عام على اقتحام الكونغرس: الغوغاء واستمرار الانقسام والتطرف

عام على اقتحام الكونغرس: الغوغاء واستمرار الانقسام والتطرف

06 يناير 2022
جايك أنجيلي (وسط)، أحد رموز جماعة "كيو أنون" داخل مقر الكابيتول يوم اقتحامه (فرانس برس)
+ الخط -

لن يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن، سلفه دونالد ترامب، حتى افتراضياً، ولو عبر شاشة منقسمة، كان يمكن اليوم الخميس أن تجمعهما للمرة الأولى، لتنقل كلمة كلّ منهما، في الذكرى السنوية الأولى لاقتحام أنصار الرئيس الجمهوري السابق مقر الكونغرس الأميركي في واشنطن في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، وشلّهم لوقت قصير جلسة المصادقة على فوز بايدن بالرئاسة الأميركية، في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وقرّر ترامب، ولأسباب مجهولة، إلغاء مؤتمر صحافي كان مقرراً أن يعقده اليوم، وأن ينقل فيه توصيف "المؤامرة"، من يوم الاقتحام، إلى يوم الانتخابات التي يعتبرها أكبر عملية تزوير انتخابي في تاريخ الولايات المتحدة.

ويتحضر الرئيس الأميركي اليوم، من جهته، لإلقاء كلمة، لن تكون فقط مشحونة بالعواطف والحديث عن أهمية الوحدة الأميركية، إذ يريد تسليط الضوء على خريطة طريقه، لتجنيب أميركا اقتحاماً ثانياً وثالثاً.

خريطة غير مضمونة لما بعد الاقتحام

لكن خريطة طريق بايدن والديمقراطيين هذه، تبدو غير مضمونة، بعد عام من الاقتحام. فبعيداً عن توصيفات يوم "التمرد الكبير" أو "اليوم الأسود"، والتي كرّت سبحتها منذ ذلك التاريخ، لوصف الأحداث العنفية والدموية التي هزّت واشنطن وصدمت العالم، لم تتمكن تلك الأحداث، بعد عام على وقوعها، من التقريب بين معسكرين أميركيين أصبحت منطقة التماس بينهما منذ وصول ترامب إلى السلطة في 2016، أكثر توتراً وتحدياً واختلافاً وتطرفاً.

تراجع دونالد ترامب عن عقد مؤتمر صحافي في ذكرى الاقتحام، فيما سيلقي بايدن كلمة بالمناسبة من مقر الكونغرس

ولم يعد اقتحام الكونغرس، الذي وصفه بايدن بـ"اللحظة المظلمة"، مرتبطاً فقط بلحظة تحاول الديمقراطية الأميركية محوها، بقدر ما تتعلق بالمستقبل، إذ إن جميع الإشارات بعد عام على تولي بايدن منصبه، تؤكد أن "فأل" الاقتحام كان سيئاً عليه، وأن كل ما منّ الديمقراطيون النفس باستثماره بعد تلك اللحظة، انقلب عليهم بطريقة معاكسة.

وتبدو الذكرى الأولى لاقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول، أحد أعمدة الديمقراطية الأميركية، اليوم، سياسية بامتياز، على الرغم من "الطقوس" المعتادة التي يتوقع أن يسترجع فيها الإعلام الأميركي صورا ومشاهد ولقطات، بعضها للمرة الأولى، للمئات من الأميركيين الغاضبين لخسارة رئيسهم المفضل ولاية ثانية، والذين تمكنوا من كسر رهبة مبنى الكابيتول وتكسيره، والعبث فيه، وفرض أنفسهم على ساكنيه، لثلاث ساعات متتالية، خصوصاً من مجلس النواب الديمقراطي، الذي اعتبرته الغوغاء مصادراً، وأنه "مجلسها".

ويستعيد نصف الأميركيين، إذا أمكن القول، اليوم الخميس، ذكرى 3 ساعات مرّت في 6 يناير الماضي، وتحتسب منذ تحريض ترامب عند الساعة 12:15 ظهراً في خطاب من حديقة البيت الأبيض، على جلسة المصادقة على فوز منافسه، إلى حين إعلان شرطة الكابيتول، عودة المبنى آمناً.

ولا يشاطر الجمهوريون، على الأرجح، الديمقراطيين، لا في الكونغرس، ولا في الشارع، نظرتهم إلى الاعتداء الذي وصف "إرهابياً" من بعض قادة الحزب الليبرالي، واعتبر حينها بمثابة 11 سبتمبر/أيلول أميركي ثانٍ.

فبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، ترى نسبة كبيرة من الجمهوريين أن عنف 6 يناير 2021، كان مبرراً، وأن الانتخابات الرئاسية سرقت منهم. كما أن الكونغرس لن يكون اليوم في حالة انعقاد، ما يسهّل تغيب عدد كبير من المشرعين و"الشيوخ" الجمهوريين عن إحياء الذكرى التي ستحصل في أروقته.

وستحمل شعلة إحياء الذكرى، التي ستتضمن دقيقة صمت وصلاة، إلى جانب بايدن، رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، المتمرسة في كراهيتها لترامب. وسيتكفل الإعلام الأميركي بنقل الحدث مباشرة، واستعادة مشاهد ضرب أنصار ترامب، وجزء كبير منهم من اليمين المتطرف، بهراواتهم الشرطة الأميركية، وتكسير حواجز الكونغرس الخارجية، واقتحام المبنى من عدة أجنحة له، وتحطيم النوافذ والعبث في مكاتب، واختباء أعضاء الكونغرس تحت الطاولات أو خلف الكراسي.

كما سيستعيد الإعلام، التسلسل الزمني لأكبر حملة تضليل وتحريض حول نتائج الانتخابات في التاريخ الأميركي، ساقها ترامب منذ إعلان فوز بايدن، إلى ما بعد يوم الاقتحام، وحتى بعد إعلانه التزامه الانتقال السلمي للسلطة.

وواصل الخاسر الجمهوري، بعد الاقتحام، حملة قضائية ضخمة باءت بالفشل، في محاولة لقلب نتيجة الاستحقاق. أما أبرز إنجازاته، بخلاف بقاء هيمنته على الحزب الجمهوري، قدرته على جعل تداعيات الاقتحام مع الوقت أكثر انحساراً داخل أميركا، وداخل قاعدته، ولدى المنظومة السياسية المحافظة، على حساب عودة انتعاش اليمين المتطرف الأميركي بعد فترة من الجمود المدروس.

كما تحولت حركة "أوقفوا سرقة الانتخابات"، إلى أيديولوجيا سياسية، إلى جانب شعار ترامب الانتخابي وحركة "جعل أميركا عظيمة مجدداً"، حيث باتتا تختصران كل مكنونات المهمشين من البيض الأميركيين وسخطهم العنصري والسياسي.

وتختبر هذه الأيديولوجيا نفسها، اليوم، في حملات المرشحين للانتخابات النصفية للكونغرس خريف هذا العام، وفي استمرار حجّ السياسيين إلى مارالاغو في فلوريدا، مقر إقامة ترامب، وفي أصوات الناخبين في الانتخابات النصفية التي يأمل الجمهوريون منها استعادة الكونغرس بمجلسيه.

ويعمل كل هذا الحراك مجتمعاً، على أساس أن ترامب يبقى الوجه الأكثر سيطرة على الحزب الجمهوري، وأنه رغم الضربة القوية التي خلّفها عليه الاقتحام، والضرر الجسيم الذي ألحقه بالديمقراطية الأميركية، وقبلها سلوكه في البيت الأبيض، والملاحقات القضائية والتحقيقات التي تطارده، يظلّ المرشح الأوفر حظاً لدى الحزب لرئاسيات 2024، إذا ما قرّر خوضها.

معركة سياسية وانتخابية بين الجمهوريين والديمقراطيين

وتدور معركة مكتومة، سياسية وقضائية وأمنية وانتخابية واستخبارية، منذ اقتحام الكونغرس الدموي، الذي راح ضحيته 5 أشخاص (بالإضافة إلى 4 شرطيين واجهوا الغوغاء وسجل انتحارهم في الأيام والأشهر التي تلت الاقتحام)، بين المعسكرين الديمقراطي والجمهوري، وتبرز كأحد تجليات انتخابات الرئاسة الأميركية 2020، والتي يعد الاقتحام تتويجاً لمسارها الصاخب والاستثنائي.

يتواصل ببطء تحقيق مجلس النواب في دور ترامب بالتحريض على الاقتحام، فيما تؤكد وزارة العدل أن تحقيقها ليس مسيّساً

وجاء الاقتحام، وهو أشد اعتراض شعبي أميركي على نتائج انتخابات رئاسية شهدتها الولايات المتحدة، كحصيلة متوقعة لتمرد ترامب على الهزيمة، ولسطوته على قاعدة تبتلع كل نظريات المؤامرة التي يروجها.

وتبدو هزيمة ترامب بعد الخسارة الانتخابية وإثر الاقتحام، بعد عام، بمفعول أكثر تواضعاً من الآمال الديمقراطية المرفوعة للقضاء على حياته السياسية، قياساً بهول الحدث.

وتدور المعركة لدى الديمقراطيين خصوصاً، في مجلس النواب، الذي تقود لجنة مؤلفة من 10 من أعضائه، تحقيقاً حول دور ترامب في الاقتحام، ويلاحق التحقيق عدداً من الأسماء الوازنة التي كانت ضمن فريق ترامب السياسي (مايكل فلين، ستيف بانون، وغيرهم).

ويأمل الديمقراطيون إدانة ترامب قبل الانتخابات النصفية، بعدما سمح بايدن بالكشف عن وثائق في الأرشيف الوطني من شأنها الإضاءة على اتصالات ومحادثات واجتماعات لسلفه في البيت الأبيض في الأيام التي سبقت الاقتحام، قد تدينه، فيما رفع فريق المتهمين دعاوى مضادة قد تجرّ التحقيق لوقت طويل إضافي.

من جهته، يؤكد تحقيق لوزارة العدل حول الاقتحام، أن لا أبعاد سياسية له، وأنه مستمر في التوقيفات وإدانة المتهمين بالمشاركة في الهجوم. وأعلنت الوزارة الأسبوع الماضي، أن أكثر من 725 شخصاً جرى توقيفهم حتى الآن على علاقة باقتحام الكابيتول، منهم 145 شخصاً أدينوا بتهم فيدرالية، و20 بتهم جنائية.

وقالت الوزارة إنه "تحت قيادة مكتب الادعاء العام في مقاطعة كولومبيا ومكتب أف بي آي في واشنطن، يتواصل التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن الهجوم بسرعة ومستوى غير مسبوقين"، لافتة إلى أن "تصميمها على محاسبة مرتكبي الجرائم في 6 يناير 2021 لم ولن يضعف". وأدين روبرت بالمر من فلوريدا، بأطول مدة سجن في القضية حتى الآن (5 سنوات و3 أشهر)، لضربه شرطياً بدعامة حديدية أمام مدخل الكابيتول في يوم الاقتحام.

مطاردة اليمين المتطرف في أميركا

على مقلب آخر، تدور حملة أخرى صامتة داخل الدولة الأميركية، لملاحقة وجوه وقيادات اليمين المتطرف الأميركي، والذي يشمل المئات من المنظمات والحركات الفاشية والعنصرية والمتطرفة، بعدما أكد تقرير للاستخبارات الأميركية إثر الاقتحام أن الخطر على الولايات المتحدة من التطرف المحلي أصبح الأشد.

وفي صلب ذلك، خرجت تحذيرات لوزارة الدفاع من خطر تغلغل اليمين المتطرف في الجيش والشرطة، ومن الأعمال "الإرهابية" التي ثبتت مشاركة محاربين قدامى فيها.

وبحسب تقرير لـ"مجلس أتلانتك" البحثي، صدر بمناسبة ذكرى الاقتحام، فإن الجماعات اليمينة المتطرفة (براود بويز، ثري برسنتر، كيو أنون...)، آثرت الاختباء بعد الاعتداء الدموي على الكابيتول، وجرت ملاحقة أعضائها أمنياً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها عادت بعد تفعيل منصات تواصل بديلة، لتشن حملة مضادة، وضخّ البروباغندا الخاصة بها في إطار أكثر اتساعاً بعنوان "الحرب الثقافية" في أميركا.

أما الأشد وضوحاً، فهو ولوج اليمين المتطرف إلى داخل المنظومة السياسية والإعلامية التقليدية، ليصبح جزءاً مشروعاً منها. ومثال على ذلك، مشرعون وشيوخ جدد في الكونغرس، من أمثال مارجوري تايلور غرين وبول غوزار.

بالتوازي، يقود الجمهوريون والديمقراطيون، قتالاً سياسياً شرساً، عنوانه إدارة الانتخابات. فمن جهة، يعمل الجمهوريون على تعيين موالين لهم ولترامب في جميع المراكز والوظائف الانتخابية في الولايات التي يسيطرون عليها، وتقييد حق الانتخاب وممارسته (إلغاء الانتخاب بالسيارة أو الانتخاب ليلاً مثلاً أو عدد من التسهيلات التي منحت في فترة الوباء، أو تسهيلات انتخابية تصب لصالح الأقليات الملونة)، وهو ما يواجهه الديمقراطيون بعمل تشريعي لصدّه في الكونغرس.

أما في الشرطة، فقد تمكن الديمقراطيون من سنّ تشريع يسمح لشرطة الكابيتول بطلب قوات الحرس الوطني مباشرة لدى حصول طوارئ، وسط سعيهم لمعالجة الإخفاقات التي قادت إلى الاقتحام.

رغم ذلك، يقّر المعنيون ببقاء إخفاقين أساسيين، هما توحيد الجهد الاستخباري الذي كان بإمكانه منع الهجوم، والنقص في العديد البشري الذي لا تزال تعاني منه شرطة واشنطن.

قضائياً، يحسب للقضاء الأميركي الذي أنهكته دعاوى ترامب منذ إعلان هزيمته، صموده في وجه الضغوط التي مورست عليه، على الصعيد الفيدرالي وفي الولايات، لقلب نتائج الانتخابات.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل المشرعون في الكونغرس، من الديمقراطيين، بالإضافة إلى نائبين فقط من الجمهوريين، هما العضوان الجمهوريان الوحيدان في لجنة التحقيق بالاقتحام، ليز تشيني وآدم كيسينغر، على إصلاح قانون عد أصوات المجمع الانتخابي (أقر قبل 134 عاماً) من قبل الكونغرس، للمصادقة على فوز أي مرشح للرئاسة، وهو ما يجعل هذه المهمة جزءاً أساسياً من عمل لجنة التحقيق في الاقتحام الذي اختارت بيلوسي أعضاءها.

لكن ذلك يبقى أيضاً، عرضة للنقض من أي كونغرس آخر، جمهوري في أكثريته، بعدما عمل محامو ترامب لأشهر على صياغة نظريات لتأكيد أن عدّ الكونغرس ليس دستورياً.

المساهمون