عملية "الجلمة" تُقلق إسرائيل: المقاومة داخل أجهزة الأمن الفلسطينية

عملية "الجلمة" تُقلق إسرائيل: المقاومة حاضرة داخل أجهزة الأمن الفلسطينية

17 سبتمبر 2022
لا يعد انخراط رجال الأمن وعائلاتهم في المقاومة أمراً غريباً (Getty)
+ الخط -

تتزايد وتيرة اتهام الاحتلال الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية بعدم السيطرة على الأرض، رداً على موجة المقاومة وعمليات نوعية في الضفة الغربية مؤخراً، مع إطلاق إنذار بخطورة مشاركة عناصر الأمن الفلسطيني في المقاومة.

واعتبر قادة الاحتلال أن مشاركة الشهيد أحمد عابد، أحد عناصر جهاز الاستخبارات الفلسطينية، في تنفيذ عملية حاجز الجلمة المقام شمال شرق جنين شمالي الضفة، مؤشراً خطيراً يضاف إلى خطورة تدحرج المقاومة من جنين التي باتت تعرف بـ"عش الدبابير" إلى بقية أنحاء الضفة الغربية، فلم يعد المقاومون ينتظرون اقتحام قوات الاحتلال أماكن سكناهم للاشتباك معها، كما جرت العادة منذ معركة سيف القدس في مايو /أيار العام الماضي.

لكن، بحسب ما أوردت قناة "كان" الإسرائيلية، أجهزة الأمن الفلسطينية تلقت رسالة من إسرائيل بشأن تشديد الإجراءات ضدها على خلفية مشاركة أحد عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية في هجوم الجلمة.

ويرى عدد من المحللين السياسيين أن تزايد عدد المقاومين من عناصر الأجهزة الأمنية، سواء الشهداء أو المعتقلين، يؤكد فشل مشروع المنسق الأمني الأميركي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الجنرال كيث دايتون، قبل 17 عاماً، ليدرب الأمن الفلسطيني على عقيدة أمنية وظيفتها حماية الاحتلال وإحباط أي عمل مقاوم.

وفي رده على سؤال لإذاعة الاحتلال حول تنفيذ عابد، وهو رجل أمن، عملية "الجلمة"، رد محافظ جنين أكرم الرجوب على السؤال، بحسب ما نشر موقع "مدار" الإخباري، أمس الخميس، بالقول: "هذا شيء غير جيد، ولا نريد شيئاً كهذا، ولكن رجل الأمن هو ابن الشعب الفلسطيني، وهو لم يتسرب للأجهزة الأمنية، وشيء كهذا يحصل في كل مكان في العالم، حتى لديكم يحصل شيء كهذا، وليس فقط في السلطة الفلسطينية".

ورغم محدودية مشاركة رجال الأمن في موجة المقاومة الحالية، لكن ذلك يعتبر مؤشراً كبيراً يعكس مدى إحباطهم من مشروع السلطة والأجهزة الأمنية التي لا تستطيع حماية شعبها من الاحتلال، بل إن الأمور أخدت أبعاداً أكثر قسوة عندما لا يستطيع عقيد في جهاز الأمن الوقائي حماية ابنه من الاغتيال في قلب مناطق "أ"، بحسب اتفاق أوسلو، كما حدث مع الشهيد إبراهيم النابلسي (19 عاماً).

وتلقى والد الشهيد إبراهيم النابلسي اتصالات هاتفية عدة من ضباط في الاحتلال قبل استشهاد ابنه يهددونه بقتله، واقتحام الاحتلال منزله بحثاً عن إبراهيم، وأطلق عليهم الكلاب المفترسة لتخويفهم، حسب مصدر قريب من العائلة.

وما يزيد المشهد الفلسطيني غرابة أن الشهيد إبراهيم النابلسي، على سبيل المثال، تم اعتقاله وهو في السادسة عشرة من عمره من قبل الأمن الوقائي على خلفية عمله المقاوم لمدة ستة أشهر، وبعد نحو ثلاث سنوات استشهد النابلسي تاركاً وصيته بصوته قبل لحظات من استشهاده قبل أكثر من شهر "بشرفكم ما تتركوا البارودة يا شباب".

ويقول ضابط أمن رفيع من مدينة نابلس لـ"العربي الجديد": "لقد نجح الاحتلال في إحراج السلطة وأجهزة الأمن، لا نستطيع حماية شعبنا ولا أولادنا من القتل أو الاعتقال في قلب المدن الفلسطينية التي من المفروض أن تكون تحت السيادة الفلسطينية، حسب اتفاق أوسلو".

ويتابع رجل الأمن، الذي اشترط عدم ذكر اسمه خوفاً من التحريض الإسرائيلي وغضب جهازه الأمني: "لقد وصلنا إلى نهاية هذه التجربة المريرة، نعرف أن أبناءنا يتعرضون للاغتيال والقتل في عملية للاحتلال تستغرق ساعات، ولا نستطيع أن نفعل شيئاً، إن كل ما تنفذه إسرائيل من (أوسلو) هو الشق الأمني الذي يخدمها فقط".

ولعل قساوة المشهد وغرائبيته تتلخصان بأن الاحتلال عندما يريد أن يقتحم أي مدينة أو مخيم في مناطق "أ" يقوم بتبليغ الارتباط الفلسطيني، الذي يرسل إشارة "صفر صفر"، والتي تعني إخلاء الأمن الفلسطيني ذلك المكان وانسحابه إلى مقراته الأمنية حتى ينتهي "اقتحام قوات الاحتلال" حسب الشارع الفلسطيني أو "النشاط الأمني" حسب المصطلح الإسرائيلي، ولاحقاً بعد أن يستشهد المقاوم ويتم فتح بيت عزاء له يحضر عشرات من رجال الأمن الفلسطيني برتبهم المختلفة لتقديم العزاء، وربما يقدمونه لزميل لهم، كما حدث مع والد إبراهيم النابلسي، في مشهد يترجم حال الضعف والإحراج الشديد التي تعيشها السلطة وأجهزتها الأمنية.

صورة أخرى في جنين تعكس المشهد الفلسطيني الحالي، إذ أصبح العقيد في جهاز الأمن الوطني فتحي خازم والد الشهيد رعد، أحد أبرز المطلوبين للاحتلال، بعد تنفيذ ابنه عملية شارع "ديزنغروف" في تل أبيب في إبريل/ نيسان الماضي، وفشل الاحتلال في اعتقاله أكثر من مرة، وباتت كلمات الوالد التي تحضّ على المقاومة والوحدة الوطنية بين الفصائل في مخيم جنين مصدر إلهام للشارع الفلسطيني، حيث قال قبل أيام في مخيم جنين وهو يحمل أعلام الفصائل المختلفة: "نحن في جنين جيش واحد".

وعمل والد الشهيد رعد سنوات في الأمن الوطني ووصل إلى أعلى رتبه العسكرية، قبل أن يصل خلافه مع العقلية الأمنية الرسمية إلى نقطة اللا عودة، حينها طُلب منه الجلوس في بيته وعدم العمل قبل سنوات قليلة، وهذا أسلوب تقوم به أجهزة الأمن حين تريد التخلص من عنصر بطريقة هادئة لا تعرضها للانتقاد نظراً لقيمة الرجل المعنوية في بلده.

وتسبب تصريح "أبو رعد" بعد اعتقال الاحتلال للقيادي بحركة الجهاد الإسلامي بسام السعدي، الشهر الماضي، بغضب الرئيس محمود عباس شخصياً، عندما قال خازم، في كلمة له موجهة لـ"سرايا القدس" الذراع العسكرية لـ"الجهاد الإسلامي" بغزة، "نحن معهم، وتحت إمرتهم، ونلتزم بتعليماتهم، وإنها قيادة رشيدة وحكيمة"، ليعلق الرئيس عباس لمن حوله: "هو جندي عندي والا عند الجهاد الإسلامي!"، حسب ما أكد مصدر لـ"العربي الجديد".

وفي صور أخرى للمشهد الفلسطيني، خلال الفترة القليلة الماضية، استشهد الفتى عدي طراد (15 عاماً) الخميس الماضي، خلال اقتحام قوات الاحتلال قرية كفرذان غرب جنين ووالده ضابط بجهاز الشرطة الفلسطينية، وفي شهر أغسطس/ آب، استشهد الشاب وسيم خليفة من مدينة نابلس والده ضابط بالأمن الفلسطيني أيضاً.

كذلك أُصيب ضابط الشرطة محمود حجير برصاص الاحتلال على حاجز حوارة جنوب نابلس وجرى اعتقاله، واعتقل الاحتلال ضابطاً في حرس الرئاسة من بلدة سلواد شرق رام الله، شمالي الضفة بعد محاصرة منزله وهو أب لأسيرين، كما اعتقل الاحتلال بعملية عسكرية الضابط بالأمن الوقائي محمد الطوباسي في مخيم جنين في مايو/ أيار الماضي.

ولا يعد انخراط رجال الأمن وعائلاتهم في المقاومة أمراً غريباً، إذ قاد مئات من رجال الأمن الانتفاضة الثانية ما أسفر عن استشهادهم أو اعتقالهم، لكن الأمر تغير بشكل جذري بعد 2005، حيث عمل دايتون على تغيير العقيدة الأمنية للأمن الفلسطيني، بإعادة هيكلية وتعقيم يضمن عدم تكرار تجربة هبة النفق 1996 وانتفاضة الأقصى، فتغيّرت عقيدة الأمن الفلسطيني رسمياً، لكن إسرائيل لم تتغير.

واستشهد دايتون بمحاضرةٍ له في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط عام 2009، باقتباس من رجل أمن فلسطيني خلال تخريجه، "أنتم يا رجال فلسطين قد تعلمتم هنا كيف تحققون أمن الشعب الفلسطيني وسلامته، ولم تأتوا هنا لتتعلموا كيف تقاتلون إسرائيل".

وتطالب إسرائيل القيادة الفلسطينية بالسيطرة على الأرض، حسب ما جاء باجتماع في الثامن من الشهر الجاري، لقادة أمن الاحتلال مع حسين الشيخ، وهو مسؤول التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وماجد فرج رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية، إذ كان هدف الاجتماع حسب الإعلام الإسرائيلي "التوصل لاتفاق إعادة نشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية في شمالي الضفة الغربية وتحديداً نابلس، لكن ذلك الاتفاق لم يتم، وستستمر المحادثات والتنسيق الأمني كالمعتاد".

ومن غير المعروف لماذا طلب الاحتلال من الشيخ وفرج السيطرة على نابلس وليس جنين، أو كليهما معاً، لكن مصدراً مسؤولاً أكد لـ"العربي الجديد" أن موضوع الاجتماع كان وجوب سيطرة الأمن الفلسطيني على نابلس.

وفي حين يستطيع الأمن الإسرائيلي أن يطلب من السلطة الفلسطينية ما يريد، فإن السلطة لا تستطيع الضغط عبر هذه المحادثات والاجتماعات العديدة مع قادة الاحتلال أن تحقق مطلباً واحداً كإطلاق سراح الأسير ناصر أبو حميد، الذي تشير كل التقارير الطبية إلى أنه "يحتضر" متأثراً بإصابته بمرض السرطان والإهمال الطبي.

وحول وجود محاولات من القيادة لإثارة قضية إطلاق سراح أبو حميد باجتماعاتها مع الاحتلال، يقول ناجي أبو حميد، شقيق الأسير ناصر: "لا نسمع منهم أي شيء، هناك حالة من صمت القبور".