طهران تحت النار.. خريطة المواقع والمنشآت الاستراتيجية

18 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 13:30 (توقيت القدس)
منظر عام من العاصمة الإيرانية طهران، 16 يونيو 2025 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد طهران توترات أمنية متزايدة بسبب الاستهداف الإسرائيلي، مما أدى إلى إخلاء بعض المناطق وإغلاق المؤسسات الرسمية والمتاجر الكبرى، ودفع السكان للانتقال إلى مناطق أكثر أمانًا.
- تعتبر طهران مركزًا سياسيًا واقتصاديًا حيويًا لإيران، حيث تضم المؤسسات الحكومية والمقرات العسكرية، وتؤثر أنشطتها على الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية.
- تحتوي طهران على منشآت عسكرية مهمة مثل "بارشين" وقاعدة مهرآباد، مما يجعلها هدفًا محتملاً للهجمات بسبب وجود مقرات القوات المسلحة والحرس الثوري.

لا تكاد أصوات الدفاعات الجوية تخفت في مدينة طهران، ولا سيما في مناطقها الشرقية والغربية، ما يشير إلى استمرار الاستهداف الإسرائيلي للعاصمة الإيرانية، ووضعها في قلب العدوان الإسرائيلي والضغط الأميركي، وهو ما انعكس مؤخراً في "إنذار" الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرورة إخلاء المدينة فوراً قبل يومين، إضافة إلى "إنذارات" إسرائيلية بإخلاء مناطق واسعة منها.

خلال جولة في طهران، تظهر الشوارع بخلاف المعتاد شبه خالية من الزحمة وضوضاء السيارات، والمتاجر الكبرى مغلقة، وكذلك الدوائر والمؤسسات الرسمية، حيث أعلنت الحكومة الإيرانية مطلع هذا الأسبوع إغلاقها حتى نهاية الأسبوع، مع توقعات باستمرار تعطيل المؤسسات والمراكز الإدارية الأسبوع المقبل إذا استمرت المواجهات العسكرية الراهنة.

على مدار اليومين الماضيين، وتحت ضغط تصاعد المواجهة وتركيز الهجمات على طهران وإغلاقها إدارياً، فضّل كثير من سكان المدينة مغادرتها نحو محافظات ومدن أخرى، ولا سيما المدن الساحلية السياحية شمال إيران المطلة على بحر قزوين، ما أدى إلى ازدحام شديد في منافذ الخروج قبل أن يهدأ الوضع نسبياً في اليوم الأخير.

تقول المواطنة الإيرانية فرحناز عيزدي (30 عاماً) لـ"العربي الجديد" إنها وعائلتها اختاروا التوجه إلى فيلتهم في مدينة نور بمحافظة مازندران للبقاء هناك حتى عودة الهدوء، مشيرة إلى أنّ كثيراً من جيرانها "من أصول غير طهرانية" أيضاً غادروا إلى مدنهم عند أقاربهم أو استأجروا منازل لقضاء هذه "العطلة القسرية التي لم يتضح بعد متى ستنتهي".

أما المواطن علي أحمد لو فيقول لـ"العربي الجديد" إنه قرر مع عائلته منذ مساء أمس الأول مغادرة منزلهم القريب من مطار مهرآباد غرب العاصمة طهران والانتقال إلى منزل ابنته في ساحة حر وسط العاصمة، مضيفاً أن "أصوات الهجمات والدفاعات الجوية كانت قوية جداً بالقرب من منزلنا، وكنا نشعر بأننا على مقربة من الموت، وأن حيّنا قد يتعرض للاستهداف في أي لحظة".

نصب الحرية في غرب العاصمة الإيرانية طهران، 8 مايو 2024 (Getty)
الصورة نصب الحرية في غرب العاصمة الإيرانية طهران، 8 مايو 2024 (Getty)

ويستغرب محمد رضا (60 عاماً) من صدور أوامر بإخلاء العاصمة، ويقول لـ"العربي الجديد": "عشت طوال حياتي معارضاً عادياً للسلطات، لكنني اليوم أقف إلى جانب القوات المسلحة حفاظاً على إيران دولةً.. لا أفهم بالضبط ما وراء الدعوة إلى إخلاء المدينة. هم يدّعون أنهم أصدقاء الشعب الإيراني، لكنهم عملياً يضغطون عليه لتحريضه ضد النظام، إلا أن هذا السلوك يدفع الناس إلى الالتفاف حول الحكومة ضد العدوان أكثر"، متسائلاً: "إذا كان هذا هو هدفهم، فكيف سيتحقق إذا لم يبقَ الناس في العاصمة؟... حقاً هم أغبياء".

ملامح طهران

ليست طهران مجرد مدينة أو عاصمة عادية، بل هي عنوان الدولة الإيرانية ورمزها الأكبر، فهي عاصمتها السياسية والاقتصادية، ومركز صناعة القرار، وتضم منشآت عسكرية واقتصادية ضخمة. تقع طهران في شمال وسط إيران، ويتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة، ما يجعلها أكبر مدينة وأشدها ازدحاماً في البلاد. ويصل عدد سكانها أثناء النهار إلى نحو 12 مليون نسمة. اختيرت طهران عاصمة لإيران منذ أكثر من 200 عام (منذ عام 1788)، وتتركز فيها معظم القرارات الإدارية التنفيذية والسياسية الهامة.

تمتد طهران على مساحة 730 كيلومتراً مربعاً، وتعد القلب النابض لإيران، إذ تؤثر أنشطتها على مختلف الجوانب الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية للبلاد. كما تُعد من أكبر مدن العالم وأكثرها اكتظاظاً، وتضم العديد من المعالم السياحية البارزة، من أبرزها شارع وليعصر الذي يربط شمال العاصمة بجنوبها ويزيد طوله على 30 كيلومتراً، ما يجعله أطول شارع في منطقة الشرق الأوسط.

تقع طهران في محافظة تحمل الاسم نفسه، ويبلغ عدد سكان المحافظة نحو 19 مليون نسمة، وتقل مساحتها عن 13 ألف كيلومتر مربع، ما يجعلها المحافظة الأكثر اكتظاظاً في إيران، وثالث أصغر المحافظات مساحة بعد محافظتي البرز وقم الملاصقتين لها. يحد محافظة طهران من الشمال محافظة مازندران، ومن الجنوب محافظة قم، ومن الجنوب الغربي محافظة مركزي، ومن الغرب والشمال الغربي محافظة البرز، ومن الشرق والجنوب الشرقي محافظة سمنان. ويمتد شمال المحافظة إلى السفوح الجنوبية لسلسلة جبال البرز.

كان سكان طهران الأصليون يتحدثون الفارسية، إلا أنه ومع توسع المدينة هاجرت إليها مجموعات من أعراق متعددة مثل الأذريين، الأكراد، الجيلك، الأرمن، العرب، اللور وغيرهم. ومع ذلك، تتحدث الغالبية اليوم الفارسيةَ ولهجتها الطهرانية المميزة، كما أن المدينة تعتبر فسيفساء يعكس مختلف مكونات المجتمع الإيراني، وتضم كل الأقليات العرقية والدينية، من المسلمين الشيعة والسنة، وأقليات أرمنية ويهودية.

سوق طهران الكبير (البازار)

يُعد سوق طهران الكبير في جنوب المدينة من أهم وأعرق المراكز الاقتصادية والثقافية والسياسية في إيران، وله دور فريد في التطورات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

وكان البازار، منذ قرون، المركز الرئيسي للتجارة وتداول مختلف السلع والبضائع وتوزيعها، بما فيها الذهب والسجاد والملابس والمواد الغذائية والسلع الأساسية. ويلعب السوق دوراً محورياً في تحديد الأسعار الاقتصادية العامة، إذ تعتبر مؤشراته أساساً لسوق الذهب والعملة والعملات الصعبة في إيران. أما عمر السوق فيتجاوز أربعمائة سنة، وهو جزء أصيل من النسيج التاريخي لطهران، وله مكانة ثقافية ومعمارية بارزة تراثاً للمدينة.

كما أن وجود المساجد وغيرها من الأماكن الدينية البارزة في السوق يمنحه مكانة دينية مهمة ودوراً رئيسياً في التحولات الثقافية للمجتمع الإيراني. وعلى مدى مئتي عام مضت، كان للسوق دور فاعل في التحولات السياسية الكبرى كالحركة الدستورية، وتأميم النفط، والثورة الإسلامية. وقد شكلت طبقة التجار والبازاريين دوماً أحد الفاعلين الأكثر تأثيراً في قرارات الدولة والأحداث الكبرى، إذ يمكن لدعمهم أو معارضتهم أن يغيّر ميزان القوى في البلاد.

مؤسسات ومقرات سيادية

تُعدّ طهران، بصفتها العاصمة السياسية والاقتصادية لإيران، مركزاً يضمّ جميع المقرّات الحكومية السيادية والدولية، بدءاً من مؤسسات الحكم العليا كالقيادة، الرئاسة، البرلمان، وصولاً إلى الهيئات العسكرية والأمنية، والوزارات، والمؤسسات الاقتصادية وغيرها. تقع معظم المؤسسات والمقرات السياسية الإيرانية في وسط المدينة باتجاه جنوبها، مثل مؤسستي القيادة والرئاسة في شارع باستور، والبرلمان في ساحة بهارستان، والمجلس الأعلى للأمن القومي، والسلطة القضائية، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس خبراء القيادة، ووزارات مثل الخارجية والداخلية.

مراكز طهران العسكرية الحساسة

تشتمل طهران، إلى جانب مقرّات قيادة القوات المسلّحة من الجيش، والحرس الثوري، وقوى الأمن الداخلي، ووزارة الدفاع، على ثكنات ومواقع وقواعد عسكرية مهمة تابعة للحرس الثوري أو الجيش، وهذا ما يجعلها في صدارة قائمة الأهداف المحتملة للهجمات الإسرائيلية.

مسيرات إيرانية خلال عرض عسكري بطهران، 17 أبريل 2024 (مرتضى نيكوبازل/Getty)
الصورة مسيرات إيرانية خلال عرض عسكري بطهران، 17 إبريل 2024 (Getty)

تتوزّع مقرّات قيادة الأركان المشتركة للقوات المسلّحة الإيرانية، والحرس الثوري، والجيش، والقوات الجوية، والبرية، والبحرية، إضافة إلى بعض الثكنات العسكرية، داخل المدينة، ولا سيما في شرقها ووسطها، وبعض أجزائها الشمالية. في حين توجد مراكز حساسة كالقواعد الجوية، ومراكز الدفاع الجوي، ومنشآت إنتاج الصواريخ في ضواحي المدينة، وبالأخصّ في شرق طهران، ثم في غربها.

  •  منشآت شرق طهران

تُعتبر شرق طهران، نظراً إلى تضاريسها الجبلية وظروفها الجغرافية، إحدى أهم المناطق المختارة لإقامة المنشآت العسكرية الحساسة.

  1. يُعدّ موقع "بارشين" أبرز هذه المنشآت. "بارشين" هو اسم منطقة تقع جنوب شرق طهران وشمال شرق مدينة باكْدَشت. تمتد من الشمال إلى متنزه سرخه‌ حصار الوطني وطريق دماوند الواصل إلى شمال إيران، ومن الجنوب إلى باكْدَشت، وطريق سمنان إلى الوسط حيث تقع قواعد جوية. وتُعدّ منطقة شرق طهران موقعاً لعدد كبير من المقرّات العسكرية والأسلحة الإيرانية، بما في ذلك ثكنات لعدة فرق تابعة للحرس الثوري ومقر قيادة الحرس الثوري في شرق طهران، الواقعة شمال منطقة بارشين. تردّد اسم "بارشين" مراراً في العقدين الأخيرين في سياق الحديث الغربي عن البرنامج النووي الإيراني. وكانت المنطقة منطقة عسكرية أيضاً قبل الثورة الإسلامية عام 1979، حيث أُنشئت فيها منشآت لتصنيع الأسلحة والمتفجرات بتمويل ومساعدة دول غربية حليفة لإيران. ولكن بعد الثورة، توقفت هذه المنشآت عن العمل بانسحاب الشركاء الغربيين للنظام الملكي السابق. وتضمّ هذه المنطقة أيضاً بعض المواقع الدفاعية والصاروخية التابعة لوزارة الدفاع والجيش والحرس الثوري.
  2. في مرتفعات منطقة سرخه‌ حصار شرق طهران، توجد عدة مواقع مهمة، منها قواعد تنصّت واتصالات حرب إلكترونية.
  3. تقع وحدة الدفاع الجوي خاتم الأنبياء في خجير، وهي أحد المراكز الرئيسية لقيادة الدفاع الجوي لشرق طهران. ويقال أيضاً إن منطقة خجير شرق طهران تضمّ بعض المنشآت الصاروخية.
  4. قاعدة دوشان تبه الجوية تقع في شرق طهران، على طريق بيروزي السريع، وهي إحدى القواعد الهامة للقوات الجوية للجيش.
  5.  جامعة الإمام الحسين العسكرية. تقع في شرق طهران. هذه الجامعة العسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني، وتأسست عام 1986. تتكون من قسمين هما: جامعة الإمام الحسين الشاملة، وكلية الضباط وتأهيل قوات الحرس. ويمكن للطلاب الالتحاق بهذه الجامعة فقط من خلال اجتياز امتحان داخلي خاص بالحرس الثوري.
  • منشآت غرب طهران وجنوبها الغربي

يُعدّ غرب طهران، على محور طهران - كرج، من المناطق التي تشهد كثافة للمراكز اللوجستية والعسكرية والصاروخية في البلاد، وذلك نظراً إلى أهميته في مجال النقل، الصناعة، والكثافة السكانية. وعادةً لا تُعلن المعلومات الدقيقة حول هذه القواعد والمقرّات نظراً إلى تصنيفها العسكري.

  1. قاعدة مهرآباد الجوية، التي تقع جنوب مطار مهرآباد المدني، وتعتبر القاعدة الجوية الأولى للجيش الإيراني، ومقر عمليات الإصلاح والصيانة للطائرات العسكرية والمدنية.
  2. قاعدة لشغري الجوية تقع هذه القاعدة في حي طهرانسر.
  3. ثكنات قلعه مرغي، وهي من الثكنات الهامة للجيش وتضمّ وحدات دعم لوجستي.
  4. منطقة وردآورد وگرمدره التي تضمّ مجموعة من ثكنات التدريب القتالي، ووحدات الاستجابة السريعة، ووحدات الدعم التابعة للجيش والحرس الثوري.
  5. ثكنة شهيد لشفري التي تؤدي دوراً مهماً في تدريب ونشر الوحدات الخاصة التابعة للحرس الثوري والجيش.
  • شمال طهران

تضمّ هذه المنطقة أيضاً عدداً من أهمّ المراكز والقواعد العسكرية والقيادية وأكثرها حساسية في البلاد، والتي تؤدّي معظمها دوراً استراتيجياً في قيادة المستويات العليا ودعمها للقوات المسلّحة. تقع هذه المراكز غالباً في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، وأحياناً في شمال غرب العاصمة، وهي ذات أهمية بالغة من الناحيتين الجغرافية والأمنية.

من أهم المقرات العسكرية في هذه المنطقة مقر هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية في منطقة ازغل، والقواعد والثكنات التدريبية والعملياتية الهامة للجيش مثل "ثكنات لويزان"، وثكنات الإمام علي بوصفها واحدة من أكبر قواعد التدريب والعمليات التابعة للقوات البرية للحرس الثوري، ومركز تجهيز قوات الرد السريع للحرس الثوري في طهران، ومقر القيادة العامة للحرس الثوري الإيراني في شارع باسداران. ويقال أيضاً إن عدداً من مراكز الدعم والاتصالات الاستراتيجية للجيش والحرس الثوري تقع في شمال شرق طهران، فضلاً عن جامعة الدفاع الوطني. كما تضم شمال شرقي العاصمة طهران، حارات سكنية للكوادر العسكريين. 

  • وسط طهران

في وسط طهران توجد بعض المراكز العسكرية، لكنها تخلو من المنشآت العسكرية التحتية الكبرى مثل مواقع إنتاج الصواريخ وما شابه ذلك. وفي وسط المدينة باتجاه جنوبها، تُوجد مقرات حكومية حساسة مثل "المؤسسة القيادية" في شارع فلسطين، ومقر رئاسة الجمهورية في مجمّع باستور. وبسبب وجود هذه المواقع، تنتشر منظومات الدفاع الجوي في هذه المنطقة، حيث سُمِعَت أصوات الدفاعات الجوية باستمرار خلال خمسة أيام من العدوان الإسرائيلي أثناء تصديها للأهداف الجوية. 

وفي هذه المنطقة أيضاً تقع جامعة الإمام علي لتخريج الضباط في ساحة حرّ. وتُعرف الجامعة بالاسم اختصاراً بـ"جامعة نزاجا"، وهي جامعة عسكرية تابعة للجيش الإيراني، تخص فرع القوات البرية بالتحديد، تأسست هذه الجامعة عام 1921.