استمع إلى الملخص
- شهدت الحرب تحولات ميدانية وسياسية، حيث سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق واسعة، بينما استعاد الجيش بعض المناطق. تسببت الحرب في انتهاكات لحقوق الإنسان، مما دفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات.
- مع دخول النزاع عامه الثالث، تتصاعد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، لكن الوضع يظل معقداً بسبب التصعيد المستمر وعدم وجود ضغوط دولية كافية.
حينما استيقظ السودانيون في 15 إبريل/ نيسان 2023 على أصوات الرصاص والمدافع، وحلّقت فوقهم المقاتلات الحربية، لم يكونوا يعتقدون أن الحرب السودانية التي اندلعت يومها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ستستمر كثيراً، لكنها تبلغ اليوم الثلاثاء عامين كاملين، شهدت فيهما البلاد صراعاً مدمراً خلّف دماراً واسعاً وسقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وموجات من النزوح واللجوء. هذه الحرب التي بدأت في الخرطوم ثم انتقلت وتوسعت إلى ولايات أخرى، شهدت تحوّلات مختلفة أعادت رسم خريطة الصراع والسيطرة العسكرية، وكذلك شهدت تحوّلات سياسية وسط انتظار السودانيين نهاية للحرب التي أرقت مضاجعهم.
اندلاع الحرب السودانية
بعد انسداد الأفق السياسي في البلاد وتصاعد التوتر بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، انطلقت الرصاصة الأولى للحرب يوم 15 إبريل 2023 في منطقة المدينة الرياضية جنوبي الخرطوم حيث كانت تعسكر قوة لـ"الدعم السريع"، معلنة اندلاع الصراع العسكري الذي تسبّب في نزوح ما يزيد عن ثمانية ملايين ونصف مليون شخص داخلياً، وعبور حوالي أربعة ملايين شخص الحدود إلى البلدان المجاورة، بحسب بيانات منظمة الهجرة الدولية.
ورغم انطلاق الحرب السودانية في الخرطوم، لكنها ما لبثت أن تمددت إلى أربع من ولايات دارفور الخمس، ثم إلى إقليم كردفان بولاياته الثلاث، وولاية الجزيرة المتاخمة وولاية سنار، وأجزاء من ولاية القضارف. وبدأت القوى الإقليمية والدولية محاولات للتدخل واحتواء الأزمة عبر دفع الجيش و"الدعم" إلى التفاوض وإنهاء الصراع. وبعد مرور شهر من اندلاع الحرب السودانية توصل الطرفان في 11 مايو/ أيار 2023 إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار عقب وساطة سعودية أميركية مشتركة في مدينة جدة السعودية، والتي عرفت باسم "إعلان جدة". وفي 14 مايو 2023، عُقدت جولة ثانية من المفاوضات بين الطرفين بمشاركة منظمة "إيغاد" الأفريقية، ولم تستمر لفترة طويلة بعد انسحاب وفد الجيش، موجهاً اتهامات لقوات الدعم السريع بعدم الخروج من منازل المواطنين والأعيان المدنية، فاضطرت الوساطة لتعليق المفاوضات، مؤكدة "أنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع"، قبل أن يتم استئناف المفاوضات في 25 أكتوبر/ تشرين الأول لمناقشة تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وإجراءات بناء الثقة، لكن كل تلك الجهود لم تفلح في وضع حد للنزاع. كذلك استضافت المنامة في 20 يناير/ كانون الثاني 2024 مباحثات أحيطت بالسرية بين وفدين من الجيش و"الدعم السريع"، إذ مثل الجيش نائب القائد العام شمس الدين كباشي، ومثّل "الدعم" نائب القائد عبد الرحيم دقلو، وبعد جولتين من التفاوض، وقبل انعقاد الجولة الأخيرة للتوقيع النهائي انسحب وفد الجيش من دون إبداء أسباب واضحة وتوقف الأمر.
بعد فشل الحلول السياسية احتدمت العمليات العسكرية وطاولت العديد من المدن والقرى في معظم ولايات البلاد
وبعد فشل الحلول السياسية احتدمت العمليات العسكرية وطاولت العديد من المدن والقرى في معظم ولايات البلاد، وسيطرت "الدعم السريع" حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 على المدن الكبرى في أربع ولايات من أصل خمس في إقليم دارفور (غرب ووسط وشرق وجنوب دارفور)، ولم يتبقَ لها سوى مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، كما سيطرت على عدد من المدن والقرى في إقليم كردفان المتاخم لدارفور. وكانت أبرز التحوّلات بوصول الحرب السودانية إلى وسط السودان مع اقتحام "الدعم السريع" ولاية الجزيرة القريبة من الخرطوم والسيطرة على عاصمتها مدينة ود مدني في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2023، قبل أن يتمكن الجيش في 11 يناير/ كانون الثاني الماضي من استعادتها مجدداً.
كما سيطرت "الدعم السريع" في 25 يونيو/ حزيران 2024 على سلسلة جبال موية في ولاية سنار جنوب شرق السودان، ثم سيطرت في 30 يونيو 2024 على مدينة سنجة عاصمة الولاية، وهو ما تسبب في انتقال الحرب السودانية إلى مناطق جديد وتهديد الولايات الشرقية مثل كسلا والقضارف والبحر الأحمر. لكن الجيش أطلق في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي عملية عسكرية متعددة الاتجاهات بدأت في الخرطوم وتوسعت لتشمل ولايات الجزيرة وسنار، ووصل الجيش إلى القصر الجمهوري في الخرطوم في 21 مارس/ آذار الماضي وأكمل استعادة الخرطوم في 26 مارس عدا مناطق قليلة في مدينة أم درمان.
انتهاكات وتحوّلات
وتسبّبت الحرب السودانية في وقوع العديد من الانتهاكات، ما دفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات في 7 يناير 2025 على حميدتي. وفي 16 يناير أيضاً، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، متهمة قواته بتنفيذ هجمات على المدنيّين. وبعد العديد من الهزائم الميدانية، بدأت "الدعم السريع" تحركات سياسية وعقدت تحالفاً واسعاً مع جماعات سياسية وحركات مسلحة، ووقّعت معها في 24 فبراير/ شباط الماضي ميثاقاً سياسياً في العاصمة الكينية نيروبي لتشكيل "حكومة سلام ووحدة" في المناطق التي تسيطر عليها "الدعم"، ما أثار مخاوف محلية ودولية من تقسيم السودان وتصعيد الحرب.
ومع التحولات التي عززت سيطرة الجيش على مناطق واسعة كانت في قبضة "الدعم السريع" وتقدمه ميدانياً، تجددت الدعوات إلى استئناف التفاوض لوقف إطلاق النار وإنهاء الصراع، لكن الطرفين صعّدا من صراعهما، إذ كثفت "الدعم السريع" منذ نهاية الأسبوع الماضي هجماتها على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور ومخيمات النازحين حولها، وسيطرت على مخيم زمزم جنوب الفاشر أول من أمس الأحد، وذلك بعد هجمات تسبّبت في مقتل وإصابة عشرات المواطنين. كما هددت باجتياح الولايات الشمالية وبدأت فعلياً في تنفيذ هجمات بالطائرات المسيّرة كان آخرها على مدينة الدبة الأربعاء الماضي.
ومن المنتظر أن تشهد لندن اليوم الثلاثاء انعقاد مؤتمر دولي رفيع المستوى لبحث سبل إنهاء الأزمة السودانية، بمشاركة وزراء خارجية نحو 20 دولة ومنظمة دولية، في محاولة لتشكيل تحالف ضاغط لإجبار الأطراف المتحاربة على وقف إطلاق النار والدخول في مسار سلام. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في بيان أول من أمس الأحد، إنه مع دخول النزاع في السودان عامه الثالث على قادة العالم المجتمعين في لندن التحرك فوراً لحماية المدنيين، وضمان طريق آمن وخالٍ من القيود لوصول المساعدات. وأضافت أن المؤتمر الذي تستضيفه بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، سيعقد بينما ما يزال المدنيون يواجهون انتهاكات فظيعة وأذى متعمداً في جميع أنحاء السودان.
صلاح مصطفى: الوضع الحالي الذي تهيمن عليه لغة التصعيد بين الطرفين يجعل من غير الممكن توقع نهاية قريبة للحرب
وعن الوضع الحالي في السودان، قال المحلل السياسي صلاح مصطفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الوضع الحالي الذي تهيمن عليه لغة التصعيد بين الطرفين يجعل من غير الممكن توقع نهاية قريبة للحرب، خصوصاً في ظل عدم وجود ضغوط حقيقية على الجيش و"الدعم السريع" بسبب انشغال العالم بأمور أخرى أكثر أهمية، والملل الدولي من الصراعات السودانية التي لا تنتهي. وأضاف مصطفى أن السودانيين غير متفائلين ومشغولون بأوضاعهم المتردية بسبب الصراع، وربما لم ينتبه الكثير منهم لحلول الذكرى الثانية للحرب. وتابع: "حتى أن سكان الخرطوم على وجه الخصوص لم يبدأوا في العودة إليها رغم تحريرها من الدعم السريع لتخوفهم وشعورهم بعدم الأمان، لأنهم لا ينتظرون تحرير المدن بل إنهاء الحرب برمتها".
وفي السياق، قال المحلل السياسي مجدي عبد القيوم، لـ"العربي الجديد"، إن توقّف حرب السودان أو استمرارها رهين توافق الأطراف الخارجية التي تقف خلفها وهي الأطراف التي تتصارع على الموارد بكافة أشكالها، مضيفاً: "صحيح أن العامل الداخلي لا يمكن تجاوزه وهو نفسه متشعب ومنقسم ما بين مجموعات تنحاز لأحد المحاور الخارجية وأخرى تقف على النقيض". ولفت إلى أن الأكثر تأثراً وتضرراً هو القطاع الأكبر من الشعب السوداني الذي يكتوي بنيران الحرب، وهو الذي يمكن أن يُحدث الفرق في حال انتظم والتف حول هدف أساسي ووحيد وهو كيفية إيقاف الحرب وشكّل عامل ضغط على كل الأطراف فيها. وتابع: "هذه الحرب لا صلة لها بالحروب التي اندلعت سابقاً مستخدمة مفردات خطاب سياسي للمظلومية حول المشاركة في الثروة والسلطة... هذه حرب بالوكالة بامتياز".
ورأى عبد القيوم أن الحديث عن أن "الحرب أشعلها الإسلاميون في محاولة للعودة للسلطة أو لقطع الطريق على الثورة وما إلى ذلك، هو حديث مراهقة سياسية من البعض ومحاولة لطمس الحقائق وتدليسها من البعض الآخر، ومحاولة بائسة لعزل ما يجري في البلاد عما يجري في المنطقة من إعادة ترسيم حدود وإعادة توزيع مناطق النفوذ بين القوى الدولية"، مضيفاً "مع ذلك في تقديري أن المشهد الكلي في المنطقة يقترب من النهاية، وبالتالي سينعكس ذلك على حرب السودان".