عملية احتلال مدينة غزة: تطويق بالنار والتهجير قبل الاقتحام
استمع إلى الملخص
- تعتمد المقاومة الفلسطينية على تكتيكات مضادة مثل الكمائن والأفخاخ، مما كبد قوات الاحتلال خسائر كبيرة، بينما يقوم الاحتلال بفحص المباني لتجنب التفخيخ.
- يسعى الاحتلال لتجنب القتال المباشر عبر أسلوب "الأرض المحروقة"، مما يتيح تقدمًا أكثر أمانًا، لكن طول خط الإمداد وكمائن المقاومة قد يؤديان إلى معركة استنزاف طويلة.
يواصل الاحتلال الإسرائيلي توسيع عمليته العسكرية في حي الزيتون والصبرة، جنوب شرقي مدينة غزة للأسبوع الثاني على التوالي، بالتزامن مع إعلانه عن خطته الرسمية لاحتلال المدينة التي تشكل مركزاً لقطاع غزة. وقبل يومين فقط، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء الفرقة 99 عملياتها العسكرية في حي الزيتون بشكل رسمي، علماً أن مناطق الزيتون والتفاح والدرج والصبرة تتعرض لقصف متصاعد وعنيف منذ أكثر من عشرة أيام. ويعيد ما يجري حالياً للأذهان بداية العملية العسكرية البرية في القطاع في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حين كان الاحتلال يستخدم أسلوب التطويق والحصار الناري قبل تسلل قواته إلى داخل المناطق السكنية. ويتّبع الاحتلال في الحرب على القطاع أسلوب "الضاحية" الذي استهدف فيه الضاحية الجنوبية لبيروت، إبان حرب لبنان عام 2006، والذي يقوم على استراتيجية "القصف السجادي"، الذي يستخدم فيه أسلوب القصف الناري العنيف. ويقوم هذا الأسلوب على مسح أحياء ومربعات سكنية عبر القصف الجوي والمدفعي قبل تحرك القوات البرية على الأرض، ثم يتبعه بعمل بري على الأرض يقلص فيه من إمكانية تعرض قواته للاستهداف.
يقوم أسلوب "الضاحية" على مسح الأحياء عبر القصف الجوي والمدفعي قبل تحرك القوات البرية على الأرض
تكتيكات المقاومة
غير أن المقاومة الفلسطينية عمدت منذ بداية هذه الحرب إلى اتباع أسلوب مضاد لمواجهة هذا الأمر يقوم على ترك القوات الإسرائيلية تتقدم ثم تقوم بعمليات استهداف لها عبر الكمائن والأفخاخ المعدة مسبقاً. وكثيراً ما دارت اشتباكات ضارية في عدة مدن ومحاور قتالية شهد القطاع فيها تكبّد قوات الاحتلال خسائر كبيرة على مستوى الجنود والضباط، حيث قتل وجرح المئات منذ بداية حرب الإبادة. في المقابل، يعتمد الاحتلال على أسلوب فحص المباني والبيوت قبل الدخول إليها، خشية من تفخيخها من قبل عناصر المقاومة وهو ما كان يدفع بالاحتلال لتدمير هذه المباني وهدمها كلياً أو فحصها عبر الكلاب أو عبر وحدات مدربة. ومع بدء العملية العسكرية في حي الزيتون، فإن عملية حصار مدينة غزة قد تكون انطلقت بشكل فعلي من الخاصرة الجنوبية الشرقية للمدينة، ثم قد يتبعها تقدّم من المحور الشمالي الغربي منها في وقت لاحق. ويستعد الاحتلال الإسرائيلي لإخلاء نحو 800 ألف نسمة استعداداً لتنفيذ عمليته العسكرية الكبرى في مدينة غزة، ومن المقرر أن يطالب السكان بالتوجه نحو مناطق وسط القطاع ومواصي خانيونس ورفح.
وعن ذلك، قال الباحث في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن جيش الاحتلال بدأ عملية عسكرية في حي الزيتون، تقودها الفرقة 99 مستخدمة لواءين فقط، بالتزامن مع غارات جوية مركّزة على جنوب الحي، إلى جانب قصف مدفعي كثيف، فيما حلّقت الطائرات المسيّرة فوق المنطقة لبثّ أوامر إخلاء، الأمر الذي أدى إلى نزوح جماعي للمدنيين. وأضاف أبو زبيدة أن الدبابات تقدمت سريعاً من الجهة الشرقية حتى وصلت إلى الطريق رقم 8 جنوب الزيتون، في حين شرعت الجرافات العسكرية بهدم الأبنية، واستُهدفت العمارات العالية في الزيتون والصبرة بقصف جوي مباشر. وأشار إلى أن جيش الاحتلال استخدم في عمليته وسائل قتال متعددة، بينها الحاويات المتفجرة والروبوتات المفخخة لتأمين التقدم، مؤكداً أن عشرات المنازل دُمّرت خلال 72 ساعة فقط من بدء الهجوم.
رامي أبو زبيدة: اعتماد أسلوب "الأرض المحروقة" يعكس رغبة الاحتلال في تجنّب القتال المباشر
تدمير غزة
ولفت أبو زبيدة إلى أن القصف طاول أيضاً مدارس تحوّلت إلى ملاجئ للنازحين، ما تسبّب في موجة نزوح جديدة، فيما تواصلت عمليات تفجير المنازل جنوب الحي تحت غطاء نيران المدفعية الثقيلة. وبيّن أن الاحتلال يعتمد تكتيكاً يقوم على "التطويق بالنار ثم الإخلاء القسري"، موضحاً أن هذا الأسلوب يبدأ بقصف مكثف يجبر المدنيين على الخروج، يتبعه اقتحام مدرّع سريع عبر محاور رئيسية أبرزها شارع 8، ثم هدم شامل باستخدام الآليات الهندسية لإزالة البيئة العمرانية. وأكد أن الهدف المعلن من العملية هو إفراغ الحي خلال 72 ساعة، لكنه أضاف أن الاحتلال يسعى في حال نجاحه إلى تعميم النموذج على كامل مدينة غزة خلال الفترة المقبلة، مبيناً أن السيطرة على شارع 8 تُعدّ المحور الحاكم للعملية، إذ يفتح الطريق نحو تل الهوا ـ الصبرة ثم شارع الرشيد، بما يتيح للاحتلال إمكانية تطويق مدينة غزة من العرض.
وبحسب أبو زبيدة، فإن اعتماد أسلوب "الأرض المحروقة" يعكس رغبة الاحتلال في تجنّب القتال المباشر داخل الأحياء، من خلال فرض معادلة تقوم على تدمير البيئة الحضرية، وإحداث نزوح قسري، وتأمين تقدم أكثر أماناً للدروع والجرافات. وبيّن أبو زبيدة أن ما يجري في الزيتون ـ الصبرة ليس مجرد عملية محدودة، بل يمثل نموذجاً لخطة احتلال غزة بالكامل: قصف شامل يعقبه نزوح جماعي، ثم اقتحام مدرّع وهدم كامل. لكنه شدّد في الوقت نفسه على أن طول خط الإمداد شرق ـ غرب، وحتمية مواجهة كمائن المقاومة داخل البيئة المدمّرة، قد يفتح الباب أمام معركة استنزاف طويلة، مهما حاول الاحتلال تسريع وتيرة عملياته. وسبق للاحتلال الإسرائيلي أن عمل في مدينة غزة خلال الفترة ما بين نهاية أكتوبر 2023 وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام عينه، قبل أن ينسحب للأطراف الشرقية من المدينة ويتمركز هناك، علماً أن المدينة تشكل مركزاً سياسياً وديمغرافياً بالنسبة للقطاع.