عدوان إسرائيلي آخر على بلدة طمون جنوبي طوباس... نزوح وإخلاء وحصار
استمع إلى الملخص
- تأتي هذه الإجراءات ضمن عملية عسكرية إسرائيلية موسعة في شمال الضفة الغربية، بدأت في مخيم جنين وامتدت إلى مخيمات أخرى، وشهدت قصفًا جويًا أدى إلى استشهاد عشرة مواطنين.
- يعاني سكان طمون من عزلة تامة بعد إغلاق مداخل البلدة وتخريب خطوط المياه، دون تلقي دعم إنساني، ويعيشون في ظروف صعبة بعد نزوحهم.
فوجئ أهالي الأحياء الشرقية والجنوبية في بلدة طمون جنوب طوباس، شمال شرقي الضفة الغربية، باقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي البلدة وإجبار سكّانها على إخلاء منازلهم تحت قوّة السلاح، وإبلاغهم بعدم العودة إليها قبل عشرة أيام بدءاً من اليوم الأحد، ونشر ملصقات على جدران المنازل تهدد السكّان، بالتوازي مع حصار البلدة.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن، صباح اليوم، توسيع عملياته في مناطق شمال الضفة الغربية لتشمل بلدة طمّون، بعد أن أعلن سابقًا عن عملية عسكرية أسماها "الأسوار الحديدية" والتي بدأت في الواحد والعشرين من الشهر الماضي في مخيم جنين، ثم انتقلت إلى مخيّمات طولكرم، لتصل اليوم إلى طوباس؛ بهدف "القضاء" على المقاومة.
وفي ساعات فجر اليوم، اقتحم أكثر من 400 جندي "منطقة البطة – طريق السلمي" في طمون، وهي المنطقة المرتفعة المطلّة على جميع مناطق طمّون وطوباس، والواصلة بين البلدة والأغوار الشمالية الفلسطينية، وبدأوا عبر مكبّرات الصوت تهديد السكّان بالخروج القسري من المنازل أو إطلاق النار عليهم حال البقاء، وفق ما يقول أحد سكّان حيّ البطة، محيي بني عودة. وتابع في حديث مع "العربي الجديد" أن جنود الاحتلال أعلنوا عبر مكبّرات الصوت حظر التجول، وأمروا سكان البيوت بالمغادرة لمدة عشرة أيام.
وأضاف: "لم يكن هناك خيار أمامنا، فقد أجبرونا بالقوة تحت تهديد السلاح، وقالوا لنا بوضوح، إذا بقيتم هنا، فسنطلق النار عليكم". وتابع: "عائلتي مكوّنة من خمسة أفراد، بينهم أطفال، وكنا من أول العائلات التي تعرضت للاعتداء قبل إجبارنا على النزوح، وتعرضنا للضرب، وهددوني بالاعتقال، كما قاموا بتخريب المنزل وتكسير محتوياته بالكامل".
وبحسب بني عودة، "عندما أُجبرت على مغادرة المنزل، وقفت وعائلتي في الشارع مدة نصف ساعة محاطًا بالجنود الذين صوبوا أسلحتهم نحونا، لقد كنت أفكر إلى أين أذهب. في النهاية، لجأت إلى غرفتين صغيرتين تعودان لأحد الأقارب في البلدة، لكن لا توجد فيها أدنى مقومات الحياة، ولم يسمح لنا الاحتلال بحمل ما يلزمنا من المنزل". ويخشى بني عودة من أن يطول عدوان الاحتلال على طمون بشكل يحول دون قدرته على العودة إلى منزله، لا سيما بعد أن أجبر هو ونحو 20 عائلة في المنطقة التي يسكنها على مغادرة منازلهم.
ويصف بني عودة المشهد قائلاً: "يقتحم الاحتلال المنازل واحدًا تلو الآخر، من دون أن يسمحوا للسكان بأخذ أي شيء معهم، إذ إنه بمجرد اقتحامهم المنزل، يعلنون أنهم جيش، ويجبرون الجميع على المغادرة فورًا، وفي طريقنا داخل البلدة، كانت جرّافات الاحتلال تعمل على تجريف وتخريب بعض الطرقات". وقال أيضًا: "حتى هذه اللحظة، لم تتواصل معنا أي جهة، من جمعية الهلال الأحمر، أو الدفاع المدني، ولا أي منظمة إنسانية، أو جهة رسمية، ولا ندري كيف سنتمكن من مواجهة هذا الوضع".
بدوره، يقول رئيس مجلس بلدي طمّون ناجح محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن البلدة تشهد أوضاعًا متوترة غير مسبوقة، إذ إنه لم يسبق منذ سنين أن أجبر الاحتلال سكّانها على الخروج من منازلهم وإبلاغهم بعدم العودة إليها لمدة تتراوح بين عشرة أيام أو أكثر، وسط مخاوف حقيقية من إمكانية الاستيلاء على المنازل وعدم الخروج منها بتاتًا في ظل ما تشهده البلدة من اعتداءات غير مسبوقة، لا سيما بعد أن استُهدفت البلدة بقصف طائرات الاحتلال قبل أربعة أيام.
وكان الاحتلال قد قصف يوم الأربعاء الماضي المناطق الشرقية للبلدة، ما أسفر عن استشهاد عشرة مواطنين، يتهم الاحتلال عددًا منهم بتنفيذ عمليات مقاومة ضد جنوده. وأوضح رئيس مجلس بلدي طمون أن "تسارع الاعتداءات الإسرائيلية بحقّ البلدة ينذر بخطر يطاول جميع أهاليها وأرضها، لأن ما يجري حدثٌ مفاجئ، ولم يكن هناك استعداد للتعامل معه". ولفت محمود إلى أن عملية الاحتلال العسكرية مستمرّة في إخلاء المنازل التي يستولي عليها الجنود، وينشرون القنّاصة على أسطحها ونوافذها.
وقال محمود: "أقطن في المنازل المجاورة لعمليات الإخلاء، ولا أعلم إن كنا سنصل إلى نفس المصير أم لا. عشرات المواطنين أجبروا على النزوح، ولا نعلم إن كان الاحتلال ينفّذ عمليات اعتقال أو اعتداءات محددة، لأن البلدة أصبحت منطقة عسكرية مغلقة لا يمكن التحرك فيها إلا ضمن المناطق التي يحددها جيش الاحتلال".
وبهذا الاقتحام، يعزل جيش الاحتلال بلدة طمون عن محيطها في طوباس، وفق رئيس المجلس البلدي الذي أوضح أن البلدة مغلقة من الجهات الأربع، حيث أغلق الاحتلال المدخلين الرئيسيين للبلدة، كما أغلق طرقًا ترابية فرعية، وشرع بتخريب خطوط المياه المغذية لبعض الأحياء والأراضي الزراعية في مشهد يعيد للأذهان العمليات التخريبية نفسها التي يقوم بها في مخيمات جنين وطولكرم.
وعن وجهة العائلات التي تُجبَر على النزوح، أجاب رئيس البلدية: "لا أحد يعلم ما الذي سيحدث لاحقًا، والسكان يتوجهون إلى أقاربهم، سواء إلى منازل إخوتهم أو أمهاتهم أو أخواتهم". ويشير إلى أن اللافت في هذا الاقتحام هو عدم الإبلاغ المسبق، حيث جرت العادة أن يبلغ الاحتلال الإسرائيلي الارتباط الفلسطيني بأي اقتحام أو عملية عسكرية واسعة، غير أن هذه المرة كانت مفاجأة بعد أن تواصل المجلس مع الارتباط الذي أكّد عدم علمه المسبق بالاقتحام، وفق ناجح محمود.
ويتمركز جيش الاحتلال على جميع أطراف بلدة طمون، خاصّة الشرقية والجنوبية منها، كما ينشر آلياته العسكرية لمنع الحركة، ويحاصر 17 ألف مواطن داخل البلدة، ومع ذلك، هناك مخاوف من توسع نطاق العملية لتشمل البلدة بأكملها، ما جعلها شبه معزولة عن طوباس، وفق رئيس المجلس.