عام على الشراكة بين روسيا وكوريا الشمالية: فقراء شبه الجزيرة وقوداً للحرب الأوكرانية
استمع إلى الملخص
- الدعم العسكري والاقتصادي المتبادل: قدمت كوريا الشمالية دعماً عسكرياً لروسيا ضد القوات الأوكرانية، بينما يُعتقد أن روسيا تقدم مزايا اقتصادية أو عسكرية لكوريا الشمالية، مما يعكس اعتماد روسيا المتزايد على كوريا الشمالية.
- اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة: وُقعت في يونيو 2024، وتنص على تقديم الدعم العسكري في حال تعرض أحد الطرفين لهجوم، مما يعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
مع حلول الذكرى الأولى للتوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية الذي تمّ في 19 يونيو/حزيران 2024، لا يبدو أن طابع التعاون بين موسكو وبيونغ يانغ كان ظرفياً، بل ثمة كثافة للاتصالات والزيارات استبق بها الطرفان هذه الذكرى، وعلى رأسها زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي، وزير الدفاع السابق، سيرغي شويغو، إلى كوريا الشمالية عشية هذه الذكرى التي تحل اليوم الخميس. وفي ختام زيارته إلى بيونغ يانغ وهي الثانية في أقل من شهر والثالثة خلال أقل من ثلاثة أشهر، كشف شويغو أول من أمس الثلاثاء، أن الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، قرر إيفاد ستة آلاف كوري شمالي إلى مقاطعة كورسك الروسية لإجراء أعمال إزالة الألغام وإعادة الإعمار. وكان آلاف الجنود الكوريون الشماليون قد ساندوا روسيا في إخراج القوات الأوكرانية في أواخر إبريل/نيسان الماضي، من المقاطعة بعد توغل أوكراني مفاجئ في السادس من أغسطس/آب الماضي.
التعاون الروسي ـ الكوري الشمالي
وقال شويغو في بيونغ يانغ: "اتخذ رئيس شؤون الدولة لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (الاسم الرسمي لكوريا الشمالية)، كيم جونغ أون، قراراً بإيفاد ألف فرد لإزالة الألغام على الأراضي الروسية، وكذلك خمسة آلاف فرد بناء عسكري لإعادة إعمار مواقع البنية التحتية التي دمرها الاحتلال". ونقلت وكالة تاس عن شويغو قوله إن "هذا شكل من أشكال المساعدة الأخوية من الشعب الكوري والزعيم كيم جونغ أون لبلدنا". وفي وقت لاحق، وصفت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الاجتماع بين شويغو وكيم، بأنه جرى في "أجواء ودية من الصداقة والثقة"، ذاكرة أن كيم أكد خططاً لمزيد من التعاون، من دون تقديم تفاصيل.
قسطنطين بلوخين: تكثيف الزيارات والاتصالات يرجع إلى الإدراك أنه لن تتسنى تسوية النزاع الأوكراني قريباً
كوريا الشمالية التي ظلت على مدى عقود طويلة موضعاً للسخرية بسبب اعتمادها نظاماً شيوعياً بالمعنى الحرفي للكلمة، أشبه بالوضع في روسيا في عهد الاتحاد السوفييتي السابق (1917 ـ 1991)، وسط تداول نكات ساخرة حول ممارسة كادت أن تصبح مجازية لعبادة الفرد، لم تتمكن فقط من أن تصبح قوة نووية بحكم الأمر الواقع وأن تحصن نفسها من أي تدخل خارجي فحسب، بل قدمت أيضاً عوناً حقيقياً لروسيا في التصدي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك. في المقابل، لم ترسل الدول الغربية أفراداً إلى أوكرانيا وتخاذلت في مرات كثيرة عن تقديم الدعم لكييف، مما ساعد القوات الروسية في تحقيق تقدم على الأرض شرقي أوكرانيا مرات عدة. وإلى جانب مشاركة الأفراد الكوريين الشماليين في معارك كورسك، تشير بيانات استخباراتية غربية وأوكرانية وكورية جنوبية إلى أن بيونغ يانغ وفرت لروسيا ملايين قطع من الذخيرة و"عددا هاما" من الصواريخ البالستية.
ويعزو الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، زيادة كثافة الاتصالات واللقاءات بين روسيا وكوريا الشمالية إلى إدراك موسكو أن الأزمة الأوكرانية لن تشهد انفراجة في الأفق المنظور بعد تعثر مفاوضات السلام، مما يزيد من اعتمادها على الدعم الذي تقدمه كوريا الشمالية أفراداً وعتاداً. ويقول بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن هذا التكثيف للزيارات والاتصالات يرجع إلى الإدراك أنه لن تتسنى تسوية النزاع الأوكراني قريباً، طالما أن أوروبا راع عسكري واقتصادي لكييف، بينما تقدم كوريا الشمالية لروسيا دعماً في بعض المجالات مثل تزويد القوات الروسية بالذخيرة والأفراد، وهو دعم تحتاج إليه روسيا لمواصلة عملياتها العسكرية. لم تعد روسيا تخفي هذا التعاون، إذ حضر أفراد كوريون شماليون الاحتفالات بذكرى النصر على ألمانيا النازية بالساحة الحمراء في التاسع من مايو/أيار الماضي". وفي ظل إحجام موسكو وبيونغ يانغ عن الكشف عن المقابل الذي تقدمه روسيا لكوريا الشمالية لقاء الدعم في مواجهة القوات الأوكرانية، يرجح بلوخين أنه يندرج ضمن مزايا اقتصادية أو عسكرية - تقنية تتقاضاها بيونغ يانغ وراء الكواليس ولا يمكن سوى التكهن بها.
وفي وقت لم تكشف فيه روسيا وكوريا الشمالية عن عدد الأفراد الكوريين الشماليين الذين قضوا في معارك كورسك على وجه الدقة، تشير بيانات المخابرات الكورية الجنوبية إلى أن عدد القتلى بينهم بلغ نحو 600 من بين إجمالي نحو 15 ألف فرد أرسلوا إلى روسيا، مقرة بأن القوات الكورية الشمالية تمكنت من تحسين أدائها القتالي بعد نحو ستة أشهر من خبرة استخدام الأسلحة الحديثة، بما فيها المسيرات. وفي نهاية إبريل الماضي، رجحت الاستخبارات الكورية الجنوبية أن بيونغ يانغ حصلت من موسكو مقابل دعمها على دعم فني لأقمارها الصناعية التجسسية، بالإضافة إلى مسيرات ونظم دفاعي جوي.
شويغو: كيم سيوفد 6 آلاف كوري شمالي لإزالة الألغام في كورسك وإعادة إعمارها
اتفاقية روسيا وكوريا الشمالية
وكانت روسيا وكوريا الشمالية قد وقعتا في 19 يونيو 2024، على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة في إطار القمة الروسية الكورية الشمالية وزيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى بيونغ يانغ هي الأولى منذ قرابة ربع قرن. وتنص المادة الرابعة من الاتفاقية على أنه "في حال تعرض أحد الطرفين لهجوم مسلح من قبل أي دولة أو بضع دول وتصبح بذلك في حالة حرب، فسيقدم الطرف الآخر على الفور دعماً عسكرياً وغيره بكافة الوسائل المتاحة بموجب المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة وقوانين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وروسيا الاتحادية". ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ رسمياً في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد تبادل أوراق التصديق بين الطرفين.
وعلى مدى أشهر طويلة، أحجمت موسكو عن تأكيد أو نفي الأنباء المتداولة حول مشاركة عناصر كورية شمالية في أعمال القتال في مقاطعة كورسك، إلى أن قدم رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي، فاليري غيراسيموف، في نهاية إبريل الماضي، تقريراً لبوتين لإبلاغه بأن القوات الروسية أحكمت السيطرة على كامل أراضي مقاطعة كورسك الحدودية، مقراً لأول مرة بصورة رسمية بمشاركة أفراد كوريين شماليين في العمليات تفعيلاً لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وكوريا الشمالية. وحينها، أعرب بوتين عن امتنانه للعسكريين الكوريين الشماليين وكيم جونغ أون بشخصه وقيادة الجمهورية وشعبها، على ما قال إنه العون في استعادة السيطرة على مقاطعة كورسك الحدودية الروسية.