استمع إلى الملخص
- يرتبط التوتر بمشروع "استعادة سلطان الدولة" للسيطرة على مؤسسات حيوية مثل المطار والميناء، مما يثير تساؤلات حول جدوى السيطرة على هذه المؤسسات في ظل انعدام الأمن.
- تزامن التوتر مع إعلان خريطة طريق أممية للانتخابات، لكن التصعيد الأمني ألقى بظلاله على هذه الجهود، مما زاد من مخاوف المواطنين.
تعيش العاصمة الليبية طرابلس منذ نحو أسبوع على وتر التصعيد الأمني الحاد، وتحوّلت فيه شوارعها إلى مسرح لتحركات عسكرية ونقل مسلحين. وبينما تلوح في الأفق احتمالات مواجهة قد تُدخل المدينة في حرب جديدة، فإن حكومة الوحدة الوطنية لا تلزم الصمت المطبق حيال هذا المشهد المرعب للمواطن فقط، بل تبث منصاتها الإعلامية بشكل متواصل أخباراً وتقارير عن استعداداتها للعام الدراسي وطباعة الكتب وضبط الأسعار ومشروعات المواصلات ورصف الطرق، وكأنها تتحدث عن بلد آخر غير الذي يعيش أهله تحت رحمة المسلحين والتحشيدات العسكرية.
المفارقة أن هذا التوتر على صلة بمشروع الحكومة الذي أعلنته قبل أشهر تحت شعار "استعادة سلطان الدولة" للسيطرة على مقار ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها الآن المطار والميناء اللذين يقعان تحت سيطرة مليشيا الردع، وهما مؤسستان لهما طبيعة خدمية، في الوقت الذي تهمش فيه الجانب الإنساني والأمني للمواطن الذي بدأ منذ أول يوم للتوتر في وضع خططه للنزوح، وسط تراجع ملحوظ للحركة في الطرقات الرئيسية للعاصمة، مع خشية المواطنين من اندلاع المواجهات في أي لحظة. فما قيمة السيطرة على المطار إذا كان المواطن لا يستطيع الوصول إليه آمناً، أو حتى المرور قربه؟ وما جدوى السيطرة على الميناء إذا كانت طرابلس نفسها مقطوعة الأوصال بسبب التصعيد؟
الأغرب من ذلك أن حالة التوتر تزامنت مع إعلان البعثة الأممية عن خريطة طريق جديدة تهدف إلى إجراء الانتخابات وتمكين الليبيين من اختيار قادتهم بعيداً عن لغة السلاح، لكن ذلك الأمر تراجع بل غاب تماماً في أتون بيانات البعثة المحذرة من التصعيد، ما زاد حجم مخاوف المواطن.
المشهد في طرابلس يخبر كيف تحولت العاصمة إلى معسكر كبير لا يختلف كثيراً عما فعله خليفة حفتر في شرق وجنوب ليبيا، ليبرز سؤال: أي دولة هذه التي تفرض سلطانها على المقار والمؤسسات بالخيارات العسكرية، وتترك المواطن يعيش في رعب دائم؟ وأي انتخابات هذه التي تُطرح في ظل غياب الأمن واستمرار سيطرة المسلحين على الأرض؟ والجواب ضمناً: كل الوعود والشعارات تتحطم على صخرة الواقع المرير الذي يقول لسان حاله إن المواطن آخر هم الساعين للسلطة.