استمع إلى الملخص
- القرار لم يحقق النتائج المرجوة؛ إذ لم يوقف الدعاوى القضائية الإسرائيلية ولم يغير موقف الحكومة الإسرائيلية، كما لم يلقَ ترحيبًا كبيرًا من الإدارة الأميركية.
- رغم الانتقادات الواسعة، لم يشهد الشارع الفلسطيني تحركات احتجاجية كبيرة، مما يعكس الإحباط وفقدان البوصلة في مواجهة التحديات الوطنية.
قربانٌ آخر تقدمه القيادة الفلسطينية للإدارة الأميركية الجديدة سعيًا نحو بصيص أملٍ، أو التفاتةٍ عابرةٍ تمنح السلطة الفلسطينية شيئًا من الشرعية في ميزان الدبلوماسية الدولية، وكثيرًا من المعونات والمساعدات، وأقلّ القليل من ثناء ترامب وإطرائه، وربّما غض طرفٍ إسرائيليٍ عن بعض المقاصة هنا وهناك.
هذه المرّة قررت السلطة أن يكون الأسرى والجرحى والشهداء وعائلاتهم جميعًا قرابين المرحلة، فأقدمت على تنفيذ إبادةٍ معنويةٍ ممنهجةٍ بحقّهم، عبر إلغاء نظام الراتب الشهري، المقرر حكوميًا وفقًا للوائح منظّمة التحرير الفلسطينية لهذه الفئات، مستبدلةً بالنظام القديم آليةً أخرى عِمادها مساعداتٌ نقديةٌ وفُتات إعاناتٍ تُصرف وفقًا للوضع الاقتصادي والاجتماعي، كما استبدلت جهة الصرف، باعتماد المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي بديلًا عن وزارة التنمية الاجتماعية.
رغم جسامة القرار، وما يمثّله من ارتماءٍ رسميٍ فلسطينيٍ، بلا كوابح، في مستنقع الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية، إلّا أنّه لم يوقف أو يؤخر 245 دعوى إسرائيليةً قضائيةً بحقّ السلطة الفلسطينية
اللافت أن ردود الفعل على القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية، مدفوعةً بذعرها من الاقتطاعات المالية الإسرائيلية، والدعاوى القضائية أمام المحاكم الإسرائيلية والأميركية، لم تتناسب مع تضحيتها السخية بشعبها وشعبيتها لعيون أميركا وربيبتها، ولا مع تأثيرات القرار الهائلة على شريحةٍ واسعةٍ من الفلسطينيين.
فقد جاء رد الفعل الإسرائيلي متشككًا واصفًا القرار بأنّه "احتيالٌ وغير حقيقيٍ"، خِلافًا لما أكّدته تقارير إعلاميةٌ من إجماعٍ إسرائيليٍ أميركيٍ فلسطينيٍ عليه منذ نهاية عام 2021 مرورًا بمارس/آذار من العام المنصرم، وحتّى نهاية ولاية جو بايدن، في حين جاء الرد الأميركي أكثر ترحيبًا من دون تبذيرٍ في الثناء، إذ اعتبرت إدارة دونالد ترامب القرار "بادرة حسن نية"، مؤكّدةً أنّها ستراقب تنفيذه خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، للتأكّد من تنفيذه كاملًا.
رغم جسامة القرار، وما يمثّله من ارتماءٍ رسميٍ فلسطينيٍ، بلا كوابح، في مستنقع الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية، إلّا أنّه لم يوقف أو يؤخر 245 دعوى إسرائيليةً قضائيةً بحقّ السلطة الفلسطينية، لاقتطاع أكثر من 1.25 مليار شيكل، تحت مسمى "تعويض ضحايا الإرهاب"، كما لم يمنع وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر من التأكيد مجددًا على غياب "شريكٍ فلسطينيٍ راغب في تحقيق السلام"، ضاربًا عرض الحائط بجهود السلطة وأجهزتها الأمنية المتواصلة في تحقيق الأمن والسلام الإسرائيلي على حساب شعبها الفلسطيني، كما لم يُضعف عزيمة الإدارة الأميركية في خنق الفلسطينيين، بالإشارة المتكررة إلى الحاجة لجهودٍ أكبر في محاربة التحريض وتغيير المناهج الفلسطينية.
أما الموقف الفلسطيني الداخلي، فقد كان طامةً أخرى تُضاف إلى القرار نفسه، فرغم اتساع تأثيرات القرار الكارثية بحقّ شريحةٍ كبيرةٍ من الفلسطينيين، تتجاوز أربعين ألف أسرةً فلسطينيةً من ذوي الأسرى، ناهيك عن الألوف المؤلفة من أسر شهداء وجرحى مسيرة النضال الفلسطيني، وما يمثّله القرار من "إبادةٍ معنويةٍ" بالتخلِ الرسمي الكامل عنهم وتقزيمٍ لنضالهم، وإهانةٍ لهم، بتحويل حقّهم الوطني إلى إعانةٍ ومساعدةٍ مقرونةٍ بفحصٍ اقتصاديٍ واجتماعيٍ لأحوالهم، إلّا أنّ الشارع الفلسطيني بقي عصيًا على الدمع، إسفنجيًا في مواجهة صدمة القرار، هائمًا بين الكارثة والفاجعة، فاقدًا البوصلة التي تشده للوقوف في وجه امتهان وطنيته.
هذه المرّة قررت السلطة أن يكون الأسرى والجرحى والشهداء وعائلاتهم جميعًا قرابين المرحلة، فأقدمت على تنفيذ إبادةٍ معنويةٍ ممنهجةٍ بحقّهم
رغم تصدر قيادات رسمية وفصائلية فلسطينية مشاهد رفض واستنكار القرار، والإجماع الشامل "الخطابي" على خطورته، باعتباره حلقةً في سلسلة تصفية القضية الفلسطينية، إلّا أنّ الميدان الفلسطيني ظلّ خامدًا، لم تمنحه دعوات الفصائل للنفير جرعة مواجهةٍ، ولم يحرك فيه خطاب رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، الذي تجاوز موقعه الرسمي ودعا الكُل الفلسطيني للتحرك، أيّ شعرةٍ.
لم يخرج أحدٌ، لم تحرك المرارة أحدًا، ولم تُشعل المهانة ثورةً، ولا حتّى إضرابًا أو احتجاجًا، لم يطرق أحدٌ باب الخزان، لا مؤسسات الأسرى والجرحى والشهداء، ولا الجرحى والأسرى المحررون، ولا عائلاتهم وأمهاتهم، ولا مؤسسات المرأة والطفل، ولا النشطاء ولا البُلغاء، ولا الكتل الطلابية ولا النقابات والاتحادات، لم يطرق أحدٌ باب الخزان، لماذا لم يخلعه أحدّ؟