإن "ما يقلق الاحتلال بشكل أكبر، رغم أنها عملية فردية، هو تعبيرها عن شكلٍ جديدٍ للاحتجاج الفلسطيني ردًا على ما يجري في غزة، حيث عمدت قوات الاحتلال إلى اعتقال أكبر قدرٍ ممكن من القيادات التنظيمية الفصائلية، وإلى تشديد الخناق والقيود الأمنية على حركة الفلسطينيين، وتحديدًا جنوبي الضفة، حتى باتت إسرائيل تشعر أن منطقة جنوب الضفة ولو أن التعامل معها بحذر، لكنها منطقة تحت السيطرة وغير مخيفة".
وأكد أن العملية "جاءت لتثبت إمكانية تنفيذ اختراقٍ أمني بشكل غير معقد، في حال قرر أي تنظيم فلسطيني تشكيل خلية عسكرية لتحاكي تسلل الشبّان الثلاثة إلى مستوطنة أدورا".
من جانبه، يقول محمد أبو جحيشة، أحد أقارب الشهداء، خلال حديث مع "العربي الجديد": "إن الشبّان الثلاثة تربطهم علاقة متينة بعضهم ببعض، ومن عائلات ملتزمة دينيًا، حيث اعتادوا الوجود والصلاة في المساجد، فيما كانوا متأثرين بمشاهد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجاءت العملية كردة فعلٍ طبيعية على المجازر الإسرائيلية".
وفي أعقاب العملية، دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتعزيزات كبيرة إلى الموقع، وأطلقت قنابل ضوئية في سماء بلدة إذنا والمناطق المجاورة لها، كما أغلقت مدخلها الرئيسي، واقتحمت البلدة وبدأت بملاحقة المواطنين، وإطلاق قنابل الغاز والصوت، واقتحام بيوت عائلات الشهداء.
الشهداء الثلاثة من عائلات غنيّة ماديًا، ويعملون مع آبائهم في التجارة، وكانوا في وقت سابق قد جهّزوا منازل لهم للزواج في المستقبل القريب، لكن ذلك لم يمنعهم من التعبير عن غضبهم مما يجري في قطاع غزة، وفق ما يوضح أحد أقاربهم.
ويقول مفضلاً عدم ذكر اسمه: "لم تسلم منازلهم من الاعتداء خلال اقتحام البلدة، حيث تعمّدت قوات الاحتلال إطلاق الرصاص بشكل عشوائي على أثاث المنازل والممتلكات، وضرب أقاربهم وأهاليهم، بالإضافة لتخريب وإعطاب مركبة تعود لوالد أحد الشهداء".
ولاحقًا، اعتقلت قوات الاحتلال عددا من ذوي الشهداء، وأجرت معهم تحقيقًا ميدانيًا، وحتى اللحظة لم تفرج عن أحمد أبو جحيشة، وهو والد الشهيد إسماعيل، فيما اقتحمت، أمس، بيت عزاء الشهداء بمنطقة خلة الغزال في البلدة، وأطلقت الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط وقنابل الصوت والغاز السام في الهواء، وفرّقت الحاضرين وأهالي الشهداء وأبلغتهم بمنع إقامة بيت عزاء أو رفع الأعلام والرايات، واقتصار عدد الحضور على عشرة أشخاص، وفق ما يقول أبو جحيشة.
وفي أعقاب العملية، أعلنت القوى الوطنية في بلدة إذنا الإضراب الشامل، كما أغلقت قوات الاحتلال، لأول مرة في تاريخ البلدة، مدخلها الرئيسي عبر إغلاق البوابة بشكل تام، كما أغلقت الطرق الفرعية بالسواتر الترابية، وحاصرت السكّان الذين يزيد عددهم عن 30 ألفًا، فيما أغلقت كل الطرق الفرعية والرئيسية لمحافظة الخليل، بالإضافة لإغلاق حاجز "النفق" المقام غرب بيت لحم، والذي يعتبر البوابة الواصلة بين جنوب الضفة الغربية ومدينة القدس.