طوارئ في واشنطن: مخاوف سياسية وأمنية قبل تنصيب بايدن

طوارئ في واشنطن: مخاوف سياسية وأمنية قبل تنصيب بايدن

13 يناير 2021
قوات من الحرس الوطني أمام الكابيتول أمس (ستيفاني رينولدز/Getty)
+ الخط -

بعيداً عن الطوارئ السياسية والأمنية التي تعيشها الولايات المتحدة، على وقع اقتحام أنصار الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الماضي مبنى الكونغرس، والمخاوف من أعمال عنف جديدة مع قرب حفل تنصيب جو بايدن رئيساً في 20 يناير/كانون الثاني الحالي، بالتوازي مع سعي الديمقراطيين لعزل ترامب في الكونغرس، كان الأخير يختار زيارة الجدار العازل على الحدود مع المكسيك، أبرز مشاريعه خلال ولايته الرئاسية، للظهور العلني أمس الثلاثاء بعد أيام من الغياب. هذه الزيارة جاءت بعد لقائه نائبه مايك بنس مساء الاثنين في البيت الأبيض، في أول اجتماع بينهما منذ خلافاتهما إثر أعمال العنف في مبنى الكابيتول الأربعاء الماضي، تخلله إجراء "محادثة جيدة"، يبدو أنها أراحت الرئيس الخاسر إلى أن نائبه لن يستجيب لدعوات التحرك لتنحيته.

لكن مسار عزل الرئيس الجمهوري سيستمر في الكونغرس، مع توجّه مجلس النواب اليوم الأربعاء لمناقشة لائحة اتهامية ضده، من المقرر أن يصوّت عليها في اليوم نفسه، لإطلاق مسار عزل الرئيس الذي تنتهي ولايته مع تنصيب بايدن في 20 يناير الحالي، ليصبح ترامب أول رئيس أميركي يواجه مرتين نص اتهام في الكونغرس ضمن إجراء عزل. وفيما يُتوقع أن يتم تبني النص بسهولة إذ يدعمه عدد كبير من الديمقراطيين في مجلس النواب، يبقى الشك محيطاً بمسار ونتيجة المحاكمة التي يفترض أن تجري لاحقاً في مجلس الشيوخ والذي يعد حالياً غالبية جمهورية، قبل أن يتولى الديمقراطيون السيطرة عليه في 20 يناير، لكنهم سيكونون بحاجة لجمع أصوات العديد من الجمهوريين من أجل بلوغ غالبية الثلثين المطلوبة لإدانة الرئيس. وبينما يُتوقع أن إدانة ترامب في حال تمت ستحول دون ترشحه مجدداً في انتخابات 2024، تبقى المخاوف قائمة من أن تشغل المحاكمة مجلس الشيوخ خلال الأسابيع الأولى من حكم بايدن، الأمر الذي سيعيق المصادقة على تعيينات الوزراء وبعض التشريعات.

وفي الأيام الأخيرة من ولايته التي يعيشها معزولاً، توجّه ترامب أمس إلى تكساس لتفقد قطاع من الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، والذي كان أبرز تعبير عن إحدى ركائز رئاسته، الحملة ضد الهجرة غير الشرعية، بعدما أشرفت إدارته على بناء ما يقرب من 450 ميلاً من الجدار. وعند مغادرته البيت الأبيض نحو تكساس أمس، رفض ترامب في تصريحات للصحافيين الإجابة عن سؤال عما إذا كان سيستقيل، معتبراً أن مساعي عزله "سخيفة تماماً" وأنها "استمرار لأكبر حملة مطاردة في تاريخ السياسة"، ومحذراً من أن هذه الإجراءات تتسبّب بـ"غضب هائل" لدى أنصاره، مع تأكيده أنه لا يريد أي عنف. وقبل زيارته هذه، التقى ترامب نائبه مايك بنس مساء الإثنين في البيت الأبيض، ما عكس رفض الأخير الاستجابة للديمقراطيين الذين حثوه على التحرك لعزل الرئيس. وأجرى الرجلان "محادثة جيدة"، كما أعلن مسؤول أميركي رفض الكشف عن اسمه، بحسب "فرانس برس"، مضيفاً أن ترامب وبنس "تعهّدا مواصلة عملهما في سبيل البلاد حتى نهاية ولايتهما". وعملياً هذا يعني أن ترامب لا يعتزم الاستقالة قبل انتهاء ولايته في 20 يناير الحالي، ويعني أيضاً أن بنس رفض تنحية الرئيس بموجب التعديل 25 للدستور الذي يجيز لنائب الرئيس بالاتفاق مع أغلبية أعضاء الحكومة تنحية الرئيس إذا ما ارتأوا أنّه "غير أهل لتحمل أعباء منصبه". ووفقاً للمسؤول نفسه، فإنّ ترامب وبنس "جدّدا التأكيد أنّ أولئك الذين انتهكوا القانون واقتحموا الكابيتول الأسبوع الماضي لا يمثّلون حركة أميركا أولاً، التي يدعمها 75 مليون أميركي". وجاء هذا اللقاء بعد خلافات بين الرجلين، إثر رفض بنس الأربعاء الماضي عرقلة عملية المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية في الكونغرس.

اعتبر ترامب أن مساعي عزله "سخيفة تماماً" محذراً من أن هذه الإجراءات تتسبّب بـ"غضب هائل" لدى أنصاره

لقاء الإثنين أبرز حقيقة أن بنس لا يعتزم الاستجابة لمطالبة الديمقراطيين بأن يستند إلى التعديل 25 من الدستور ليعزل ترامب، وذلك قبيل تصويت مجلس النواب أمس على قرار يدعو نائب الرئيس لتفعيل هذا التعديل، وهي مادة لم يسبق استخدامها. على الرغم من ذلك، يبقى ترامب مهدداً بعقوبة قد تطبع مستقبله السياسي وتدخل تاريخ الولايات المتحدة. فقد يصبح أول رئيس أميركي يواجه مرتين نص اتهام في الكونغرس ضمن إجراء عزل، إذ مضى الديمقراطيون في اتجاه فتح إجراء عزل بحقه بتهمة "التحريض على العنف" الذي شهدته واشنطن. وبحسب القرار الاتهامي، فإن ترامب شجّع أنصاره على الوصول إلى الكابيتول الأربعاء الماضي و"حرض على العنف" و"عرّض أمن الولايات المتحدة لخطر شديد". وأضاف معدو القرار الاتهامي أنه مع "سلوكه" هذا أظهر الرئيس المنتهية ولايته "أنه لا يزال يشكل تهديداً للأمن القومي وللديمقراطية والدستور إذا سمح له بالبقاء في مهامه".

وسينظر مجلس النواب في نص الاتهام اليوم الأربعاء على أن يجري تصويتاً في اليوم نفسه. ومن المتوقع أن يتم تبنّي النص بسهولة إذ يدعمه عدد كبير من الديمقراطيين في مجلس النواب. لكن الشك يبقى محيطاً بمسار ونتيجة المحاكمة التي يفترض أن تجري لاحقاً في مجلس الشيوخ. وكان الكونغرس قد استهدف ترامب باجراء إقالة باشرته رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في نهاية 2019 بتهمة الطلب من أوكرانيا، التحقيق حول منافسه جو بايدن حين كان مرشحا للرئاسة. وتمت تبرئته في مجلس الشيوخ مطلع العام 2020. وقد تستمر محاكمة المساءلة حتى بعد مغادرة ترامب منصبه، لكن مخاوف تبرز من أن المحاكمة في مجلس الشيوخ قد تعرقل العمل التشريعي للديمقراطيين في بداية عهد بايدن، إذ سينحصر عمل المجلس بهذه القضية، مما يبطئ التصديق على المرشحين لشغل المناصب في الإدارة الجديدة ويصرف الانتباه عن أولويات تشريعية مثل حزمة إعانات جديدة للتخفيف من تداعيات جائحة كورونا. لكن بايدن قال الإثنين إنه يأمل أن يتمكن مجلس الشيوخ من مواصلة أعماله على النحو المعتاد إذا انعقدت محاكمة المساءلة، ربما عن طريق تقسيم ساعات عمله بين الأمرين.

في هذا الوقت، تتزايد المخاوف من أعمال عنف عند تنصيب بايدن في 20 الحالي، على الرغم من أن الأخير قال الإثنين "لست خائفاً" من هذا الحفل في الهواء الطلق، على الرغم من مخاطر تنظيم مناصري ترامب تظاهرات جديدة. وكان مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) قد حذر في مذكرة داخلية من أن متظاهرين موالين لترامب قد يحاولون الإخلال بالحفل. وتلقى مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضاً بحسب شبكة "ايه بي سي" معلومات حول مجموعة تسعى "لاقتحام" مكاتب الحكومة في كل الولايات الخمسين في يوم التنصيب. وترافق ذلك مع إعلان وزير الأمن الداخلي بالوكالة تشاد وولف الإثنين استقالته في خطوة مفاجئة. وتم تعيين بيت غاينور ليحل محله. غير أن هذه الخطوة لم تضع حدا للتساؤلات بشأن أمن العاصمة خلال الأسبوع المقبل.

أعلن البنتاغون أنه سمح بنشر 15 ألف عنصر من الحرس الوطني خلال مراسم تنصيب بايدن

في المقابل، أعلن البنتاغون أنه سمح بنشر 15 ألف عنصر من الحرس الوطني خلال مراسم تنصيب بايدن. وقال رئيس مكتب الحرس الوطني في وزارة الدفاع الجنرال دانيال هوكانسون إن هذه القوات ستجهز بمعدات وأسلحة مكافحة الشغب، غير أنه لم يسمح لها حتى الآن بحمل أسلحة في شوارع العاصمة. كما قالت القائم بأعمال رئيس شرطة الكابيتول يوغاناندا بيتمان في بيان الاثنين إن المسؤولين وضعوا "خططا شاملة ومنسقة" لضمان السلامة والأمن. كما يبدأ جهاز الخدمة السرية في الولايات المتحدة اليوم الأربعاء تنفيذ ترتيباته الأمنية الخاصة بحفل التنصيب الرئاسي، قبل نحو أسبوع مما كان مقررا أصلاً. بالتوازي، أعلن البيت الأبيض في بيان أن ترامب "أعلن حال طوارئ في واشنطن وأمر بمساعدة فيدرالية لمساندة جهود واشنطن للاستجابة للظروف الطارئة الناتجة عن مراسم تنصيب الرئيس من 11 يناير إلى 24 يناير 2021".