عمليات تركيا شمالي العراق ضد "الكردستاني": استهداف للقدرات والقيادات

العمليات التركية شمالي العراق ضد "الكردستاني": استهداف للقدرات والقيادات

04 يونيو 2021
جنود أتراك في المنطقة الحدودية مع العراق (أوزكان بيلغين/الأناضول)
+ الخط -

تُنهي العمليات العسكرية التركية شمالي العراق، اليوم الجمعة، أسبوعها السادس على التوالي، منذ إعلان أنقرة في 23 إبريل/ نيسان الماضي، بدء تنفيذ سلسلة جديدة من الهجمات التي تستهدف معاقل ومُقدّرات مسلحي حزب "العمال الكردستاني" في المناطق العراقية الحدودية مع تركيا ضمن إقليم كردستان، شمال دهوك وشرقي أربيل. وقد أطلقت السلطات التركية عمليتي "مخلب البرق"، و"الصاعقة"، في إشارة لمشاركة القوات البرية والجوية في العمليات التركية التي تشمل مناطق مختلفة وعلى عمق يبلغ نحو 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، أبرزها العمادية وزاخو ومتين وأفاشين وباسيان وكيسته والزاب وبرواري وشلادزي وديرلوك، إضافة إلى سلسلة جبال قنديل، حيث ينشط مسلحو حزب العمال في تلك المناطق ويستخدمونها منطلقاً لتنفيذ اعتداءات متكررة ضد الأراضي التركية المجاورة.

ونفّذت القوات الجوية التركية خلال الأسابيع الماضية عشرات الضربات الجوية التي استهدفت مقرات ومراكز وجود مسلحي الحزب، عدا عن القصف المدفعي المستمر، إذ أدت سيطرة القوات التركية أخيراً على قمة جبل شاقولي العراقي الحدودي، إلى منحها أفضلية في السيطرة على المناطق المجاورة.

مسؤولون أكراد في دهوك وأربيل يتحدثون عن تكبد الحزب خسائر بشرية ومادية

وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الذي يمارسه حزب "العمال الكردستاني" على مجمل الأوضاع في المدن والبلدات الحدودية العراقية التي يسيطر عليها، إلا أنّ مسؤولين أكراد في دهوك وأربيل يتحدثون عن تكبد الحزب خسائر بشرية ومادية في الأسابيع الماضية، بفعل الضربات الجوية والعمليات التي تنفذها وحدات كوماندوس تركية عبر عمليات إنزال أو توغل بري مباشر. وبدا لافتاً أيضاً خلال الأسابيع الماضية استخدام بعض سياسيي ومسؤولي إقليم كردستان عبارة "احتلال"، في إشارة إلى وجود مسلحي حزب العمال في مدن الإقليم الحدودية مع تركيا والتي خرجت عملياً عن سيطرة حكومة أربيل وكذلك بغداد.

من جهته، قال ضابط في "اللواء 80" في قوات البشمركة التي تنتشر على أطراف مدينة زاخو (50 كيلومتراً شمالي دهوك)، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "العمليات التركية الأخيرة شهدت تحولاً جديداً من خلال ضرب الأهداف المتحركة لمسلحي حزب العمال، كالسيارات والدوريات الراجلة لعناصر الحزب في المناطق التي يسيطرون عليها، وهو ما أوقع خسائر غير قليلة في صفوف الحزب". وأشار إلى "تدمير مخزن ذخيرة كبير لمسلحي الكردستاني بواسطة ضربة جوية تركية، ما تسبب بانفجارات ضخمة بفعل تطاير الشظايا الناجمة عن انفلاق الصواريخ والقذائف الموجودة فيه بمنطقة تتبع لناحية شيلادزي، شمال محافظة دهوك، وهو ما أدى إلى اشتعال حريق ضخم أتى على مساحات كبيرة من منطقة الغابات". وأكد الضابط أنّ "المقاتلات التركية دمرت كهوفاً وأنفاقاً في مناطق حدودية مع تركيا يستخدمها مسلحو حزب العمال للتنقل والاختباء وتخزين السلاح".

وحول مجمل الأوضاع داخل مناطق نفوذ الكردستاني، قال المتحدث نفسه إنه "لا يمكن لأحد الدخول لمناطق انتشار مسلحي الحزب لمعرفة حجم الخسائر الحقيقية، ولا حتى المواطنين العاديين الذين هجروا قراهم ومزارعهم بفعل المعارك والقصف اليومي، غير أنّ معلومات استخبارية تشير إلى اشتباكات مباشرة بين القوات التركية ومسلحي الحزب بالتزامن مع عمليات قصف جوي ومدفعي، ويظهر أنّ القوات التركية تستغل هذه الأيام التي ينعدم فيها الضباب، لتنفيذ أكبر قدر ممكن من الهجمات". ولفت إلى أنّ "حجم خسائر مسلحي الحزب تتضح أكثر من خلال ملاحظة انسحابهم الأخير من مناطق وقرى عدة لصالح الجيش التركي في ضواحي سيدكان وسوران والزاب وقرب جبل لينكي وبيركات، وقرى عدة، أبرزها بكر وأيدن ودشيش، شمال ناحية ديرلوك، خلال الأيام الماضية". وكشف الضابط عن "وقوع خسائر مادية في ممتلكات المواطنين في تلك المناطق جراء المعارك والقصف، فضلاً عن وقوع ثلاثة جرحى مدنيين خلال عمليات نفذتها طائرات ضد سيارات تقل مسلحين لحزب العمال".

مسلحو حزب العمال الكردستاني تراجعوا نحو القرى المأهولة بالسكان وحول المدن

وأكد هذه المعلومات موقع "داركا مازي" الإخباري الكردي، إذ نقل، الثلاثاء الماضي، عن مصادر لم يسمها، قولها إنّ "مسلحي حزب العمال الكردستاني تراجعوا نحو القرى المأهولة بالسكان وحول المدن، متهماً مسلحي الحزب "باستخدام الأهالي دروعاً بشرية للاحتماء من القصف التركي بعدما اشتد في الفترة الأخيرة".

في المقابل، تحدثت مصادر أخرى في دهوك أيضاً، عن مقتل العضو البارز في حزب العمال الكردستاني عكيد روجهلات، مع آخرين كانوا برفقته، بقصف جوي تركي استهدف جبل متين، شمال غرب مدينة العمادية التابعة لمحافظة دهوك، في الأيام الأولى للعمليات التركية.

وحول العمليات التركية الحالية، قال الخبير في الشأن الكردي عمر برزنجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "العمليات التركية الجديدة لا تختلف من حيث الأهداف عن عمليات صيف عام 2020 الماضي، من ناحية التركيز على إنهاك قدرات الحزب العسكرية وإبعاد خطره عن الأراضي التركية عبر فرض الأتراك سيطرتهم على مزيد من المناطق الحدودية العراقية ضمن إقليم كردستان، والتي من خلالها يتسلل مسلحو الحزب إلى داخل تركيا لتنفيذ الهجمات". وأضاف: "لكن أسلوب العمليات تغيّر أو تطور خلال الأسابيع الماضية، ويظهر ذلك من خلال تجنّب الاجتياح الواسع للقرى والمناطق الجبلية والتركيز على عمليات الإنزال ضد أهداف منتخبة، فضلاً عن ضرب مقرات ومخازن الحزب، واستهداف تنقلاته وتفجير أنفاق وكهوف يستخدمها الحزب، مع دخول الطيران المستمر لساعات طويلة بشكل حد من تحرك مسلحي الكردستاني كثيراً".

وتحدث برزنجي عن "فقدان الحزب أسماء بارزة من عناصره بفعل العمليات التركية، بعدما قضت في الهجمات الأخيرة، وهو ما يبدو أنه هدف آخر للأتراك باستهداف الصف الأول من مسلحي الحزب، في تكتيك يذكر بالأسلوب الأميركي باستهداف قيادات تنظيمي القاعدة وداعش، لإضعافهما داخلياً".

وبحسب تقرير سابق لقناة "روداو"، المقربة من حكومة الإقليم في أربيل، فقد تم إخلاء خمس قرى جديدة منذ بدء العمليات التركية، وهي كيستة، جلكي، أدنة، ديشيش، وسرور، من سكانها بسبب خوف أهاليها على حياتهم.

ويوم الثلاثاء الماضي، قال "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في إقليم كردستان، بزعامة مسعود البارزاني، إنّ "الصراع بين حزب العمال وتركيا لم يجلب سوى الخراب والدمار لإقليم كردستان"، مبيناً أنه "ألحق دائماً الضرر والأذية والخراب بالحياة والبيئة والطبيعة في الإقليم، إلى جانب إفراغ قرى ومناطق من أهلها وإيقاف مظاهر الحياة فيها"، وطالب بغداد بـ"العمل على توجيه رسائل لأنقرة وكذلك لحزب العمال لوقف المعارك".

برزنجي: فقد الحزب أسماء بارزة من عناصره بفعل العمليات التركية

من جهته، وصف عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني" في السليمانية علي كريم العمليات التركية الجارية في مناطق عراقية بأنها "جاءت بعد تيقّن أنقرة من عجز بغداد وأربيل عن التحرك لحسم الملف وتسويته بدون قتال". وأضاف كريم في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تركيا سبق أن أبلغت مجلس الأمن والأمم المتحدة وجهات عدة بأنّ عملياتها الجارية في العراق تنطلق من مبدأ الدفاع عن النفس، وطالبت العراق بمنع استخدام أراضيه كمنطلق لشن هجمات على الجيران، لكن في الحقيقة تركيا كانت طرفاً في وصول مسلحي حزب العمال التركي إلى العراق باتفاقية مايو/ أيار 2013، التي وقعتها مع مسلحي الحزب، وكانت قائمة أساساً على مغادرة مسلحي الكردستاني إلى العراق، في ضوء استغلال الفراغ الأمني وضعف الدولة عموماً وقتها". واعتبر كريم أنّ "العراق ككل، وإقليم كردستان خاصة، تحوّل لضحية هذا الصراع، ووجود مسلحي حزب العمال الكردستاني جلب المشاكل وعدم الاستقرار للمنطقة".

وبشأن تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة حول مخيم مخمور بمحافظة نينوى، وتعهده بـ"تطهيره من مسلحي حزب العمال"، قال كريم إن "الحكومة في بغداد عليها أولاً أن تفك التحالف الحالي بين مسلحي حزب العمال وفصائل بالحشد الشعبي، والتي تتشارك المصالح في سنجار ومخمور، ومن ثم معالجة وجود مسلحي الحزب في محافظة نينوى عموماً"، واستبعد "إمكانية تنفيذ عملية عسكرية برية في مناطق غرب نينوى من قبل الأتراك لصعوبات جغرافية تتمثل ببعد المنطقة بنحو 100 كيلومتر عن الأراضي التركية، وكذلك تداخل القوات الموجودة فيها بين جيش عراقي وبشمركة ومليشيات مسلحة حليفة لإيران، إضافة إلى مسلحي حزب العمال".