عامان على اعتقال الغنوشي.. مطالبات بوقف المحاكمات السياسية في تونس

18 ابريل 2025
راشد الغنوشي (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اعتقلت السلطات التونسية راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، في أبريل 2023، ووجهت له تهم متعددة منها قضية "أنستالينغو"، وحُكم عليه بالسجن لأكثر من 20 عامًا، مما أثار ردود فعل دولية واسعة.
- اعتبرت الهيئة الدولية لمناصرة الغنوشي أن اعتقاله جزء من حملة قمعية ضد المعارضة بقيادة الرئيس قيس سعيد، ووصفت المحاكمات بأنها انتهاك لمبادئ العدالة، داعية للإفراج الفوري عنه.
- تتواصل الاحتجاجات والندوات الدولية للمطالبة بإطلاق سراح الغنوشي، الذي يُعتبر رمزًا للصمود، وسط جهود حقوقية وسياسية للضغط على السلطات التونسية لتحقيق محاكمة عادلة.

في الليلة الفاصلة بين 17 و18 إبريل/ نيسان 2023، أقدمت قوات أمنية تونسية على اعتقال رئيس البرلمان المنتخب السابق ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من داخل بيته وسط العاصمة تونس، في تطور لافت للصراع بين السلطة والمعارضة عموماً، وبين الرئيس قيس سعيد والغنوشي بشكل خاص.

بقي التونسيون يتابعون إلى فجر اليوم التالي عملية إيقاف الغنوشي ومآلها، وإن كانت إيقافاً مؤقتاً أو سجناً يؤشر إلى مرحلة سياسية جديدة في تونس، لكن الإيقاف توالى شهراً بعد شهر، وتتالت التهم الموجهة إلى السياسي البارز، من بينها قضية أنستالينغو التي حوكم فيها بأكثر من 20 عاماً، وقضايا أخرى بسبب تصريح في تأبين صحافي جنوب تونس منذ سنة قال فيه إن هذا الصحافي "كان يحارب الطواغيت"، وتهمة أخرى بسبب تصريح في مسامرة رمضانية مع جبهة الخلاص الوطني، وعديد التهم الأخرى التي لم يتضح مآلها بعد. حتى إن الغنوشى قرر نهائياً عدم حضور أي تحقيق أو محاكمة أخرى، والبقاء في سجنه احتجاجاً على هذه المحاكمات.

شكّل اعتقال الغنوشي لحظة سياسية مهمة في المشهد التونسي، فالرجل صاحب الـ83 سنة شخصية دولية مهمة، وسجنه من السلطة يعني إمكانية اعتقال أي شخص آخر بعده. ولذلك، اعتبرت الهيئة الدولية لمناصرة راشد الغنوشي، في بيان لها، أمس الخميس، أن "هذه المحاكمات الظالمة والأحكام الجائرة تأتي في سياق حملة قمعية واسعة يقودها نظام الرئيس قيس سعيّد، تستهدف كل الأصوات المعارضة من مختلف الاتجاهات، وتستهدف العمل المنظم بكل أشكاله والسيطرة على الإعلام وتأميم المجتمع المدني وتكميم الأفواه، عبر توظيف القضاء أداةً لتصفية الحسابات السياسية، في ظل تراجع خطير لمكتسبات الثورة وتقلص غير مسبوق لفضاءات الحريات منذ انطلاق الثورة التونسية".

وذكّرت الهيئة بأن "السلطات التونسية أقدمت على اعتقال الغنوشي، وبعد اعتقاله توالت ضده القضايا التي بلغت آكثر من 15 قضية، وتوالت الأحكام الجائرة، وكان آخرها الحكم الصادر في الخامس من فبراير/شباط الماضي، بالسجن 22 سنة، في قضية ملفقة لا تمتّ إليه بصلة، فيما عرف بقضية "أنستالينغو".

وأدانت الهيئة الدولية "الأحكام الجائرة بحق الشيخ راشد الغنوشي وكافة المعتقلين السياسيين"، واعتبرتها "انتهاكاً خطيراً لمبادئ العدالة واستقلالية القضاء". وجددت دعوتها إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن الشيخ راشد الغنوشي، واحترام سنّه ومكانته الفكرية والسياسية كأحد أبرز دعاة الاعتدال والحوار في العالم العربي". كما طالبت الهيئة بالإفراج عن جميع سجناء الرأي في تونس، و"وقف توظيف القضاء أداةً للانتقام من المعارضين في ظل غياب أدنى شروط المحاكمة العادلة".

وقال بيان الهيئة: "أثبتت السنوات الماضية، خصوصًا العامين الأخيرين، أن السجون لا تستطيع أن تسجن الأفكار، ولا أن تطفئ نور المبادئ، وأن القادة الحقيقيين يزدادون ثباتًا ونُبلًا في المحن. والشيخ راشد الغنوشي، وهو في عامه الثالث والثمانين، يُجسّد اليوم رمزًا للصمود والتمسك بالحرية، وراية مرفوعة في وجه الاستبداد، لا من أجل نفسه فقط، بل من أجل كل تونسي حرّ، وكل صاحب رأي حر، وكل مؤمن بأن الكلمة أقوى من القيد، والحق أبقى من الباطل".

وفي كلمة خلال الندوة في جنيف بسويسرا، نقلتها وكالة الأناضول، قال نائب رئيس "جمعية ضحايا التعذيب بجنيف" عادل الماجري إن "هذه الندوة تأتي إحياء لهذه الذكرى، ليس فرحاً، بل ألما وحزنا لرجل قدم الكثير لبلاده وللفكر الإسلامي الحداثي والحقوقي، والآن هو مسجون". وتابع: "نحن نواصل اليوم هذا الحراك الحقوقي من أجل إطلاق سراح الغنوشي وكافة المعتقلين والمساجين السياسيين في تونس".

بدوره، وصف رئيس الجمعية عبد الناصر نايت ليمان، في مداخلته خلال الندوة، اعتقال الغنوشي بـ"مظلمة العصر". وأوضح أن هذا اعتقال "لشخصية سياسية محنكة غير عادية، وهو كاتب ومفكر ويشهد له العالم على اعتداله الفكري، ونضاله المستمر لعقود ضد التمييز والإقصاء". كذلك، قال الناشط الحقوقي والسياسي التونسي بلقاسم حسن، في كلمة خلال الندوة، إن "الغنوشي معتقل منذ عامين وليس هناك أفق لانتهاء اعتقاله"، معرباً عن أمله في نيل حريته قريباً.

وفي السياق نفسه، قال عضو جبهة الخلاص الوطني، رياض الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "مضى عامان على اعتقال الغنوشي ولم يكن هناك أي مبرر قانوني لهذا الاعتقال"، وتابع: "طيلة العامين يتواصل التنكيل به في ظل حرمانه من حريته وحقوقه"، موضحاً أنه "جرى افتعال عدة قضايا ضده، وهي غير واقعية، ويستعد يوم 8 مايو/أيار لمحاكمة جديدة فيما يعرف بقضية التآمر الثانية، والتي لا تعرف وقائعها الخيالية ولا أي حيثيات عنها".

وأضاف الشعيبي أن "وضع الغنوشي داخل السجن غير مقبول، خاصة في سنّه ومكانته الرمزية ومكانته في العالم العربي والإسلامي"، مبيناً أنه "مع كل ذلك صابر ولديه إيمان عميق أن تونس خطت خطوة هامة في اتجاه الحرية والديمقراطية، وأنه لا سبيل للتراجع عن هذه الخطوة مهما بذلت السلطة من قمع". وأضاف أن "الإصرار على إبقائه داخل السجن بقرار من السلطة هدفه التنكيل بالمعارضة، وفي ظل الخطوات التي اتخذتها السلطة فهي ترغب في إسكات صوته ومنعه من التعبير والمشاركة في الحراك ضد الدكتاتورية". وبين أن "النضال مستمر رغم اعتقال الغنوشي ومنعه من التعبير عن رأيه" .

الصورة
الغنوشي في تونس، 21 فبراير 2023 (فتحي بلعيد/فرانس برس)
الغنوشي في تونس، 21 فبراير 2023 (فتحي بلعيد/فرانس برس)

وجاء تصريح الشعيبي خلال وقفة احتجاجية، اليوم الجمعة، أمام مقر المحكمة، حيث تجري وقائع المحاكمة الثالثة في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة التي تلاحق فيها قرابة 40 شخصية تونسية، من بينها الشعيبي نفسه، وهو ليس الملاحق وحده من حركة النهضة، فهناك العشرات من المعتقلين والمسجونين والملاحقين، بعدما أقفلت السلطة مقرات الحزب ومنعتهم من النشاط فيه، بما يعكس بوضوح رغبة النظام في إنهاء هذا الفصيل السياسي، وتقليص نشاطه على الأقل.

وقال عضو هيئة الدفاع عن الغنوشي، المحامي مختار الجماعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الغنوشي يتم عامه الثاني وسيدخل عامه الثالث من الاعتقال، والذي يعتبره احتجازا في ظل غياب الشروط القانونية لمحاكمة عادلة"، مؤكدا أن "مجمل الأحكام الصادرة حاليا ضد الغنوشي تفوق الـ30 عاماً، وقد تصل إلى الإعدام، وهي تهم متنوعة بين قضايا ذات صبغة إرهابية وقضايا ذات حق عام، تجتمع كلها في أنها ضعيفة السند ولتصفية خصم سياسي ورئيس حركة النهضة، الحزب الأول في تونس".

وأضاف الجماعي أن "الغنوشي لا يزال متمسكاً بصفته رئيساً سابقاً للبرلمان، ولا يزال متمسكاً بقراره مقاطعة الجلسات رغم تعدد القضايا نظراً إلى عدم توفر شروط المحاكمة العادلة"، مبيناً أن "الغنوشي لا يزال لديه عدة جلسات ابتدائية واستئنافية والقضايا منشورة في عدة دوائر، ولكن طالما أنه مصرّ على عدم الحضور فإن لسان الدفاع أيضاً لا يحضر إلى أن تتوفر شروط المحاكمة العادلة". ولفت إلى أنه "رغم تعدد القضايا، إلا أن الغنوشي مصر أنه موجود في السجن بقرار سياسي، ولن يخرج منه إلا بقرار سياسي، وأن القرارات القضائية مجرد تغطية على القرارات السياسية"، مؤكداً أنه "كثيراً ما يردد هذا القول".