عرّاب الفوضى

07 مارس 2025   |  آخر تحديث: 01:06 (توقيت القدس)
ترامب في الكونغرس، 4 مارس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلوكًا عدوانيًا واستعلائيًا، معبرًا عن رغبة في ضم غرينلاند وقناة بنما وكندا، واعتبر أوروبا عدوة، مما يعكس عقلية إمبريالية توسعية.
- استمر ترامب في استهزائه بالدول الأخرى، واصفًا ليسوتو بأنها "دولة لم يسمع عنها أحد"، مما يعزز صورة أميركا كدولة تتبنى سياسات فرض الإتاوات وتجاهل القوانين الدولية.
- يسعى ترامب للحصول على جائزة نوبل للسلام رغم سياساته العدوانية، مما يثير مخاوف من عالم تسوده الفوضى بدلاً من السلام والشرعية الدولية.

في خلال أسابيع قليلة، أصبح الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتصرف وفقاً للمثل القائل "كثور/فيل هائج في متجر صيني (للخزف)". الأمر لا يتعلق فقط بلغة جسده مقابل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. إذ منذ كان في طريقه إلى البيت الأبيض مجدداً، بدا ترامب كطفل أفلته أهله في متجر حلوى نهاية الأسبوع. يريد غرينلاند الدنماركية وقناة بنما، وضمّ كندا، ويعتبر أوروبا عدوة. وحيث يظن أنه قيصر العالم، فإنه يؤمن أن في يده تقرير مصير الأمم.

قدّم خطاب ترامب الأول بعد تنصيبه مجدداً رئيساً أمام الكونغرس الصورة الحقيقية للعجرفة والاستعلائية، التي لا يتردد أوروبيون بوصفها "إمبريالية توسعية". استهزأ بشعب غرينلاند البسيط بوصفهم "أناس لا يصدّقون" (وليس مدحاً)، وسط ضحكات نائبه جي دي فانس، وجمهوريين ينتفخون زهواً بخطابه القومي المتشدد. واقعياً، فعلت الولايات المتحدة الأفاعيل بسكّان غرينلاند الأصليين منذ وطأت أقدامهم الجزيرة في أربعينيات القرن الماضي، وبنت غصباً عنهم وعن كوبنهاغن مفاعلاً نووياً ونشرت مئات الصواريخ النووية، ولم تأبه لشكوى الناس قرب قاعدة ثولا من تداعيات الإشعاعات التي خلّفتها. ولو قُدّر لترامب لقام بنقل نحو 50 ألف غرينلاندي (وليس مع الدنماركيين المقيمين فيها) نحو "محميات"، مقلداً أجداده في سرقة أرض السكّان الأصليين.  

الاستهزاء الاستعلائي، كما فعل في فترته السابقة بحق أفريقيا وغيرها، طاول في خطابه دولة ليسوتو الجنوب أفريقية باعتبارها "دولة لم يسمع عنها أحد". في العقل الباطني لترامب، ودائرته المفضلة لليمين المتطرف الأوروبي، وبعض جماعات التفوق العرقي الأبيض، تبدو "عظمة" بلاده هي "أميركا اليانكي والكابوي"، كما يطلق عليها محتجون أوروبيون بقول: "ارحل إلى بلادك". بل أبعد من ذلك، يسميه ساسة غرينلانديون "سيكوباتي حقيقي".

ببساطة، لم يعد سؤال: "لماذا يكرهوننا؟" مقتصراً على "المتطرفين المسلمين"، وفق التعبير الأميركي. فترامب، بعقليته التي تشبه عائلة كورليوني المافيوزية، حيث تصف صحف دنماركية سياساته بأنها "فرض إتاوات على الدول"، يذهب بعيداً عربياً. ليس لأنه هائج وسط الخزف، مهدداً فلسطينيي غزة بالموت والجحيم، وتطبيق توراتي في الضفة الغربية لترحيل أهاليها، لمسح طاولة الحقوق الوطنية والكرامة الفلسطينية، بل لرفعه غطرسته إلى مستوى آخر في رغبة إعطاء أوامر لأنظمة العالم العربي للمساهمة في تصفية قضية فلسطين والذهاب إلى التطبيع بدلاً من حلّها.

وليست "كذبة نيسان" مبكرة أن عينه هو و"شبيحته" على "نوبل للسلام". يظن أنه بمثل هذه الفوضى وبرفع العصا عالياً، سيصبح "رجل سلام يحترمه" الجميع، ويشدد على "الاحترام" كإمبراطور لإمبراطورية، يتوقع لها بالمناسبة الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، التركي - الأميركي دارون أسيمغلو، أن تنهار قبل 2050.

على كل حال، ما يقال عن ترامب في صحف أوروبية شمالية شديد القسوة. حتى في تناولها أحلامه الإمبريالية المريضة عن قطاع غزة. بعضها لم تكتف بوضع إشارة "زائف" بعد نشر ذلك الفيديو الذي يصور القطاع بملكيته وملكية مجرم الحرب المطلوب دوليا بنيامين نتنياهو، بل قالت متهكمة إنها عقلية إمبريالية لا تأبه للقوانين الدولية.

الأمر الواضح، حتى في قراءات بعض حلفاء أميركا في أوروبا، أن عقلية دونالد ترامب "تحتقر الضعفاء، وتقيم وزنا للأقوياء، ولو كانوا متسلطين". باختصار، هذه الغطرسة المتسارعة لا تقود إلى سلام بل إلى عالم تسوده شريعة الغاب، لا الشرعية الدولية وقوانينها وأنظمتها. لهذا فإن ما ألقاه ترامب في الكونغرس هو بمثابة خريطة طريق لافتتاح عالم الفوضى، إذا لم يُنزل الرجل عن شجرة الاعتقاد أنه سيحكم العالم مثل العرّاب فيتو كورليوني.