استمع إلى الملخص
- شهد حزب الله تراجعاً في نفوذه السياسي والتنظيمي، مع فقدان السيطرة على بعض مؤسسات الدولة وتفكيك منشآت عسكرية جنوب نهر الليطاني، بينما يسعى لإعادة ترتيب صفوفه وتوحيد مواقفه.
- رغم الشائعات حول الخلافات الداخلية، يؤكد الحزب على تماسكه، لكنه يواجه تضييقاً في التمويل وحصاراً سياسياً، مما يزيد التوتر في الساحة اللبنانية، مع تحديات في ملء الفراغ الذي تركه نصر الله.
تمرّ الذكرى الأولى لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله
على وقع مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية وتنفيذها سلسلة هجمات لاغتيال عناصر وقادة في الحزب بهدف تدميره عسكرياً وقطع الطريق أمام تمكينه من إعادة بناء قوّته. لا يزال الحزب، منذ اغتيال نصر الله يرمّم وضعه الداخلي، خصوصاً أن التباينات والخلافات في المقاربات في صفوفه بدأت تظهر إلى العلن.وكان الظهور الأخير لنصر الله يوم 19 سبتمبر/أيلول 2024، حين ألقى خطاباً خُصّص للتطرق إلى تفجيرات البيجر واللاسلكي في 17 و18 سبتمبر 2024. أقرّ نصر الله خلال الخطاب بتعرّض الحزب لضربة كبيرة وغير مسبوقة في تاريخه، متوعداً في المقابل إسرائيل بـ"حساب عسير". وأكد أن مستقبل المعركة "أيام وليال وأسابيع وشهور وقد تكون سنوات، فهي طويلة مع الكيان، لكن أفقها واضح". ومساء يوم الجمعة في 27 سبتمبر 2024، وبينما كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يهدّد من نيويورك بهزيمة حزب الله، هزّت الضاحية الجنوبية لبيروت سلسلة انفجارات عنيفة، ليتبيّن لاحقاً أنّ الهدف كان نصر الله.
شكّل نبأ اغتيال نصر الله صدمة كبيرة في لبنان. ومع هذا، حرص حزب الله على مواصلة عملياته العسكرية اليومية باستهداف مواقع جيش الاحتلال وتجمعاته، وذلك في وقت كان لا يزال يتعرّض فيه قادته للاغتيال، أبرزهم عضو المجلس المركزي نبيل قاووق، والقيادي علي عبد المنعم كركي. جاء ذلك قبل أن يعلن الحزب في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024 إطلاق عمليات "لبّيك يا نصر الله"، التي استهدفت قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200 ومقر الموساد التي تقع في ضواحي تل أبيب. إلا أنه بينما كان يهمّ لإعلان تعيين هاشم صفي الدين أميناً عاماً للحزب، اغتالته إسرائيل في الثالث من أكتوبر من العام نفسه. وفي 29 أكتوبر 2024، دخل حزب الله مرحلة جديدة مع اختيار نعيم قاسم أميناً عاماً.
ما بعد اغتيال نصر الله
لم تكن مرحلة ما قبل اغتيال نصر الله كما بعده، ليس فقط على المستوى العسكري، سواء بالضربات الإسرائيلية التي قضت على قياديين في حزب الله، أو باشتداد المعركة وتوسّعها إلى العمقَين، الإسرائيلي واللبناني، قبل التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، إنما أيضاً على المستوى السياسي الداخلي، وكذلك التنظيمي، بعدما كان حزب الله من أكثر الأحزاب تنظيماً. تراجع نفوذ حزب الله كثيراً في مؤسسات الدولة، والمواقع الأساسية، وفي صناعة القرار، وكذلك في سيطرته نوعاً ما على الشارع، وهذا ما تجلّى في محطات عدة، كان آخرها، ضبط الجيش اللبناني لتحرّكات مناصريه، ومنعهم من الدخول إلى مناطق معينة إبان اعتراضهم على قرار حصر السلاح بيد الدولة.
كذلك فكّك الجيش اللبناني، انطلاقاً من اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، جزءاً كبيراً من منشآت حزب الله العسكرية جنوب نهر الليطاني، بالتعاون أيضاً مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل)، إلى جانب المقررات التاريخية التي صدرت عن الحكومة، والتي استعادت فيها قرار الحرب والسلم، ووضعت حصرية السلاح، على سكة التنفيذ، مع تصميمها وبضغوط دولية على المضي قدماً بتطبيقها.
حاول حزب الله الحفاظ على تماسك بنيته بعد اغتيال نصر الله وأبرز قادته، الذي كشف اختراقاً إسرائيلياً عميقاً لصفوفه؛ وترتيب وضع بيته الداخلي وإعادة الهيكلة أولاً، منذ تعيين نعيم قاسم أميناً عاماً، خصوصاً في ظل الخلافات والتباينات في الآراء، التي وصلت إلى قطاع الإعلام أيضاً، مع استبدال أبرز وجوهه التنسيقية، رنا الساحلي، ولم تقتصر على الشق السياسي والإداري. كذلك حاول توحيد المواقف على صعيد الاستحقاقات، ولا سيما بشأن ملف السلاح والخروق الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، وسط تمسّكه حتى الساعة بأن مسؤولية معالجتها هو بيد الحكومة اللبنانية.
مصدر نيابي في حزب الله: الوضع كان متماسكاً أكثر سابقاً ومضبوطاً لكن ذلك بمكن معالجته
يقول مصدر نيابي في حزب الله، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا خلافات داخل حزب الله، بما في ذلك ما تردّد بشأن خلاف مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا"، مضيفاً أن "الحزب يعمل على ترتيب وضعه ولا يزال". ويوضح أن "الحدث لم يكن سهلاً، نحن نتحدث عن استشهاد قادة على رأسهم السيد نصر الله، الذي كان يشكل حالة استثنائية بالنسبة إلى جمهور المقاومة". ويشير المصدر إلى وجود "قرارات داخلية تُتخذ لا يمكن إعلانها، قد تظهر تباينات من هنا أو هناك، إلى جانب مواقف، سواء عن شخصيات سياسية أو إعلامية أو مناصرين، قد لا تعبّر كاملة عن موقف الحزب". في الوقت نفسه، يقرّ بأن "الوضع كان طبعاً متماسكاً أكثر سابقاً ومضبوطاً". لكن ذلك وفق المصدر، "يُعالج كلّه، وهو أمر طبيعي بعد الضربات التي تعرّض لها الحزب، وتحصل مع أي حزب فيما لو تعرّض لمثلها". وفي رأيه "أثبت حزب الله خلال هذه الفترة ورغم خسارته أبرز قادته ومجاهدين ورغم تفجيرات البيجر واللاسلكي، قدرته السريعة على الوقوف وإعادة التنظيم، فلم يتأخر بالتعيينات وملء المواقع"، مؤكداً أن الحزب "مستمر بذلك، ويكثف عمله أيضاً تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة في مايو/أيار المقبل".
بين إعادة الترميم والخلافات الداخلية
وفي قراءة لوضع حزب الله، يقول منسّق الحكومة اللبنانية لدى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" سابقاً، العميد منير شحادة، لـ"العربي الجديد"، إن "المقاومة وعلى لسان الأمين العام، تمكنت من ترميم نفسها وأصبحت جاهزة عدّة وعديداً لخوض أي حرب في ما لو قررت أن تبدأ الردّ على العدوان الإسرائيلي المستمرّ". يأتي ذلك خصوصاً، وفق شحادة، أن "قاسم أكد في أكثر من كلمة له أنه لا يمكن أن نبقى صامتين إلى الأبد، لكن الفرصة معطاة للدبلوماسية لتثبت أنها قادرة على كبح جماح إسرائيل، وأقله وقف الخروق". ويلفت بالمقابل إلى أن "إسرائيل، بضوء أخضر أميركي واضح، متفلتة من كل الضوابط ولا تلتزم أي قرارات دولية أو اتفاقات أو معاهدات سلام أو تطبيع معها".
منير شحادة: الشائعات حول وجود خلافات داخل حزب الله غير صحيحة
وفي رأي شحادة، فإن الشائعات التي تخرج حول وجود خلافات داخل حزب الله "غير صحيحة"، كذلك فإن الحزب يجري تحقيقات داخلية للخروق التي تعرّض لها ولمعالجة الثغرات التي حصلت خلال الحرب لاستدراكها في حال اندلاع أي حرب أخرى. ويشير إلى أن وجود تضييق حصل بعد وقف إطلاق النار على الحزب، خصوصاً لناحية التمويل "فمطار بيروت والمعابر مغلقة أمام المقاومة لجلب الأموال من إيران، وهناك أيضاً حصار سياسي عليها، تجلى بقرارات الحكومة حول حصرية السلاح وتكليف الجيش وضع خطة تطبيقية بمهلة أقصاها نهاية السنة الحالية".
ويضيف أن هذه القرارات "اتُّخذت بضغط خارجي، ما جعل التوتر سيّد الموقف كان من شأنه أن يؤدي إلى انفجار في الشارع اللبناني أو تصادم بين الجيش والمقاومة، لكن الاتصالات الكثيفة بين الرئيسين (الجمهورية) جوزاف عون و(مجلس النواب) نبيه بري، التي ترجمت نتائجها بجلسة الحكومة في الخامس من سبتمبر الحالي بخطة الجيش التي أتت حكيمة، نزعت فتيل الانفجار". كذلك، يعتبر شحادة أن دعوة قاسم السعودية إلى فتح صفحة جديدة، قبل نحو أسبوع، "لم يأتِ من ضعف كما يروّج في بعض الإعلام، بل جاء بعد العدوان (الإسرائيلي) على قطر، الذي يحمل رسالة إلى كل الدول العربية بأن لا خطوط حمراً ولا حصانات ولا اتفاقات سلام أو تطبيع يمكن أن تحمي أي دولة عربية، وسط إصرار إسرائيل على تحقيق مشروعها الكبير، وبالتالي، لتأكيد ضرورة أن تكون البوصلة بمواجهة إسرائيل وليس غيرها".
وجدي العريضي: حزب الله اليوم ليس الحزب الذي كنا نعرفه، وهو يعاني من حالة تباعد وانقسام وتشرذم
من جهته، يقول الكاتب السياسي، وجدي العريضي، لـ"العربي الجديد"، إن اغتيال نصر الله "شكّل صدمة كبيرة لدى حزب الله، قيادةً وعناصر، وللطائفة الشيعية، فيما أحدث فراغاً كبيراً من الصعب جداً ملؤه، وصولاً إلى تداعياته على بنية الحزب السياسية وفي كل الميادين والمجالات نظراً لدوره وحضوره". ويشير إلى أن "حزب الله اليوم ليس الحزب الذي كنا نعرفه، وهو يعاني من حالة تباعد وانقسام وتشرذم". وفي رأيه، فإن قاسم "لم يتمكن حتى الساعة من تسجيل أي حضور موازٍ لدور نصر الله أو حجمه، أو حتى قريباً منه ومن خطاباته ومواقفه، لكن أتى تعيينه بصفته كان نائباً له وعلى بيّنة من دور الحزب وارتباطاته بإيران وبنيته المالية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية وغير ذلك، كذلك كان مؤهلاً لملئه، لكنه لم يتمكن بعد من ذلك". ويشير العريضي إلى أن "دور حزب الله مغاير عن السابق، وهو يعاني من حالة تخبط عشوائية وخلافات داخل صفوفه، وسنرى بعد الكثير من ذلك في الفترة المقبلة، خصوصاً في إطار تطبيق الحكومة مقرراتها بشأن حصرية السلاح بيد الدولة".