يبدو أن الوجود الروسي في ليبيا سيصبح رسمياً قريباً، بعد سنوات طويلة من التخفي وراء شركات أمنية، على رأسها "فاغنر"؛ الذراع العسكرية غير الرسمية للكرملين.
فزيارة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف، رفقة وفد عسكري رفيع إلى بنغازي، أول من أمس الثلاثاء، تؤشر إلى ذلك، لكن الأهم هو معرفة في أي جزء من ليبيا سيكون هذا الإعلان الرسمي عن هذا الوجود؟
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن أي تفاصيل حول الزيارة، باستثناء تدوينة مقتضبة للمتحدث الرسمي باسم القيادة أحمد المسماري، على "فيسبوك"، أشار فيها إلى أن الزيارة جاءت "في إطار التعاون العسكري والأمني ومحاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود"، لم يوضح بيان وزارة الدفاع الروسية الخاص بالزيارة أي تفاصيل إضافية، باستثناء التأكيد على أنها "الزيارة الرسمية الأولى لوفد عسكري روسي إلى ليبيا"، وأنها جاءت بدعوة من حفتر.
وعلى الرغم من الغموض الذي لفّ الزيارة الروسية، إلا أن طبيعة الوفد ذي الطابع العسكري لا يمكن أن تكون بمعزل عن الوجود الروسي في ليبيا وصلاته بالمستجدات في المحيط الليبي.
وأول ما يمكن الوقوف عنده هو تزامن الزيارة مع حراك الجيش التشادي لاستهداف مواقع حركات المعارضة التشادية جنوب ليبيا، والأنباء المتداولة حول قيام القوات الفرنسية، الداعمة للنظام التشادي، بمناورات في المناطق الحدودية الليبية مع تشاد، ونقل 400 جندي فرنسي إلى قاعدة لويغ العسكرية الليبية (500 كيلومتر شمال الحدود الليبية النيجرية).
وقد يؤشر كل ذلك إلى علاقة ما بين الزيارة الروسية الرسمية، وما يحدث في الجنوب الليبي المفتوح على كل الساحات الأفريقية، ومنها النيجر وتشاد.
لم يخلق الحدث في السودان تداعيات كما خلقتها أحداث النيجر المرجحة للتصعيد في ظل استعدادات لقوات دول "إيكواس" المدعومة من فرنسا، للتدخل في النيجر لإرجاع رئيسها محمد بازوم، المعزول بانقلاب عسكري تحوم "فاغنر" قريباً من رموزه.
القراءات التي يمكن تقديمها عديدة، ومنها استباق الجيش التشادي بدعم فرنسي لتنظيف القطاع الحدودي مع ليبيا من وجود حركات التمرد التشادية التي يمكن أن تستثمرها "فاغنر" مجدداً في تدخل آخر لزعزعة استقرار الحكم في تشاد، ضمن سلسلة الأنظمة الأفريقية التي دعمت روسيا تغييرها.
لكن ما يثير المخاوف بشكل أكبر هو التركيز الذي حظي به الوجود الروسي في ليبيا، وتحديداً "فاغنر"، في كلمة مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن ليندا توماس غرينفيلد، خلال تعقيبها على إحاطة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، الثلاثاء، والتي جرت بالتزامن مع وجود يفكوروف في بنغازي.
فقد اعتبرت أن مسألة تأمين الحدود الليبية الجنوبية تحدٍ يواجه استقرار ليبيا والمنطقة، في ظل طموح "فاغنر" في الحصول على موطئ قدم.
بين الحراك العسكري الفرنسي والتحذير الأميركي الدبلوماسي، وبين الزيارة الروسية الرسمية لبنغازي، هل يشهد الجنوب الليبي تصعيداً يدفع إلى مواجهة دولية معلنة؟