علاقة الاتحاد الأوروبي وتركيا: هل يمكن خلق الثقة ونزع فتيل النزاعات؟

علاقة الاتحاد الأوروبي وتركيا: هل يمكن خلق الثقة ونزع فتيل النزاعات؟

25 مارس 2021
اتسمت العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بالصراع لسنوات (Getty)
+ الخط -

اتسمت العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بالصراع لسنوات، ويبدو الآن أن الجانبين يرغبان في تحسين مستوى التعاون وخفض التصعيد، لتعزيز بناء الثقة، مع إمكانية تعديل دول الاتحاد لعلاقتها مع الجارة المتوسطية، بعد أن منعت ألمانيا، على وجه الخصوص، خلال الأشهر الماضية، فرض عقوبات على أنقرة، ووعدت الأخيرة بأجندة إيجابية إذا ما غيّرت من سلوكها، إلى مجاهرة الرئيس رجب طيب أردوغان أن بلاده تريد بناء مستقبلها مع أوروبا، وسحب سفن استكشاف الغاز في شرق المتوسط، إلى إجراء محادثات مع أثينا كإشارة لوقف التصعيد، عدا عن نيته تعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان.

أمام هذا الواقع، يسود اعتقاد لدى الجانب الأوروبي أنه ينبغي خلق الثقة وسحب فتيل النزاعات مع أنقرة، وربما استخدام الحوافز لانتزاع تغييرات جوهرية من تركيا، خاصة أن الحل الجيوسياسي بين اليونان وقبرص وتركيا له أهمية بالغة للاتحاد الأوروبي، بعد دوامة من الأخذ والرد، مع قائمة الصراعات السياسية الطويلة من التنقيب عن مكامن النفط في شرق المتوسط تحت حراسة السفن الحربية التركية، والتدخلات العسكرية التركية في أذربيجان وليبيا وسورية. 

كذلك، فإن اتفاقية اللاجئين بين الاتحاد وأنقرة تكتسب بعدا خاصا، لأنها أنهت تدفق طالبي اللجوء من سورية عبر تركيا إلى أوروبا.

وسعيا لاستعادة الثقة، يعمد الاتحاد لتقديم مقترحات لمواصلة العمل باتفاقية اللاجئين مع تركيا، والتي مضى عليها خمس سنوات. 

وتعد المفوضية الأوروبية الخيارات بسرعة لمزيد من الدعم للاجئين والمجتمعات المضيفة في تركيا، حيث يدور الحديث عن رغبة لدى الجانبين بتمديد العمل بها كل لمصالحه، مع بعض التعديلات الجوهرية بعدما طاولتها إخفاقات عملية. 

وللاتحاد مصلحة حقيقية في البناء على ما تحقق من نجاحات في الملف خلال السنوات الأخيرة، بينما من أولويات تركيا الآن أن تقدم أوروبا، مباشرة للحكومة التركية وليس من خلال المنظمات غير الحكومية، مزيدا من الأموال لما يقارب 4 ملايين لاجئ، من المحتمل أن يبقوا على أراضيها لفترة طويلة.

سعيا لاستعادة الثقة، يعمد الاتحاد لتقديم مقترحات لمواصلة العمل باتفاقية اللاجئين مع تركيا، والتي مضى عليها خمس سنوات

إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي بادر لتعليق العقوبات على الموظفين والشركات التابعة لشركة النفط التركية الحكومية بعد أن استأنفت أنقرة المحادثات مع اليونان حول توزيع موارد الطاقة في شرق المتوسط، وبعد أن كان تم تحديد خمس نقاط كإجراءات عقابية، وفق ما أشارت إليه "زود دويتشه تسايتونغ"، بينها عقوبات وقيود على التعاون الاقتصادي والتجاري على بعض السلع والتكنولوجيات. وأيضا إصدار تحذيرات سفر للمواطنين، حيث تعول تركيا على السياح الأوروبيين، ويزورها سنويا أكثر من 50 مليون سائح من أوروبا.

وتحاول تركيا الاستفادة القصوى من موقعها الجغرافي كدولة جسر عبور بين أوروبا وآسيا، وهاجس أردوغان تحقيق استقرار لاقتصاد بلاده، مع تدهور سعر العملة وأزمة البطالة المرتفعة وتفشي وباء كورونا.

وأبرز كل من رئيس معهد الاقتصاد العالمي والبروفسور في جامعة كيل، غابرييل فيلبرماير، وزميله في جامعة كونستانس البروفسور في الاقتصاد أردال يالتشين، مع "دي فيلت"، أن "أنقرة تدفع الاتحاد الأوروبي نحو اتحاد جمركي لتحقيق الاستقرار في اقتصادها المتعثر، إلا أن بروكسل لا يمكن أن تلبي هذا الطلب، واتفاقية التجارة الحرة معها كافية في الوقت الحالي"، وأوضحا أن "الاتحاد الجمركي ليس مجرد اتفاقية تجارية، وهذا يتطلب التكامل السياسي على نطاق واسع، مع ما يشكله الاتحاد الجمركي من اندماج لأي بلد في الاتحاد الأوروبي".

في المقابل، تفيد التعليقات بأنه يسجل على أردوغان قوله إن التنازلات في نزاع الغاز غير واردة، ناهيك عن أن التهدئة تعرضت لانتكاسة جديدة مع العمل على حظر تركيا لحزب الزعيم الكردي المسجون صلاح الدين دميرتاس، إلى إعلان الرئيس أن بلاده ستنسحب من اتفاقية الأمم المتحدة لحماية المرأة من العنف، الأمر الذي رأى فيه منسق السياسة الخارجية جوزيب بوريل "إشارة خطيرة للعالم"، مع العلم أنه تم تجنب انتقاد أنقرة بقسوة، لأن هناك 6 دول أوروبية لم توقع بعد على الاتفاقية، هي لاتفيا وليتوانيا والمجر وبلغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا.

وعما إذا كانت حدود التقارب بين الجانبين ضيقة، قال مدير مؤسسة "هاينريش بول" في إسطنبول كريستيان براكيل، لصحيفة "تاغس شبيغل، إن "الرئيس التركي هو من يضع الأجندة التي لا يستطيع الأوروبيون إلا أن يتنفسوها، وفي كثير من الأحيان يتأوهون بلا حول ولا قوة"، مضيفا أنه "من الصعب على الاتحاد التنبؤ بالمستقبل في بلد مثل تركيا، وكل شيء ممكن سياسيا في أي وقت، فيما يبدو واضحا أن الاتحاد مازال ضائعا في مخاوفه". 

وأضاف براكيل: "إذا كان الأوروبيون يفكرون بفرض عقوبات، وهو موقف لا تدعمه ألمانيا، فهذا الخيار لا يهدف إلا إلى زيادة العدوانية معها"، مشدداً على أنه "لطالما كانت مشكلة السياسة الخارجية الألمانية والأوروبية هي التقزم الذاتي، وفي السنوات القليلة الماضية تمكن الرئيس التركي من إحداث ترجيح في ميزان العلاقة بشكل شبه كامل لصالح بلاده، لأن المرء في بروكسل وبرلين لا يجرؤ على تخيل إمكانية حل النزاعات بأي طريقة غير التهدئة".

المساهمون