عاصفة داخلية تهز الحزب الحاكم في الدنمارك بسبب جرائم الاحتلال في غزة
استمع إلى الملخص
- رغم محاولاتها تحسين صورتها بانتقاد نتنياهو، يرى أعضاء حزبها أن هذه الخطوات جاءت متأخرة، بينما أظهرت استطلاعات الرأي انقسامًا حول استقبال جرحى غزة وتأييدًا للاعتراف بفلسطين.
- تواجه الحكومة ضغوطًا لوقف تجارة الأسلحة مع إسرائيل، حيث يُحذر من أن استمرارها قد يجعل الدنمارك شريكًا في جرائم حرب، مما يضع فريدركسن أمام تحديات موازنة الإرث السياسي مع المطالب الشعبية.
بدأت رئيسة وزراء الدنمارك ميتا فريدركسن، التي تقود حكومة ائتلافية تجمع حزبها "الاجتماعي الديمقراطي" وحزبي "فينسترا" والمعتدلين من يمين الوسط، تواجه تصدّعاً داخلياً متسارعاً بسبب مواقفها حيال العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ورفضها المتكرر الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على غرار ما قامت به دول أوروبية كالنرويج والسويد وإسبانيا وأيرلندا. فريدركسن، التي تلتقي اليوم الثلاثاء قيادة حزبها والمجموعة البرلمانية في "الاجتماع الصيفي للاجتماعي الديمقراطي"، لم تعد تواجه الانتقادات من الجناح الشبابي فحسب، بل من قيادات بارزة داخل الحزب نفسه، بينها رؤساء بلديات ونواب ومسؤولون كبار، بسبب ما وصفوه بـ"الصمت" و"التقاعس الأخلاقي" تجاه حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة.
وصرّح نائب رئيس بلدية بروندبي، سيد بخاري، لصحيفة "يولاندس بوستن": "أعتقد أننا متواطئون. كان بإمكاننا وقف إسرائيل لو كنا أكثر صرامة. لم نفعل شيئاً. أشعر بالخجل من انتمائي لحزب تجاهل هذه الإبادة الجماعية". وفي تصريح مماثل، عبّر الرئيس السابق للحزب ووزير خارجية الدنمارك الأسبق موينز لوكاتوفت، عن خيبة أمله العميقة من أداء القيادة الحالية للحزب، مؤكدًا أنها فشلت في اتخاذ مواقف أخلاقية واضحة. أما عمدة مدينة أودنسه (جنوب وسط)، بيتر رابايك غويل، فكتب خلال عطلة نهاية الأسبوع أن "ما تقوم به إسرائيل يشبه إبادة جماعية في غزة"، داعياً إلى تحرك أكثر جرأة من الحكومة.
الانتقادات اتسعت لتشمل أيضًا نُواباً في البرلمان الأوروبي، مثل ماونوس بارسو، الذي دعا الحزب إلى الاعتراف بدولة فلسطين رسمياً، وهو مطلب تواصل حكومة الدنمارك رفضه. ورغم أن فريدركسن شدّدت لهجتها أخيراً، ووجهت انتقادات حادة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلا أن كثراً في حزبها يعتبرون أن تلك الخطوات متأخرة جداً، وجاءت تحت ضغط الرأي العام وليس بفعل قناعة سياسية أو أخلاقية.
وفيما أظهر استطلاع رأي أجرته هيئة الإذاعة الدنماركية "دي آر" أن نصف المواطنين لا يفضلون استقبال مرضى أو جرحى من غزة، أظهر استطلاع آخر أجرته صحيفة "ألثينغ" أن أغلبية الدنماركيين لا يعارضون الاعتراف بفلسطين دولةً. من جانبه، رفض المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الاجتماعي، كريستيان رابيرغ مادسن، الانتقادات الموجهة للحكومة، قائلاً: "من غير الصحيح تصوير الحزب وكأنه لم يفعل شيئًا. من الصعب الإشارة إلى مبادرات سياسية أخرى بحجم ما قمنا به".
لكن الأوساط السياسية والإعلامية في الدنمارك لا تبدو مقتنعة بتصعيد لهجة الحكومة، إذ يرى كثيرون أن مواقفها ما زالت متأخرة، وأنها تغضّ الطرف عن صادرات عسكرية وتكنولوجية قد تُستخدم في العدوان الإسرائيلي على المدنيين، ما يطرح تساؤلات متزايدة حول المسؤولية الأخلاقية والقانونية لكوبنهاغن. ويشدد منتقدو الحكومة على أن المطلوب ليس مجرد تعبيرات عن "الاشمئزاز الأخلاقي"، بل خطوات سياسية ملموسة، على رأسها الاعتراف الفوري بدولة فلسطين، ووقف أي شكل من أشكال الدعم غير المباشر لآلة القتل الإسرائيلية.
وتحذر منظمات حقوقية وخبراء في القانون الدولي من أن استمرار الدنمارك في تجاهل الدعوات لوقف تجارة الأسلحة مع إسرائيل قد يضعها في موقع الشريك في جرائم حرب، ويعرّضها لملاحقات قانونية مستقبلاً. وتبدو فريدركسن أسيرة إرث سياسي مؤيد للاحتلال، تغذّيه ضغوط اللوبيات الصهيونية ودوائر المسيحية الصهيونية النافذة في بلد بروتستانتي لوثري لطالما وُصف بمواقفه المشابهة للمسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة. وتعرّضت فريدركسن نفسها لهجوم عنيف من أوساط صهيونية وساسة الاحتلال وإعلامه لمجرد انتقادها نتنياهو واتهامها إسرائيل بتجاوز كل الحدود.
وعلى الرغم من أن الحكومة حاولت في بداية العدوان خنق الأصوات المؤيدة لفلسطين بذريعة "معاداة السامية" و"دعم الإرهاب"، فإن اتساع جرائم الاحتلال، خاصة في الضفة الغربية، وتصاعد الوعي الشعبي بمخاطر التواطؤ، دفعا الشارع الدنماركي نحو مواقف أكثر وضوحًا وجرأة. ومع أن فريدركسن بدأت تُعدّل نبرتها، فإن الضغوط تتزايد داخل حزبها ومن قاعدته اليسارية، مطالبةً إياها باتخاذ مواقف تواكب المزاج العام في الدنمارك الذي بات أكثر انحيازاً للعدالة، وأقلّ تسامحاً مع ازدواجية المعايير.